المناطق-واس
دفعت بعض الأعمال الفنية من أفلام ومسرحيات، فئات من مشاهديها إلى البحث عن الجوهر الذي استسقت منه أحداث العمل وشخصياته وتفاصيل تأليف خطها الزمني كما تخيله كاتب السيناريو، وبرؤية إخراجية تحاكي الواقع الذي حفظته متون كتب التراث والمراجع المختلفة لا سيما المرتبطة بالأحداث التاريخية ومجريات الساحة العالمية، كذلك في كتب السير التي دونت أعلامًا كان لهم شأن، وكتب أخرى ركزت في فصولها على توثيق الحالة الاجتماعية والثقافية لشعوب العالم.
البحث عن مرجع وكتاب، بات عرفًا ملازمًا لمختلف معارض الكتاب حول العالم، ولا يخلو من زوار أثارت فيهم قصة العمل الفني الرغبة في الاستزادة المعرفية والتوسع فيما كانت تدور حوله القصة.
ويأتي معرض الرياض الدولي للكتاب 2024 كمنصة ثقافية نابضة تلبي شعف القراء لاستكشاف عالم الكتب، والبحث عن عناوين تتوزع بين دور النشر التي تتفهم طبيعة القرّاء وميولهم لذلك تحرص أن تكون حاضرة بما تميزت به من إصدارات.
وقد برزت على الساحة الفنية عربيًا وعالميًا، أعمالًا لا يزال صداها عالقًا في الأذهان حتى اليوم، وعلى الرغم من أن هذه الأعمال أُعِدت برؤى إخراجية تعايش الواقع، إلّا أنها تدفع المتابعين للبحث عن مصادرها الأصلية، من خلال تجسيد القصص الحقيقية وتجارب الشخصيات، كما تسهم هذه الأعمال في ربط المشاهدين بالمحتوى الأدبي والثقافي، مما يحفزهم على العودة إلى الكتب التي تلهم هذه الفنون، بالإضافة إلى أن إقبال الناس على الأفلام التاريخية أو المسرحيات التي تعكس الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يُظهر كيف أن هذه الفنون تُعزز من الوعي الثقافي وتدفع الأفراد لتوسيع آفاق معرفتهم من خلال القراءة.
وعادةً ما يرجع كُتّاب ومؤلفو الأفلام والمسرحيات إلى قصص حقيقية حفظتها كتب السيَر والتراث، أو روايات سُردت تفاصيلها برواة محترفين، فالأدب الكلاسيكي والحديث يتجسد في هذه الأعمال، مما يجعلها مصادر غنية للتعلم والإلهام، حيث تستمد العديد من الأعمال الفنية قوتها من نصوص أدبية معروفة، مما يجسد قوة الكلمة المكتوبة في تشكيل الذاكرة الثقافية، كما تسهم البرامج الثقافية التي تواكب هذه الفنون في تعزيز القراءة، من خلال تقديم مناقشات وندوات تركز على الروابط بين الأدب والفن.
وتحدث العديد من المشاركين في معرض “الرياض تقرأ” عن أهمية الفنون في جذب الجمهور إلى القراءة، وفي هذا السياق، أكدت مديرة النشر في دار نشر كويتية، إسراء القرني لـ”واس” أن الفنون تسهم بشكل كبير في تعزيز شغف القراءة، وعندما تُقدم الكتب من خلال العروض الفنية أو الفعاليات الثقافية، نجد أن الزوار يتحمسون لاستكشاف المزيد من العناوين.
من جانبة، أشار العارض في دار الأفق حسين العتيبي، إلى أهمية الفنون في رفع مستوى الوعي الثقافي، وقال: “كانت تجربتي في بيع الكتب التي استُمدت منها أعمال فنية، سواءً كانت أفلامًا أو مسرحيات أو أعمالًا أدبية، مذهلة، ولقد رأيت كيف يمكن لهذه الفنون أن تجعل الكتب تنبض بالحياة، مما يزيد من اهتمام الزوار .”
وعبّر العديد من الزوار عن تجاربهم الفريدة في المعرض، وقالت ريم الكيلاني، زائرة ومهتمة بالأدب،: “بعد مشاهدتي لفلم سينمائي استُند من رواية، شعرت برغبة قوية في قراءة الكتاب، حيث أن الفنون تجعل القصة أكثر تفاعلًا وواقعية.”
ومن جهة أخرى، أضاف محمد العتيبي، زائر للمعرض أن الأعمال الفنية المرتبطة بالكتب تلهم لاستكشاف المزيد من الأدب، مشيرًا إلى أن الفنون تفتح آفاقًا جديدة لفهم النصوص الأدبية بشكل أعمق.
وبدوره أوضح الزائر خالد الأحمد، أن تجربته في اكتشاف الشعر العربي من خلال الأعمال السينمائية التاريخية مثل “الزير سالم” و”الحجاج”، مشيرًا إلى أن هذه الأفلام كانت مليئة بالأبيات الشعرية التي دفعته للبحث عن القصائد الأصلية.
وأضاف الأحمد “الأفلام السينمائية لم تكن مجرد تسلية، بل سهّلت لي فهم الكثير من تفاصيل الشعر العربي التي كانت تبدو معقدة في البداية، ومن خلال الصور البصرية والمشاهد الدرامية، أصبح من الأسهل استيعاب معاني الأبيات الشعرية والتفاعل مع تفاصيلها التاريخية والاجتماعية، وهو ما جعلني أقدر هذه القصائد وأتعمق في قراءتها بشكل أعمق “.
ويتضح من خلال التجارب والآراء أن دمج الفنون والثقافة في القراءة يمثل فرصة لتعزيز الوعي الثقافي والفكري في المجتمع، ومن خلال الفعاليات الثقافية وتفاعلها مع الأدب، يمكننا خلق بيئة محفزة للقراءة، بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع ككل، حيث تعد هذه الروابط بين الفنون والأدب دعامة أساسية لبناء ثقافة غنية ومتنوعة.
وبالتالي، يمكن القول إن الفنون والثقافة ليست مجرد رفاهية، بل هما عنصران أساسيان يعززان القراءة ويُسهمان في بناء مجتمع قارئ، مما يضمن استمرار الحركة الثقافية وتقدم المجتمع نحو آفاق جديدة من المعرفة والفهم.