وفقا لدراسة حديثة قام بها علماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يُظهر تحليل لأحد النيازك أن اللبنات الأساسية و”البذور” الكوكبية التي شكلت الأرض في نهاية المطاف تحتوي على الماء.
وبحسب البيان الصادر من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يقول الباحثون إنه عندما كانت شمسنا نجما شابا قبل 4.56 مليارات سنة، كان نظامنا الشمسي مجرد قرص من الغبار الصخري والغاز. وعلى مدى عشرات الملايين من السنين، تجمعت حصوات صغيرة من الغبار مثل كرة الثلج التي تتدحرج أكبر وأكبر، لتشكل “كوكبات مصغرة” بحجم كيلومتر واحد، والتي شكلت اللبنات الأساسية للأرض.
ونشر الباحثون نتائج دراستهم في دورية نيتشر أسترونومي بعنوان “تراكم أقدم الكواكب الصغيرة في النظام الشمسي الداخلي خارج خط الماء والثلج”.
فهم البيئات القديمة للكواكب
وبحسب بيان معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فقد حاول الباحثون منذ فترة طويلة فهم البيئات القديمة التي تشكلت فيها هذه الكواكب المصغرة، ومعرفة ما إذا كانت تحتوي على ماء.
تُعرّف الكواكب المصغرة -حسب نظرية تشكل الكواكب- بأنها عبارة عن أجسام صلبة تحيط بنجم حديث التشكل، وتتشكل من حبيبات غبار كوني تلتصق ببعضها وتأخذ بتكوين أجسام أكبر فأكبر (مثل كرة الجليد).
وللإجابة على هذه الأسئلة، قام العلماء في معهد كاليفورنيا بتحليل عينات من نيازك يعتقد أنها تعود إلى السنوات الأولى للنظام الشمسي، والتي تشكلت من بقايا النوى المعدنية لأقدم الكواكب المصغرة في نظامنا الشمسي والتي سقطت في النهاية على كوكبنا.
نتائج تحليل النيازك
بعد تحليل النيازك توصلت الدراسة إلى أن أقدم الكواكب المصغرة في النظام الشمسي الداخلي تشكلت في وجود الماء، مما يتحدى النماذج الفيزيائية الفلكية الحالية للنظام الشمسي المبكر.
كما توصلت إلى أنه يمكن للتركيبات الكيميائية لمثل هذه النيازك أن تكشف معلومات عن البيئات التي تشكلت فيها، ومعرفة ما إذا كانت اللبنات الأساسية للأرض قد تشكلت بعيدا عن شمسنا، حيث سمحت درجات الحرارة الباردة بوجود جليد مائي، أو تشكلت قريبا من الشمس، حيث إن الحرارة قد تُبخر أي ماء مما يؤدي إلى جفاف الكواكب الدقيقة.
ويضيف بيان جامعة كاليفورنيا، أنه وعلى الرغم من أن النيازك نفسها لا تحتوي على الماء، فإن العلماء يمكنهم استنتاج وجودها المفقود منذ فترة طويلة من خلال فحص تأثيرها على العناصر الكيميائية الأخرى.
ويحلل العلماء وجود الماء في السابق من خلال معرفتنا المسبقة بأن الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة، وفي وجود عناصر أخرى غالبًا ما ينقل الماء ذرة الأكسجين الخاصة به بعيدا في عملية تسمى الأكسدة، فعلى سبيل المثال يتفاعل معدن الحديد (Fe) مع الماء (H2O) لتكوين أوكسيد الحديد (FeO). ويمكن أن يؤدي وجود فائض كاف من الماء إلى زيادة العملية، مما يؤدي إلى إنتاج أوكسيد الحديد الثلاثي (Fe2O3) وأوكسيد هيدروكسيد الحديد الثلاثي (FeO/OH)، وهي مكونات الصدأ.
ومن الأمثلة على ذلك ما نشهده في كوكب المريخ، إذ إن الكوكب مغطى بأوكسيد الحديد الصدئ، مما يوفر دليلا قويا على أن الكوكب الأحمر كان يحتوي على الماء في السابق.
يقول الباحث في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمؤلف الأول للدراسة دامانفير جريوال؛ إنه على الرغم من أن أي أوكسيد حديد من الكواكب المصغرة المبكرة قد اختفى منذ فترة طويلة، فإن الفريق تمكن من تحديد كمية الحديد التي قد تتأكسد من خلال فحص محتويات النيكل المعدني والكوبالت والحديد في هذه النيازك.
ويضيف جريوال: يجب أن تكون هذه العناصر الثلاثة موجودة بنسب متساوية تقريبا مقارنة بالمواد البدائية الأخرى، لذلك إذا كان أي حديد “مفقودا”، فهذا يعني أن الحديد قد تأكسد.
النيازك الحديدية
وعن أهمية النيازك الحديدية يقول أستاذ الجيولوجيا والكيمياء الجيولوجية بول أسيموف: “لقد أُهملت النيازك الحديدية إلى حد ما من قبل مجتمع تكوين الكواكب، لكنها تشكل مخازن غنية بالمعلومات عن الفترة الأولى من تاريخ النظام الشمسي وبمجرد أن تتوصل إلى كيفية قراءة الإشارات، إذ إن الفرق بين ما قمنا بقياسه في النيازك في النظام الشمسي الداخلي وما توقعناه يعني وجود نشاط أكسجين أعلى بحوالي 10000 مرة”.
من ناحية أخرى يقول البيان الصادر من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: في هذه الدراسة وجد الباحثون أن تلك النيازك الحديدية التي يُعتقد أنها مشتقة من النظام الشمسي الداخلي تحتوي على نفس الكمية من معدن الحديد المفقود مثل النيازك المستمدة من النظام الشمسي الخارجي.
ولكي يكون الأمر كذلك، لا بد أن تكون الكواكب المصغرة من مجموعتي النيازك قد تشكلت في جزء من النظام الشمسي حيث يوجد الماء، مما يعني أن الوحدات البنائية للكواكب تراكمت عليها المياه منذ البداية، كما أن بصمات الماء في هذه الكواكب المصغرة تتحدى العديد من النماذج الفيزيائية الفلكية الحالية للنظام الشمسي.
وإذا تشكلت الكواكب المصغرة في الموقع المداري الحالي للأرض، فلن يكون هناك ماء إلا إذا كان النظام الشمسي الداخلي أكثر برودة بكثير مما تتوقعه النماذج الحالية، وبدلا من ذلك ربما تكون قد تشكلت في مكان أبعد حيث كان الجو أكثر برودة، ثم هاجرت إلى الداخل.
يقول جريوال: “إذا كان الماء موجودا في اللبنات الأولى لكوكبنا، فمن المحتمل أن تكون العناصر المهمة الأخرى مثل الكربون والنيتروجين موجودة أيضا، وبالتالي ربما كانت مكونات الحياة موجودة في بذور الكواكب الصخرية منذ البداية “.