كشف علماء من وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” عن اكتشافات مثيرة توصلت إليها مهمّة “جونو” المعنية بكوكب المشتري وأقماره، وأظهرت الصور القادمة الملتقطة لقمر “آيو” بحيرة زجاجية لامعة تشكّلت من سهول اللافا الملساء، وهو ما يعد اكتشافا غير مسبوق لأحد أكثر الأقمار شراسة في المجموعة الشمسية.
وشهد قمر “آيو” مرور المركبة الفضائية “جونو” قرب سطحه خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 ويناير/كانون الثاني 2024 على مسافة 1500 كيلومتر، وهي أقرب مسافة يقترب فيها الإنسان من سطح القمر الشهير بنشاطه البركاني العنيف، مما ساهم في التقاط مجموعة من التفاصيل التي لم تكن ظاهرة من قبل.
وكانت بحيرة “لوكي باتيرا” المذهلة ضمن التفاصيل التي كشفت عنها الصور، وهي بحيرة من الحمم البركانية يبلغ طولها نحو 200 كيلومتر على سطح قمر “آيو”. وتقع هذه البحيرة الآسرة فوق خزّانات هائلة من الصهارة تحت سطح القمر، وهو ما يزيد الأمر غموضا إزاء تركيبة قمر “آيو”.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقِد في 16 أبريل/نيسان الماضي في جمعية الاتحاد الجيوفيزيائي الأوروبي بالعاصمة النمساوية فيينا، وصف الباحث الرئيسي في مهمة جونو “سكوت بولتون” السبب المحتمل لتكوين البحيرة، بأنّ الحمم البركانية الموجودة في وسط البحيرة بردت مع مرور الوقت، وهي محاطة بصهارة عند الحواف، كما أنّ الجزء الداخلي من البحيرة يحتوي على جزر صخرية وعرة.
وكشف “بولتون” كذلك عن وجود انعكاس للضوء التقطته عدسات التصوير، وهو ما يشير إلى وجود بقع زجاجية من سطح قمر آيو يشبه زجاج السَّبَج البركاني الذي يتكوّن على الأرض عند حدوث البراكين.
وتكمن أهمية وجود هذه الأسطح الزجاجية الملساء في أنها كشفت عن قلة النشاط الجيولوجي في تلك المناطق، مما يوفر معلومات قيّمة عن التركيبة الداخلية للقمر.
وتُظهر النتائج أنّ سطح قمر “آيو” هو الأملس من بين الأقمار الثلاثة الكبيرة الأخرى التابعة للمشتري وهي “كاليستو” و”غانيميد” و”يوروبا”، كما أنّ قمر “آيو” أكبر بقليل من قمر الأرض.
ويرجع تاريخ علاقة الإنسان مع أقمار المشتري إلى عدة قرون من البحث والرصد، وكانت البداية على يد العالم الإيطالي غاليليو غاليلي عام 1610. ويعد قمر “آيو” هو أكثر الأقمار إثارة للجدل، حيث جذب اهتمام العلماء على مر السنين بسبب النشاط البركاني الزائد الذي يُعتقد أنّه نشأ منذ فترات طويلة مع نشأة المجموعة الشمسية.
ويعود سبب هذا النشاط البركاني إلى مجموع القوى المختلفة المؤثرة على قمر “آيو” من كوكب المشتري نفسه والأقمار الكبيرة الأخرى التي توجد في الجوار، حيث تشكل هذه القوى ضغطا على أعماق قمر “آيو”، مما يدفع بانبعاث الحمم البركانية باستمرار للتنفيس عن هذا الضغط الداخلي.
ويتكون سطح قمر “آيو” من الكبريت وصخور السيليكات، أما غلافه الجوي الرقيق فيتكون بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكبريت بالإضافة إلى كميات صغيرة من كلوريد الصوديوم والأكسجين والكبريت الذري وأول أكسيد الكبريت.
وتحلّق مركبة الفضاء “جونو” -التي انطلقت في عام 2011- باستمرار حول كوكب المشتري، وتُجري مناورات عديدة مخطط لها بعناية فائقة لدراسة الكوكب من ناحية وفرة بخار الماء في غلافه الجوّي كهدف أساسي للمهمة، وتبقى المهام الأخرى الجانبية هي دراسة أنماط الأقمار التابعة للكوكب والتحقق من أهم مزاياها.