يؤكد فريق بحثي بقيادة علماء من جامعة ديلاور الأميركية، أن المدن يمكن أن تكون من المناطق التي تسهم بقدر يسير في عملية الاحترار العالمي، وتساعد السكان على تخطي الظواهر المناخية المتطرفة مثل الموجات الحارة والأمطار الغزيرة.
وتأتي تلك النتائج لتتعارض مع فرضية هندسية أخرى تقول إنه لمواجهة التغير المناخي يجب الحد من بناء المدن الجديدة لأن المدن دائما ما تكون ضارة للبشر والمناخ من ناحية بيئية. ويأتي ذلك في سياق هجرة واسعة عالمية لسكان الريف إلى الحضر، وهو ما يضغط لبناء مدن جديدة حول العالم.
وفي الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية “نيتشر كوميونكيشنز”، يشير الباحثون إلى أنه يمكن لأنماط الأراضي الحضرية المصممة جيدا أن تقلل من تعرض السكان للظواهر الجوية المتطرفة.
وللتوصل إلى تلك النتائج جمع الباحثون بيانات عن المناطق الحضرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك المدن الكبيرة والصغيرة، ثم قاموا بدراسة اتجاهات التنمية العمرانية على مدى 40 سنة مضت، ومن خلال ذلك قاموا ببناء محاكاة تحاول أن تتوقع شكل المدن بحلول نهاية القرن وتبحث في فاعليتها.
وأظهرت عمليات المحاكاة التي أجراها الفريق أنه في نهاية القرن الـ21، يمكن تخطيط المدينة أو تنظيمها مكانيا بحيث تعمل على تقليل تعرض السكان لظواهر الطقس المتطرفة في المستقبل.
كيفي تبني مدينة تحمي السكان من التغير المناخي؟
هناك عدد من التكتيكات التي يمكن أن تنتهجها الحكومات في سبيل تحقيق هذا الغرض، منها مثلا دمج المساحات الخضراء والمتنزهات والغابات الحضرية ضمن مخطط المدينة، الأمر الذي يعمل على امتصاص الحرارة الزائدة وتوفير الظل، حيث تعمل هذه المناطق كحواجز طبيعية ضد درجات الحرارة القصوى.
ومن ذلك أيضا تشجيع أشكال الأحياء المدمجة المتعددة الاستخدامات (السكنية والتجارية والترفيهية)، فهذا يقلل من الحاجة إلى التنقل لمسافات طويلة، وبالتبعية تقليل الوقود المستخدم، وتعمل الأحياء المدمجة التي يمكن المشي فيها على تقليل التعرض للطقس القاسي أثناء السفر.
كما يساعد ذلك على تصميم مدن يقل فيها انتشار الأسطح غير المنفذة مثل الطرق ومواقف السيارات، وهذا يقلل من الجريان السطحي أثناء هطول الأمطار الغزيرة ويمنع الفيضانات، وفي المقابل يمكن أن يؤدي الإكثار من الأسطح الباردة (الأسطح العاكسة) والأسطح الخضراء (الأسطح النباتية) إلى تنظيم درجات حرارة المباني وتقليل الإجهاد الحراري.
ويمكن أيضا أن يساعد إعطاء الأولوية لوسائل النقل العام وتطويرها لتصبح مفضلة لدى الجمهور عبر تطوير الطرق وخطوط السير للتقليل من الاعتماد على المركبات الخاصة، وبالتبعية يقلل ذلك من الازدحام المروري، الأمر الذي يساعد في تخفيف الحمل على المناخ ويقلل من تعرض الناس للظواهر المناخية المتطرفة.
ويمكن للمباني الموجهة بشكل صحيح أن تزيد من التهوية الطبيعية وضوء النهار مع تقليل التعرض المباشر لأشعة الشمس، وتقلل التصميمات الموفرة للطاقة من الحاجة إلى تكييف الهواء أثناء موجات الحر، وبالتالي تخفض من الأثر الضار على البيئة.
كذلك فإن إنشاء بنية تحتية مرنة يمكنها تحمل الظواهر الجوية القاسية مثل الطرق المرتفعة وحواجز الفيضانات وأنظمة إدارة مياه الأمطار، الأمر الذي يمكن أن يحمي السكان، خاصة مع تطوير نظام إنذار مبكر مناسب.
مستقبل العالم
وبحسب الدراسة الجديدة، فإنه عند بناء أجزاء جديدة أو تجديد الأجزاء الحالية من المدينة، يجب على متخذي القرار تعديل عقليتهم بالنظر إلى إجابة عن سؤال: كيف سيغير التطوير والتجديد الطريقة التي تقع بها المدينة كلها في محيطها الطبيعي؟
ويؤكد الباحثون أن إجابات أسئلة كهذه ستختلف من منطقة إلى أخرى، بل ومن مرحلة زمنية إلى أخرى، ولذلك يجب أن يكون تطوير المدن عملا قائما باستمرار ليتكيف مع الظروف الجديدة، بحسب بيان صحفي رسمي من جامعة ديلاوير.
وقد أشارت الدراسة إلى أن ذلك ممكن، فما امتلكته هيئات تخطيط المدن خلال 40 سنة مضت من خبرة يسمح بحجم من التغيير الحضري المستمر يمكنه موازنة التغير المناخي سنة بعد سنة، الأمر الذي يعد مطمئنا بشكل عام، لكنه بالطبع يتطلب تغيير وجهات النظر الحكومية تجاه هذه المسألة.