بدأت سوق العقارات التجارية في المملكة المتحدة تتعافى بشكل أسرع من بقية أوروبا من الركود الشديد الذي استمر لمدة عامين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
بحسب بيانات السوق، ارتفعت أحجام الصفقات وقيم العقارات في المملكة المتحدة في النصف الأول من العام 2024.
بينما في ألمانيا وفرنسا، أكبر أسواق أوروبا بعد المملكة المتحدة، فشلت الصفقات في الانتعاش وحققت الأسعار مكاسب أصغر خلال تلك الفترة، وفق تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
نقل التقرير عن مسؤولين تنفيذيين ووكلاء في الصناعة قولهم إن المملكة المتحدة استفادت من الآمال في الاستقرار السياسي بعد الانتخابات العامة، والآفاق الاقتصادية الأقوى، وارتفاع الإيجارات، وارتفاع أكثر اعتدالا في الأسعار بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وذروة السوق في العام 2022.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة سافيلز (التي تقدم المشورة بشأن الصفقات التجارية)، مارك ريدلي: “ربما كانت المملكة المتحدة هي السوق الأسرع في إعادة المعايرة. ولكن ما يثير عدم اليقين هو مدى سرعة التعافي ومدى تقدمه”.
- انخفضت قيم العقارات التجارية بنحو الربع في جميع أنحاء أوروبا من ذروتها في العام 2022.
- ومع ذلك، ارتفعت الأسعار بنحو 1 بالمئة في النصف الأول، وفقًا لمؤشر من Green Street .
- تفوقت المملكة المتحدة على فرنسا وألمانيا بمكاسب بلغت 1.4 بالمئة.
- في المملكة المتحدة، ارتفعت أحجام المعاملات بنسبة 7 بالمئة، مع تداول عقارات بقيمة 26 مليار يورو، وفقاً لمؤشر MSCI، في حين ظلت أحجام المعاملات في مختلف أنحاء أوروبا القارية ثابتة.
علامات التعافي
وتأتي العلامات التي تشير إلى أن السوق البريطانية تتجه نحو التعافي بشكل أسرع على الرغم من خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة في يونيو، قبل شهرين من قيام بنك إنكلترا بذلك.
وقال بن ساندرسون، المدير الإداري للعقارات في شركة أفيفا ـ إحدى أكبر المؤسسات الاستثمارية العقارية في المملكة المتحدة، والتي تدير نحو 50 مليار جنيه إسترليني: “نرى أن السوق بدأت تتحول إلى الاتجاه الصحيح. لقد كنا نصدق هذه القصة لبعض الوقت”.
ولكن التعافي الناشئ يخفي حقيقة مفادها أن بعض أنواع العقارات تحظى بطلب أكبر من غيرها.
وبحسب مؤشر غرين ستريت الأوروبي، فقد شهدت أسعار المستودعات والعقارات السكنية والفنادق تحسناً متواضعاً خلال العام الماضي. ولا تزال قطاعات أخرى، وخاصة المباني المكتبية، تشهد انخفاضاً حاداً في القيمة.
كان النصف الأول من العام 2024 هو الأسوأ بالنسبة لسوق المكاتب في المملكة المتحدة منذ بدأت MSCI في تتبعها في عام 2001، حيث بلغت قيمة المعاملات 4.2 مليار يورو فقط. وبدلاً من ذلك، جاء النمو من مبيعات المباني السكنية والمساكن الطلابية والفنادق، وفق التقرير.
ويضيف التقرير: إن المستثمرين يتسمون بالدقة الشديدة في اختيار ما يشترونه، فوفقاً لمؤشر MSCI، لا تزال قطاعات العقارات الرئيسية التقليدية ــ المكاتب والتجزئة والصناعة ــ تسجل انخفاضات سنوية في إبرام الصفقات في مختلف أنحاء أوروبا.
وقالت إم.إس.سي.آي إن أكبر المشترين للعقارات في أوروبا خلال النصف الأول من العام هم مجموعات الاستثمار الخاصة الأميركية الكبرى بلاكستون وآريس وكيه.كيه.آر.
وقالت شركة بلاكستون إنها استثمرت نحو ثلاثة مليارات دولار في العقارات الأوروبية، حيث ذهبت الحصة الأكبر إلى المملكة المتحدة – فيما أبرمت صفقات كبيرة لشراء منازل جديدة مع شركة فيستري، واشترت سلسلة فنادق ومستودعات لوجستية وكتلة بيع بالتجزئة فاخرة في شارع نيو بوند.
