تسطع الشمس بأشعتها الدافئة متلألئة فوق خليج وميناء سان سباستيان الإسباني، غير بعيد عن البلدة القديمة المتميزة بشوارعها المتعرجة، وكنائسها التاريخية وساحتها الواسعة.
ومن المعروف أن المناظر الطبيعية الخلابة، والأطعمة التقليدية الإسبانية من بين الأسباب التي تجذب السياح لزيارة معالم البلاد المتنوعة، وتدفع منظمي الجولات السياحية إلى زيادة أفواج الزوار.
غير أن السكان في سان سبستيان وفي عدد متزايد من المدن الإسبانية، باتوا يشتكون من الزحام الذي تسببه الأفواج السياحية المتدفقة وما تحدثه من ضوضاء، إلى جانب استيائهم من نقص الوحدات السكنية نتيجة “السياحة المفرطة”.
كما أثار تحويل الشقق السكنية إلى غرف فندقية لإقامة السياح قدرا من الجدل، حيث أدى ذلك إلى الحد من الوحدات السكنية المتاحة للسكان المحليين، وإلى زيادة الإيجارات.
وكرد فعل يعبر عن استياء السكان من هذه الأوضاع، يجري حاليا لصق منشورات على المنازل بالبلدة القديمة في بامبلونا، تدعو إلى عقد اجتماعات للاحتجاج، ومن بين العبارات المدونة على هذه الملصقات، “يعيش جيران في هذا المكان، وكيف تمنع إقامة السياح في شقق بالمبنى الذي تقيم فيه”.
وفي مظاهرة نظمت في غرناطة الشهر الماضي، كان التركيز منصبا على ضاحية البيازين المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتحت شعار “ضاحيتنا ليست متنزها” نظم مواطنون احتجاجا ضد شراء شركات العقارات للشقق، ودعوا نواب البرلمان إلى العمل على الحد من أعداد الوحدات السكنية المخصصة للسياح.
ومن بين عبارات الاحتجاج التي دونت على الملصقات، “السكان مهددون بالفناء”، و”لا تلتقط صورة لي، فأنا لست موضوعا لبطاقتك البريدية”.
وخلال فصل الصيف اندفع عشرات الآلاف من السكان، إلى الشوارع في المدن الإسبانية، من بالما عاصمة جزيرة مايوركا إلى برشلونة ومالقة وحتى جزر الكناري.
وحمل المتظاهرون في جزيرة مايوركا لافتات تقول “رفاهيتكم تعني بؤسنا”، و”لا نريد أن نكون رواد ارتفاع أسعار الوحدات السكنية”.
وتضمن الملصق الإعلاني عن احتجاجات سكان الجزيرة، البالغ عددهم نحو مليون نسمة، صورا لشركات الطيران وطائرات خاصة وسفن الرحلات واليخوت الفاخرة، تدور كلها حول الجزيرة مثل سرب من الذباب.
ويبلغ عدد سكان جزر البليار الإسبانية قرابة 1.2 مليون نسمة، وزار هذه الجزر العام الماضي 18 مليونا من راغبي تمضية العطلات، من بينهم 4.6 ملايين زائر من ألمانيا و3.4 ملايين زائر من بريطانيا.
وبرغم أن السياحة تمثل ركنا أساسيا في اقتصاد مايوركا، حيث تسهم بنحو 45% من الناتج الاقتصادي، فإن كثيرا من سكان الجزيرة يشكون من أن الأقلية فقط هي التي تستفيد من عائدات السياحة، بينما يحصل غالبية السكان على وظائف متدنية الأجور، ويعانون من نقص الوحدات السكنية والازدحام المروري والضجيج والتلوث.
ونشرت وسائل الإعلام الإسبانية موضوعات، حول الأوضاع التي تواجه السكان المحليين، وقال أحد السكان لصحيفة إل بايس “أقوم بأعمال الصيانة في فيلا فاخرة لأسرة بريطانية، وأحصل على أجر شهري يتراوح بين 1500 يورو (1630 دولارا) و1800 يورو”.
واضطر هذا العامل إلى ترك منزله في فبراير/شباط الماضي، لعدم قدرته على سداد نحو ألف دولار قيمة الإيجار الشهري لغرفة، ومنذ ذلك الحين صار ينام في كارفان خلف متجر لبيع الأثاث السويدي، ويستحم في مكان يقيم فيه صديق له، كما أن جيرانه الذين يعيشون أيضا في كرافانات يحصلون على أجور مماثلة.
من ناحية أخرى، وصلت الاحتجاجات في برشلونة على تدفق السياح، إلى حد قيام المحتجين برش الزبائن في المطاعم التي يرتادها السائحون بمسدسات المياه، والتلويح بلافتات مدون عليها بالإنجليزية عبارة “أيها السياح عودوا إلى بلادكم، لستم مرحبا بكم هنا”.
وكرد فعل على هذه الاحتجاجات بدأ المسؤولون، في اتخاذ إجراءات في مجالات مختلفة، على الرغم من أن بعض السكان انتقدوها باعتبارها تنفذ دون حماس، وربما كان السبب في ذلك أن المسؤولين يدركون تماما حجم الأرباح التي تجنى من السياحة.
ومن بين هذه الإجراءات -على سبيل المثال- أن سان سبستيان، وضعت حدا أقصى لحجم الجولات السياحية بالمدينة التي يرافقها مرشد، على أن تقسم الأفواج الكبيرة على عدة مرشدين سياحيين تجنبا للزحام، وهو إجراء من المرجح أن يزيد من أسعار هذه الجولات.
وللحد من الضوضاء يجب على المشاركين في الجولات السياحية برفقة مرشد، استخدام سماعات أذن مع عدم السماح للمرشدين السياحيين باستخدام مكبرات الصوت.
كما اتخذت برشلونة مجموعة من الإجراءات للحد من أعداد السفن السياحية، بعد أن بلغ عدد السياح الذين مروا بالمدينة 3.6 ملايين زائر، دون أن يقيموا في فنادقها حيث أمضى البعض منهم بضع ساعات فقط فيها العام الماضي، ويتبنى عمدة برشلونة خوامي كولبوني فكرة الحد من أعداد سفن الرحلات السياحية، وأيضا إغلاق مرسى أو اثنين لهذه السفن “لو استدعى الأمر ذلك”.
ويزعج قصر فترة إقامة بعض السياح كثيرا من المدن والبلدات، بما فيها طليطلة التي يحبها السياح، لجمال البلدة القديمة فيها وأزقتها والآثار التاريخية، ووجود متحف مخصص للرسام إل جريكو.
وتستقبل طليطلة كل يوم 50 حافلة سياحية في المتوسط، ومعظمها يحمل الزوار الذين يتنزهون خلال النهار ولا يبيتون فيها، وفي هذا الصدد يقول عمدة المدينة كارلوس فالزكويز روميو “للأسف نجد أن في كثير من الحالات لا يفيد أولئك الزوار المدينة بشيء”، ويدرس المسؤولون المحليون فرض ضريبة سياحية “للتعويض عن العبء الذي تتحمله المدينة”.
وستبين الأيام ما إذا كانت الإجراءات التي اتخذها المسؤولون الإسبان، ستنجح في جلب الهدوء إلى وضع يزداد سخونة وتوترا.