سياسة الأرض المحروقة بالصراع السوداني المسلح طالت كل مظاهر الحياة بالخرطوم التي تحوّلت إلى مدينة أشباح.
وفي هذه الأيام، يواجه متحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم مصيرا قاتما ونهاية مأساوية جراء احتدام المعارك بين الجيش والدعم السريع هناك. فيما يحاصر خطر الإبادة الجماعية أعدادا ضخمة من الحيوانات والطيور داخل المتحف، بينها سلالات نادرة مهددة بالانقراض، سواء بالقصف أو بالنفوق جوعا وعطشا.
الخسارة الفادحة لا تقتصر على المتحف أو السودان فحسب، إنما تتعدى ذلك بكثير باعتبارها تراثا علميا، خاصة السلالات المهددة بالانقراض والاختفاء الأبدي.
ويقع مبنى متحف التاريخ الطبيعي قرب القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وشهدت تلك المناطق معارك طاحنة منذ تفجر الصراع الدامي منتصف أبريل الماضي.
أنواع مهددة بالانقراض
في التفاصيل، أوضحت الدكتورة سارة سعيد مديرة متحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم لـ”العربية.نت” أن المتحف يضم عددا كبيرا من الحيوانات، بينها أنواع ربما اختفت أو انقرضت في بيئاتها الطبيعية بسبب تدهور البيئة وتغير المناخ. كما يضم المتحف عينات نادرة لأعشاب، وبذورا لنباتات ذات أهمية قصوى طبيا واقتصاديا، وعينات جيولوجية لحفريات نباتية وحيوانية، مع أنواع الصخور المختلفة، بالإضافة إلى “عينات مرجعية ضخمة ومتنوعة لأنواع مختلفة من الحيوانات التي تمثل أهم مكون لأي متحف طبيعي في العالم.
تمساح نيلي وببغاء إفريقي وسلاحف صحراوية
وذكرت الدكتورة سارة لـ”العربية.نت” أن المتحف يحتوي أيضا على “حيوانات حية لمختلف أنواع الزواحف والطيور والقرود التي تمثل أهمية بالغة للدراسات العلمية بكلية العلوم بجامعة الخرطوم، وطلاب الدراسات العليا والباحثين. ومن أهم الزواحف الموجودة لدينا التمساح النيلي الذي أحضر بيضة في سبعينيات القرن الماضي، وفقس داخل المتحف.
كما تتواجد أنواع من الثعابين السامة وغير السامة والورل والسلاحف الصحراوية، وتلك الأخيرة من الأنواع المهددة بالانقراض حاليا، كما يحوي المتحف طيورا جارحة وداجنة وطيورا برية كالببغاء الرمادي الإفريقي.
عقارب وحيات سامة وشديدة الفتك
إلى ذلك، كشفت الدكتورة سارة أن المتحف يحوي أنواعا من العقارب والثعابين شديدة السمية، جمعت بمشقة بالغة ومصاعب لا حد لها من مناطق مختلفة بالسودان، بمشاركة مركز أبحاث الكائنات السامة بجامعة الخرطوم بهدف توطين صناعة أمصال السموم المضادة لها بالبلاد.
أرشيف نادر ومزار سياحي
يعتبر متحف السودان للتاريخ الطبيعي أحد المكونات المهمة بكلية العلوم جامعة الخرطوم، وتم افتتاحه في مقره الحالي بشارع الجامعة بالخرطوم عام 1958.
والمتحف به عينات تعود إلى القرن التاسع عشر لحيوانات محنطة جمعت من مناطق جغرافية مختلفة من السودان وجنوب السودان، بواسطة هواة من المستعمرين البريطانيين وقتذاك.
ونبهت الدكتورة سارة لوجود مكتبة بها سجلات تاريخية نادرة للمتحف، عبارة عن أرشيف يعود لأكثر من مئة عام، بالإضافة لدوريات ومراجع علمية مختلفة، بجانب المكتبة الكاملة للدكتور محمد عبدالله الريح، الذي يعتبر واحدا من أشهر أساتذة علم الحيوان بالسودان.
كما يعتبر المتحف قبلة سياحية علمية، حيث يستقبل يوميا زواراً من مختلف الفئات والسياح بالإضافة للطلاب من مرحلة الحضانة حتى الدراسات العليا.
ثروة هائلة تحت مخاطر التدمير والزوال إلى الأبد
وختمت الدكتورة سارة حديثها لـ”العربية.نت” برسالة حزينة للغاية، مؤكدة أن الصراع الدائر حاليا سيكلف بلادنا ثروة هائلة داخل متحف التاريخ الطبيعي بالخرطوم، سواء بالقصف أو بنفوق الحيوانات والطيور جوعا وعطشا، التي تعاني غياب الماء والغذاء نهائيا منذ اليوم الأول لبدء الاقتتال في 15 أبريل الماضي، مطالبة الجميع بالتدخل العاجل لمنع وقوع تلك الكارثة بأي طريقة ممكنة.