وقال رئيس العقارات الأوروبية في بلاكستون، جيمس سيبالا، إن الشركة تركز على “الخدمات اللوجستية والسكنية والترفيهية ومراكز البيانات” لأن هذه القطاعات “تستفيد من رياح الطلب المؤاتية من جانب المستأجرين والمستثمرين”.
وقد تعززت عمليات إبرام الصفقات في المملكة المتحدة بفضل بعض المعاملات الضخمة، بما في ذلك استحواذ شركة LondonMetric على شركة LXI ، كما قامت شركات أخرى مسجلة في البورصة، بما في ذلك Segro وUnite Students وGPE، بجمع الأسهم هذا العام لتمويل استثمارات جديدة في إطار سعيها إلى الاستفادة من التعافي المستدام.
ووفق التقرير ترتبط تقييمات العقارات في المملكة المتحدة بظروف السوق الحالية بشكل أوثق من أي مكان آخر في أوروبا، وهي الميزة التي تساعد عادة على إعادة تسعير السوق بشكل أسرع.
أسباب التعافي
بدوره، يؤكد كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن هناك عدة عوامل كان لها الدور الأبرز في تعافي سوق العقارات في المملكة المتحدة بشكل أسرع إذا ما قورن بباقي الدول الأوروبية يأتي على رأسها:
- بريطانيا من الدول الصناعية القليلة التي تتحكم في أسعار العقارات بها الحالة الائتمانية والمالية وليس قوى العرض والطلب.. فالعرض في سوق العقارات البريطانية مستقر نسبياً والدولة تأخذ على عاتقها مشاركة القطاع الخاص في عملية توازن العرض والطلب.
- تحسن الشروط الائتمانية في بريطانيا وبدء انخفاض أسعار الفائدة كان المحرك الأول للتحسن في سوق العقارات، وهذا التحسن لم يكن كبيراً (..).
- هناك اعتقاد تاريخي لدى أغلب المستثمرين بأن السوق العقارية في المملكة المتحدة دائماً ستبقى في حالة ارتفاع، فلندن هي العاصمة الحية دائماً.
- مدة الاستثمار العقاري في بريطانيا هي الأعلى في كل دول العالم فالمستثمر يشتري العقار في بريطانيا للاحتفاظ به وليس للتداول مقارنة بأي مناطق أخرى.
- سيطرة حزب العمال على الحكومة خلق حالة من التفاؤل الكبير للمستقبل الاقتصادي في بريطانيا وذلك بعد معاناة استمرت لـ 15 عامًا خلال فترة حكم المحافظين.
أسعار الفائدة
وإلى ذلك، يعلق الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قائلاً إن الطفرة التي شهدها قطاع العقارات في بريطانيا أخيراً سببها الرئيسي انخفاض سعر الفائدة وهو ما شجع المستثمر العقاري على الدخول باستثماراته إلى هذا القطاع الهام في الاقتصاد البريطاني.
وخفض بنك إنجلترا، معدل الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 5 بالمئة، وذلك لأول مرة منذ بداية جائحة كورونا مطلع عام 2020، بعد أن رفعها لأعلى مستوياتها منذ 16 عاما من أجل كبح التضخم. وجاء قرار بنك إنجلترا موافقا لتوقعات المحللين.
وقال البنك، في بيان مطلع الشهر الجاري، إن لجنة السياسات النقدية التي تتألف من تسعة أعضاء أيدت بأغلبية 5-4 خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 5 بالمئة من 5.25 بالمئة.
وقال محافظ البنك أندرو بيلي، “لقد تراجعت الضغوط التضخمية بما يكفي أننا تمكنا من خفض سعر الفائدة اليوم. لكننا بحاجة إلى التأكد من السيطرة على التضخم، والحرص على عدم خفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة أو بشكل مفرط”.
وبالعودة لحديث الرفاعي، فإنه يضيف: الارتفاعات القياسية في نسبة الفائدة في الماضي نتج عنها حدوث حالة من التباطؤ في الاستثمار بالاقتصاد البريطاني الكلي، لكن مع انخفاض سعر الفائدة بدأت بوادر النشاط تعود إليه من جديد.
لكن الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، يعتقد في الوقت نفسه بأن طفرة النمو الحادثة في القطاع العقاري البريطاني حالياً هي “مؤقتة” وسيتبعها حدوث حالة من التباطؤ المتوقع.