في عالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، تبرز كوريا الجنوبية كواحدة من الدول الرائدة في صناعة الألعاب الإلكترونية والابتكارات العلمية، ليس فقط كمجال ترفيهي، ولكن أيضا كقوة اقتصادية وثقافية تلعب دورا كبيرا في تعزيز الهوية والمكانة الكورية على الساحة العالمية.
وخلال جولة الجزيرة نت في العاصمة سول كانت مظاهر التطور التكنولوجي والعلمي واضحة، خاصة ما يتعلق بالطاقة والحفاظ على البيئة والترفيه.
الطاقة والبيئة
فهناك مثلا حديقة جونغاك تحت الأرض (أنشئت في ديسمبر/كانون الأول 2019) التي تضاء بأشعة الشمس الطبيعية، والتي لم نكن لنعرف بوجودها لولا تلك الأعمدة الثمانية الغريبة التي رصدناها فوق سطح الأرض.
وهذه الأعمدة عبارة عن مجمعات للضوء تقوم بنقل الطاقة الشمسية المركزة من خلال عدسات مصنوعة خصيصا لجلب الضوء الطبيعي للأشخاص والنباتات تحت الأرض، وتتبع مجمعات الضوء هذه حركة الشمس لجمع الطاقة الشمسية ثم نقلها من خلال عمود شفاف إلى الحديقة تحتها، وفي الأيام الملبدة بالغيوم تتم إضاءة الحديقة تلقائيا باستخدام مصابيح “إل إي دي”.

وخلال تنقلنا في محطات المترو رصدنا انتشار أرضيات معدنية ذات نتوءات بارزة تشعر بها تهبط عندما تدوسها بقدميك، ليتبين أنها من أساليب الحفاظ على البيئة.
هذه الأرضيات التي وضعت في محطات المترو بسول العام الماضي تتألف من ألواح معدنية فضية كبيرة ذات كرات (نتوءات) حديدية يبلغ قطرها نحو 1 سم موزعة بكثافة على اللوح الذي يراوح عرضه من 7 إلى 10 أمتار وطوله من 2 إلى 4 أمتار، وعندما يخطو الناس عليها يتم الضغط على الكرات الحديدية التي تهبط نتيجة لذلك فتتسبب الثقوب التي يتم إنشاؤها في امتصاص الغبار من أحذية المارة.

الألعاب الإلكترونية
وعند الحديث عن التطور التكنولوجي في كوريا لا بد من التطرق إلى عالم الألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية التي تجاوز سوقها في كوريا 18 مليار دولار العام الماضي، حيث تلعب دورا محوريا في حياة الشباب الكوري إلى جانب تأثيرها الثقافي والاقتصادي، لهذا لم تفوّت الجزيرة نت فرصة زيارة “لول بارك” أحد أبرز مراكز مسابقات الرياضات الإلكترونية في سول.

مع ظهور ألعاب مثل “ستار كرافت” قبل أكثر من عقد، أصبحت الألعاب الإلكترونية ظاهرة ثقافية في كوريا وبداية لعصر جديد من الرياضات الإلكترونية، وتحول لاعبوها إلى نجوم مشهورين، وأصبحت تعقد لها مسابقات كبرى تُبث على شاشات التلفاز الوطني.
وارتقت الألعاب مثل “ليغز في ليجندز” ولعبة “بابجي” الشهيرة التي طورتها شركة كورية من وسيلة للتسلية لتنطلق منها إلى عالم الرياضات الإلكترونية التي تستقطب كثيرا من المراهقين والشباب سواء للمشاركة فيها أو الاستمتاع بمشاهدة المتسابقين وتشجيعهم.
يقول الشاب آدم (24 سنة) وهو من التشيك “أحببت الألعاب الإلكترونية منذ كان عمري 10 سنوات”، وأوضح أن لعبته المفضلة “ليغز أوف ليجندز” و”كاونتر سترايك”، مشيرا إلى أنه يلعب تقريبا 20 ساعة في الأسبوع.
ويضيف آدم أنه كانت لديه أحلام كبيرة ليصبح بطلا في هذه الألعاب، لكنه الآن يكتفي بالاستمتاع باللعب ومشاهدة البطولات.

والتقينا أيضا الشاب الكوري جون هيوك (21 سنة) الذي قال “أنا هنا للمشاهدة بالأساس، أنا أستمتع بمشاهدة الآخرين يلعبون أكثر مما ألعب”، مضيفا أن لعبته المفضلة هي “ليغز أوف ليجندز” وأن فريقه المفضل هو “جي2 إي سبورت” من ألمانيا.
وتُعد “مقاهي الإنترنت” أو ما يُعرف بـ”بي سي بانغز” من أبرز مظاهر ثقافة الألعاب في كوريا، إذ توفر بيئة مثالية للاعبين المحترفين والهواة على حد سواء حيث يقضي الشباب الكوريون ساعات طويلة يوميا في اللعب.

الروبوتات والاختراعات
ومن صالة الألعاب الإلكترونية انطلقنا إلى متحف الذكاء الاصطناعي والروبوت في ضواحي سول، حيث تتميز كوريا بدعمها الكبير لهذا للابتكار واستثمرت فيه الحكومة العام الماضي أكثر من 15 مليار دولار.

شاهدنا في هذا المعرض الفريد العديد من الروبوتات بدءا من الوجه الضخم الذي يتفاعل مع الزوار ويجيب عن أسئلتهم، إلى الآلات العديدة التي تظهر المجالات المتنوعة التي يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا مميزا فيها، وحتى الروبوت الكلب الذي يتميز بقدرته على القيام بالعديد من الحركات.
يقول مدير المتحف جيونغ-بي لي “إن المتحف يعرض نماذج لقيام الروبوت مع الذكاء الصناعي بالوظائف اللوجستية ووظائف الأمن والمراقبة والصيدلة وحتى الجراحة، وهذا يعني أن الحاجة إلى الإنسان ستقلّ في كثير من المجالات”.
ويضيف أن هدف هذا المكان هو تحفيز الزوار على التفكير في ضرورة تطوير التعليم لاكتساب مهارات جديدة كفيلة بتمكين الأجيال المستقبلية من مواجهة التحديات.

تطور ولكن
ورغم التطور الذي بلغته كوريا واستثماراتها الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، يقول المتخصص في اقتصاد التكنولوجيا هيبين سونغ إن كوريا تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال أبرزها نقص المواهب المتخصصة، إذ إنها لا تزال تشهد منافسة شديدة من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين لجذب المواهب.

ويضيف سونغ أن كوريا تحاول تحسين التعليم في هذا المجال، لكن هناك فجوة لا يمكن سدها إلا بجذب المواهب الأجنبية، ويعتقد أن “العائق الأساسي أمام ذلك هو قوانين الهجرة الصارمة وغير المحفزة للمواهب”.
كما يرى أنه “على عكس أميركا وأوروبا اللتين تمنحان الإقامة الدائمة والجنسية لأصحاب الكفاءات والمواهب بسهولة، ما زالت كوريا الجنوبية تتبع سياسة متشددة في هذا الجانب، وهذا يجعلها دولة طاردة للكفاءات”.