تنبأ باحثو جامعة إمبريال كوليدج الإنجليزية بانخفاض “ميزانية الكربون المتاحة” (Remaining carbon budget) أو (RCB) مقارنة بالتنبؤات السابقة التي أجراها متخصصو المناخ.
وتشير نتائج الدراسة المنشورة بدورية “نيتشر كلايمت تشينج” (Nature climate change) إلى أن فرصة تجنب زيادة درجة حرارة الأرض عن معدل 1.5 درجة مئوية سنويا قبل العام 2030 لا تزيد عن 50%.
وقدَّر الباحثون انخفاض ميزانية الكربون المتاحة بنحو النصف منذ العام 2020، الأمر الذي يتطلب اتخاذ حكومات العالم قرارات سريعة بهدف تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ المتمثلة في عدم زيادة درجة حرارة الأرض عن درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة المسجلة في عصر ما قبل الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر، وبذل الجهد من أجل منع هذه الزيادة عن 1.5 درجة.
ولتحقيق هذين الهدفين ينبغي خفض كمية الانبعاثات الكربونية في أسرع وقت أملا في الحد من التغيرات المناخية التي أدت بالفعل إلى معاناة بعض الدول من ظواهر جوية متطرفة.
حسابات غير دقيقة
حاول الباحثون المختصون في علوم المناخ خلال السنوات السابقة حساب كمية الانبعاثات الكربونية التي يمكن السماح بها مستقبلا دون الإضرار بالمناخ العالمي، وأطلقوا على هذه الكمية اسم ميزانية الكربون المتاحة.
وتنبأ تقرير سابق للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في العام 2018، بأننا قد نستطيع تجنب اجتياز درجة حرارة الأرض معدل 1.5 درجة مئوية بنسبة 50% إذا لم تتخط الانبعاثات الكربونية 580 غيغاطنا من غاز ثاني أكسيد الكربون.
أما الدراسة الجديدة فتتنبأ نتائجها بأن ميزانية الكربون المتاحة لضمان تحقيق الهدف نفسه لا تتجاوز 250 غيغاطنا من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وبناء على حسابات التقرير الصادر في العام 2018، كان من المتوقع أن تكفي ميزانية الكربون مدة 14 عاما حتى العام 2032 تقريبا. وبعد إعادة الحساب اكتشف باحثو إمبريال كوليدج عدم دقة التنبؤات السابقة، معلنين أن الميزانية المتاحة تكفي حتى العام 2029 تقريبا، وذلك إذا ثبت معدل الانبعاثات السنوي عند 40 غيغاطنا، وهو المعدل المسجل في العام 2022.
وبانتهاء ميزانية الكربون وعدم القدرة على تحقيق هدف “صافي صفر انبعاثات كربونية” (Net zero carbon emissions)، قد يتعرض العالم إلى تغيرات مناخية حادة يصعب السيطرة عليها. ويعني مصطلح “صافي صفر انبعاثات كربونية” أن كمية الغازات الدفيئة الناتجة من الأنشطة الإنسانية تكافئ الكمية التي نستطيع إزالتها من الجو.
وإلى جانب الانبعاث الكربوني وتأثير الغازات الدفيئة، قد ترتفع درجة حرارة الأرض بسبب بعض العوامل الطبيعية، مثل ذوبان الجليد، والتغير في دوران المحيطات. وفي المقابل تمتص الأغطية النباتية مثل الغابات، كمًّا كبيرا من ثاني أكسيد الكربون، مما يسهم في خفض درجات الحرارة.
خطوات غير كافية
وفي البيان الصحفي المنشور بمنصة “يوريك ألرت” (Eurekalert)، أوضح الباحث الرئيسي في الدراسة روبن لامبول أن النتائج تؤكد عدم اتخاذ دول العالم خطوات كافية تضمن بقاء معدل زيادة درجة حرارة الأرض تحت 1.5 درجة مئوية. ويشرح لامبول هذه النتائج بالقول: إن “ميزانية الكربون المتبقية صغيرة جدا، وصرنا نمتلك أقل من عِقد واحد قبل انتهاء هذه الميزانية طالما ظلت نسبة تلك الانبعاثات مرتفعة كما هو الحال حاليا”.
وأوضح الباحث أن الحد من الانبعاث الكربوني خلال السنوات القليلة القادمة والوصول إلى “صافي صفر انبعاثات كربونية”، قد يسهم في استقرار درجة حرارة الأرض عبر التأثير المتبادل للعوامل التي تزيد الحرارة وتلك التي تخفضها.
وللوصول إلى تلك الاستنتاجات استغل الباحثون بيانات الانبعاث الكربوني الصادرة حديثا، إلى جانب دراسة تأثير الغازات الأخرى -غير ثاني أكسيد الكربون- التي تسبب زيادة درجة حرارة الأرض، مثل الميثان، والاعتماد على نماذج حسابية دقيقة ومتطورة.
مزيج طاقة
وفي حوار أجرته الجزيرة نت مع المنسق الوطني السابق للاتفاقية الإطارية لتغير المناخ في الأمم المتحدة الدكتور هشام السيد علي، أوضح صعوبة التأكد من صحة نتائج الدراسة الجديدة نظرا لاعتمادها على مجموعة من المعادلات المختلفة لا على قياسات فعلية.
وطبقا لرؤيته، أشار علي إلى أن الاستغناء التام عن الوقود الأحفوري أمر غير واقعي ويكاد يكون محض خيال، لأن توليد الطاقة المتجددة وتصنيع آلياته يستدعي استخدام الوقود الأحفوري. وبناء على ذلك لا يعد منع استخدام هذا الوقود حلا لمشكلة زيادة الانبعاثات الكربونية، إنما يكمن الحل في الاعتماد على “مزيج طاقة” (Energy mix) يجمع بين الوقودين الأحفوري والمتجدد، وهو الأمر الذي يحد من استخدام الأول ويعزز استغلال الثاني.
وبسؤاله عن مدى تأثر العالم العربي في حال فشل جهود الحفاظ على درجة حرارة الأرض، أوضح علي أن التغيرات المناخية أثرت في دول عربية عدة بالفعل مثل الجزائر وليبيا، وارتفعت درجات الحرارة في مصر ارتفاعا ملحوظا.
وأضاف: “قد تعاني المدن العربية الساحلية مخاطر متزايدة مستقبلا نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي قد يؤدي إلى غمر مناطق عدة بالمياه بما يعيق الحياة فيها، وقد تزداد حدة العواصف الرملية وترتفع درجات الحرارة ارتفاعا غير مسبوق، مما قد يسبب مخاطر عدة تتعلق بصحة الإنسان، وكفاءة الإنتاج الزراعي”.