على مدار 4 عقود مضت، استطاع الفنان المصري سعيد صالح، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته العاشرة، أن يحجز مكانته بين نجوم الفن المصري في السينما والمسرح كأحد أهم النجوم، حيث لُقب بسلطان الكوميديا.
ممثل من الطفولة
في ستينيات القرن الماضي، اكتشف الفنان حسن يوسف موهبة سعيد صالح وقدمه إلى مسرح التلفزيون الذي كان نقطة انطلاقته، إلا أن سعيد صالح المولود في 31 يوليو/تموز 1940 كان مغرما بالتمثيل منذ سنوات عمره الأولى، حيث كان يهوى تقليد مَن حوله، وكانت بدايته من خلال مسرح المدرسة ثم مسرح التلفزيون الذي جمعه بالفنان عادل إمام لتصبح صداقتهما ممتدة، فنجحا سويا في العديد من الأعمال المسرحية في تلك الفترة، أبرزها مسرحية “مدرسة المشاغبين”، واستطاع سعيد صالح في هذه الفترة أن يحقق جماهيرية كبيرة جعلت الكاتب الكبير الراحل محمود السعدني في كتابه “المضحكون” يصفه أنه الأخف دما بين أبناء جيله على الإطلاق.
وقال السعدني إن سعيد صالح نجا من شعارات المثقفين، فهو ابن الطبيعة وممثل خُلق ليحترف هذه المهنة، ويتشارك مع علي الكسار في ميزة مهمة، وهي أنه لا يتعمد التمثيل، لكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك في الشارع، ويتكلم أمام المئات على خشبة المسرح كما يتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين، ولو تعقل سعيد صالح قليلا ولو انضبط قليلا في حياته وفي سلوكه، ولو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة زنة ألف رطل، على حد قوله.
لماذا رفض “مسجل خطر”؟
ثنائية فريدة جمعت بين سعيد صالح والفنان عادل إمام أثمرت العديد من الأعمال الناجحة، أبرزها “سلام يا صاحبي” و”الهلفوت” و”المشبوه” و”على باب الوزير”، وغيرها من الأفلام، لكنه رفض المشاركة في فيلم “مسجل خطر” بسبب ابنته الوحيدة هند، وذكر أن بطل العمل لديه ابنة وحيدة ويُتوفى خلال الأحداث، فخشي أن تتشابه أحداث الفيلم مع حياته الواقعية، وجسد الشخصية بدلا منه الفنان الراحل صلاح قابيل، الذي توفي عقب الفيلم، وفق تصريحاته.
الحرية في السجن
إلى جانب الموهبة التي حظي بها سعيد صالح واهتمامه بالفن كان أيضا مهموما بالحياة السياسية والمجتمع المصري، وهو ما ركّز عليه في أعماله المسرحية مما عرضه للسجن، فكان أول فنان يصدر ضده حكم بالسجن بسبب مسرحية “لعبة اسمها الفلوس” عام 1983، بسبب عبارة “أمي اتجوزت 3 مرات، الأولى أكلنا المش، والتانية اتعلمنا الغش، والتالتة لا بيهش ولا بينهش”، واعتبر كثيرون وقتها أن صالح قصد بجملته رؤساء مصر الثلاثة جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وظل 17 يوما على ذمة التحقيق ثم أُفرج عنه.
واتُّهم عام 1991 بتعاطي المخدرات، وهي التهمة التي تمت تبرئته منها لعدم كفاية الأدلة، وزعم صالح وقتها أن النظام المصري تربص به بسبب ما يقوله في أعماله.
وفي عام 1996، اتُّهم بالتهمة ذاتها مرة أخرى وسُجن لمدة عام وحُكم عليه بغرامة 10 آلاف جنيه، وتمت تبرئة جميع المتهمين في القضية باستثناء الراحل، وخرج بعد انقضاء المدة التي أقرتها المحكمة.
وفي لقاء تلفزيوني قال سعيد صالح عن الفترة التي قضاها في السجن إنها كانت الأفضل في حياته، حيث تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بالصلاة والصوم وأعمال الخير، وتعرّف على قصص الأنبياء، وتعلّم قيمة الأشياء بالحرمان منها مثل حرمانه من ابنته وزوجته.
وأكد أنه شعر باكتئاب شديد قبل خروجه من السجن بـ10 أيام، لأنه كان يشعر داخل السجن بحرية أكبر، ففي السجن يعرف خطيئة كل مذنب خلف الأسوار، بينما لا يُكشف عن المجرمين في الحياة خارج السجن.
وبعد خروجه من السجن امتد هذا التأثير إلى حياة سعيد صالح الذي واظب على التقرب إلى الله في حياته، سواء بالصلاة وقراءة القرآن وأداء فريضة الحج والعمرة على مدار 14 عاما.
وحكى سعيد صالح أنه أثناء تواجده في السجن تعرّف على العم يوسف، الذي شجعه على قراءة وحفظ القرآن، وبعد خروجه اعتزم القيام بالعمرة، إلا أن الأقدار هيأت له السفر للحج لتتوالى رحلات الحج والعمرة طوال 14 عاما على التوالي، ولم تنقطع إلا في عام واحد بسبب فيروس إنفلونزا الخنازير، وقرر بعدها معاودة السفر.
ألزهايمر بين السينما والواقع
في عام 2010، قدم سعيد صالح مشهدا مع صديق عمره الفنان عادل إمام في فيلم “ألزهايمر”، حيث جسّد شخصية رجل تركه أبناؤه في دار رعاية كبار السن بسبب إصابته بمرض ألزهايمر.
ونفت ابنته هند سعيد صالح، في حوار لها لإحدى الصحف المحلية، أن والدها جسد المشهد أثناء إصابته بالمرض الذي أصابه بالفعل أواخر عام 2011.
وكان عام 2014 قد شهد بداية تعرض سعيد صالح لأزمات صحية، حيث خضع لنقل دم في مايو/آيار بسبب إصابته بالأنيميا، قبل أن يتعرض لأزمة قلبية حادة استمرت لعدة أشهر، ليرحل عن عالمنا في الأول من أغسطس/آب عام 2014، تاركا إرثا فنيا متنوعا بين المسرح والسينما والتلفزيون.