غزة– عشيّة الذكرى السنوية الثانية لنجاتها من مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وأودت بحياة أسرتها عدا والدها خلال معركة “سيف القدس” عام 2021، نجت الطفلة “سوزي رياض أشكنتنا”، مرة أخرى من موت محقق وقف على “مسافة صفر” منها، عندما قصفت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الجمعة، شقة سكنية مقابلة لمنزل ذويها في حي النصر شمال غربي مدينة غزة.
وصبيحة العدوان الإسرائيلي الحالي المستمر لليوم الخامس على التوالي، اصطحب رياض طفلته سوزي (9 أعوام) إلى شقة جدتها، أملا منه في أجواء “تسلية وأمان” قد تجدها سوزي مع عائلة عمّها وأطفاله الذين يقيمون في الشقة نفسها، لكنه لم يكن يعلم أنه يقرّبها أكثر من خطر الموت.
انتفضت سوزي رعبا وقت وقوع غارة جوية إسرائيلية دمرت شقة سكنية تفصلها بناية واحدة عن شقة جدتها الستينية “أم رائد”، وتبين أنها عملية اغتيال استهدفت عضو المجلس العسكري لسرايا القدس مسؤول وحدة العمليات فيها الشهيد إياد الحسني.
“يوم القيامة”
لمعت النيران المنبعثة من قوة الانفجار في عيني سوزي، وغطى الغبار والدخان الأسود البيت، وتسابقت مع جدتها وأسرة عمها في نزول درج البناية من الطابق الرابع إلى الشارع، يلاحقهم الرعب. وبكلمات قليلة قالت الطفلة للجزيرة نت “اعتقدت أن القصف علينا.. أنا كويسة الحمد لله”.
ويقول رياض إن سوزي تعيش أوقاتا عصيبة منذ استشهاد والدتها وإخوتها خلال الحرب الماضية، وتشعر بالرعب مع كل عدوان إسرائيلي جديد على غزة.
وكان رياض في طريقه لسوزي عندما وقع انفجار هائل على بعد أمتار تفصله عن البناية التي تضم الشقة واستهدف الحسني بداخلها، ويقول “تملّكني خوف شديد على سوزي، فهي لا تحتمل صدمة أخرى (..) لقد ارتمت في حضني في الشارع، وهي تكرر: أنا خايفة.. خايفة من الموت”.
كان المشهد مرعبا “وكأنه يوم القيامة”، ووفق وصف الأب رياض “الناس يهربون من منازلهم وينتشرون في الشوارع، والنيران تشتعل في الشقة المستهدفة وتتصاعد منها أعمدة الدخان، والركام وشظايا الزجاج تتناثر في الأرجاء”.
انتُشلت من تحت الأنقاض ونجت مع والدها..
لكن استشهاد أمها وإخوتها وقصف الاحتلال الوحشي خلف صدمات نفسية جعلتها قليلة الكلام والأكل..
تعرفوا على قصة الطفلة سوزي اشكنتنا: pic.twitter.com/JvadpgIhkE— AJ+ عربي (@ajplusarabi) June 10, 2021
نجاة من براثن الموت
“هو المشهد ذاته الذي مرت به سوزي قبل عامين، ولا أدري إلى أي حد سيؤثر عليها” يقول الأب، ويضيف “لم تتخلص بعد من الذكرى الأليمة، وكل حدث مؤلم سيؤخر تعافيها”.
وتقول الجدة أم رائد للجزيرة نت “كنا 10 أفراد داخل الشقة، وشعرنا بأن الموت قريب منا مع وقوع الانفجار (..) القصف كان عنيفا وقريبا وكأنه يستهدفنا.. ملأ الغبار والدخان الشقة، وأفقدانا الرؤية، ثم أخذنا بالصراخ على بعضنا، وتدافعنا مع الجيران نحو الشارع”.
وأعادت هذه الغارة للعائلة ذكرى مجزرة شارع الوحدة خلال معركة “سيف القدس”. وفي تلك المجزرة التي تمر ذكراها السنوية الثانية في 16 الشهر الجاري، فقدت الطفلة سوزي والدتها عبير (29 عاما) وأشقاءها الأربعة: دانا (9 أعوام)، ويحيى (5 أعوام)، ولانا (6 أعوام)، وزين (عامان)، إثر غارة جوية إسرائيلية دمرت المنزل المكون من 4 طوابق فوق رؤوس سكانه. وكانت سوزي ووالدها الناجيين الوحيدين، بعدما قضيا ساعات مدفونين تحت الركام، قبل أن تنتشلهما أيدي المنقذين.
حصيلة موت ودمار
كانت مأساة سوزي كبيرة بفقدان والدتها وأشقائها، غير أنها أصبحت محظوظة بالقدر الذي حفظ حياتها مرتين، في حين قتلت جولات القصف الإسرائيلية 72 طفلا في 11 يوما من معركة “سيف القدس” قبل عامين.
وفي العدوان الحالي، قالت وزارة الصحة الفلسطينية في حصيلة غير نهائية إن القصف الإسرائيلي المتواصل أدى إلى استشهاد 10 أطفال من بين 33 شهيدا حتى الآن، وجرح 147 شخصا من بينهم أطفال، خلال الأيام الأربعة الماضية من العدوان الحالي.
واستشهد وأصيب غالبية هؤلاء الأطفال وهم نيام، في غارات ليلية نفذتها مقاتلات حربية إسرائيلية، فداهمهم الموت في أَسرّتهم وداخل غرف نومهم.
وتشير بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإعلام الحكومي الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، إلى أن قوات الاحتلال دمرت خلال 5 أيام من العدوان الحالي 15 منزلا كليا، ولحقت أضرار جزئية وبليغة بـ940 وحدة سكنية منها 49 أصبحت غير صالحة للسكن.