يواجه قطاع العقارات في تركيا نُذر تغيرات مفصلية تُعيد تشكيله، بعد غربلة عنيفة مُنتظرة ضمن تبعات الزلزال الكبير الذي ضرب عشر مدن بالبلاد قبل أسبوع، ووصفته السلطات التركية بأنه يُعادل تفجير 500 قنبلة ذرية.
خلف الزلزال قرابة الـ 30 ألف قتيل في تركيا وحدها، ليتجاوز مجموع الضحايا في كلٍ من سوريا وتركيا عتبة الـ 35 ألف قتيل، وفق أحدث التقديرات الصادرة عن إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد”.
وبينما لا يزال حصر الخسائر مستمراً، جنباً إلى جنب وجهود رجال الإنقاذ في تعقب الناجين، فإن التقديرات الرسمية الأولية تشير إلى تخطي خسائر قطاع العقارات عتبة المليون وحدة سكنية تقريباً، في وقتٍ اتخذت فيه الحكومة إجراءات لمحاسبة مطورين عقاريين جراء “التراخي في معايير البناء”.
أثر الزلزال وما تلاه من هزات ارتدادية بلغت حوالي 2412 هزة (وفق إحصاءات إدارة الطوارئ) على آلاف المباني في المدن التركية العشر التي تسهم بما يصل إلى 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تقريباً. وطبقاً لوزير البيئة والتخطيط العمراني التركي، مراد كوروم، فإن:
- عدد المباني التي انهارت أو تضررت بشدة بسبب الزلزال يبلغ 24921 مبنى وذلك استنادا إلى تقييم أكثر من 170 ألف مبنى.
- التقديرات المبدئية بعد عمليات الحصر تشير إلى تضرر ما لا يقل عن مليون وحدة سكنية بسبب الزلزال وتوابعه (الهزات الارتدادية)
تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر المادية على أثر الزلزال في تركيا تقدر بين 30 و40 مليار دولار، وأن كلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة تصل إلى 5.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بحوالي 819 مليار دولار، فيما لا تقف الخسائر عند حد إعادة التعمير بل تتجاوزها لخسائر لحقت قطاعات أساسية بالبلاد.
قطاع العقارات
عمل شاق ينتظر قطاع العقارات ضمن عمليات إعادة التعمير التي قد تستغرق عاماً أو أكثر في تقديرات متباينة للخبراء.
لكنّ هذا العمل الشاق ليس وحده المتغير الرئيسي الذي هزّ القطاع، إنما عمليات إعادة النظر في معايير البناء ومدى التزام المُلاك والمطورين بها بصرامة تتصدر الواجهة، بعد الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها الحكومة التركية على مدار الأسبوع الماضي، بعدما أظهرت تبعات الزلزال التراخي في تطبيق المعايير.
محاسبة المطورين والمُلاك
سعت الحكومة إلى غربلة القطاع العقاري من المطورين المتهمين بهذا التراخي، بخلاف محاسبة مُلاك العقارات المخالفين، واتُخذت في هذا الصدد مجموعة من الإجراءات، كشف عنها نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، في مؤتمر صحافي يوم الأحد، وأبرزها:
- أصدر ممثلو الادعاء مذكرات توقيف بحق عشرات المطورين
- المحققون الأتراك حددوا 131 شخصاً مطلوبين لتحقيق واسع النطاق في الكارثة. كما سلم المحققون 113 مذكرة اعتقال
- تم بالفعل اعتقال عديد من الأشخاص المتهمين
- التحقيقات يقودها ما يقرب من 150 محققاً من مكاتب النيابة العامة المحلية
واعتبر تقرير نشرته “فاينانشال تايمز” الأحد، أن التحقيقات المذكورة “هي أحدث علامة على كيفية محاولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معالجة الانتقادات المتزايدة بشأن التراخي في تطبيق معايير البناء، حيث يقول عديد من علماء الزلازل والمهندسين المدنيين إن هذا التراخي أدى إلى وفيات أعلى بكثير”.
أكثر القطاعات تأثراً
وفي تقدير الصحافي الاقتصادي التركي، كريم اولكر، فإن قطاع العقارات يأتي ضمن أكثر القطاعات الرئيسية تأثراً بالاقتصاد جراء الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد قبل أسبوع.
ويلفت في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه حتى اللحظة من غير المعروف بشكل دقيق حجم الفاتورة النهائية للزلزال وتبعاته، وبشكل خاص مع تزايد أعداد الضحايا والدمار الهائل بالبنية التحتية في المدن العشر وحجم الخسائر الواسعة التي لا يزال يتم حصرها على ذلك الصعيد.
ويتابع: “بالرغم من ذلك لم تتضرر المنشآت الصناعية بشدة، بينما تم تدمير عديد من المنشآت الصغيرة.. لكن الدمار الأكبر بالفعل كان في منازل المدنيين (في المدن العشر التي يعيش فيها ما يزيد عن 13 مليون شخص، يشكلون 16.7 بالمئة من إجمالي السكان تقريباً).. ومن السابق لأوانه إعطاء أرقام دقيقة.. هناك تقديرات مبدئية فقط بمتوسطات 30 مليار دولار خسائر في تقديري الشخصي”.
ويشير الصحافي الاقتصادي التركي في الوقت نفسه إلى أن من بين المتغيرات التي ينتظرها القطاع بشكل كبير في الفترة المقبلة ما يتمثل في الزيادات الواسعة بالأسعار.
تحقيقات واسعة
وتوعد وزير العدل التركي، قبل يومين، بالتحقيق مع ملاك العقارات التي انهارت جراء الزلزال العنيف، الذي ضرب البلاد يوم الاثنين الماضي، وأدى لمقتل الآلاف، قائلاً إنه جرى منعهم من السفر.
وقال المسؤول التركي “سيجرى التحقيق في كل حالات الإهمال التي أدت إلى انهيار مبانٍ في الزلزال واتُّخذت كل الإجراءات القانونية اللازمة لمنع خروج أصحاب هذه العقارات خارج البلاد”.
وكانت تركيا قد استحدثت معايير بناء خاصة للوقاية من آثار الزلازل، كما فرضت من الناحية الفنية التأمين الإلزامي ضد مخاطر الزلازل، وذلك بعد زلزال العام 1999 في مدينة إزميد. بينما تُوجه حالياً انتقادات عنيفة بالتراخي والفساد في تطبيق تلك المعايير.
وفجر الاثنين الماضي، ضرب زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، وهزات ارتدادية متكررة، ما خلف خسائر واسعة في الأرواح والممتلكات في البلدين.
مساهمة قطاع العقارات في اقتصاد تركيا
تصل نسبة مساهمة قطاع العقارات إلى حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد. وتولي الحكومة هناك اهتماماً واسعاً بالاستثمارات العقارية.
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن المديرية العامة لسجل الأراضي والسجل العقاري التابعة لوزارة البيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي التركية، إلى أنه خلال أول 11 شهراً من العام 2022 تم تنفيذ نحو ثلاثة ملايين صفقة بيع عقارات، وقد تصدرت إسطنبول قائمة الولايات في عدد الصفقات، تلتها أنقرة ثم إزمير.
وبلغت حصة مبيعات المساكن للأجانب من إجمالي المبيعات بالقطاع حوالي 4.5 بالمئة، بقيمة 6 مليارات دولار. بينما يستهدف القطاع زيادة حجم المبيعات إلى 10 مليارات خلال العام الجاري 2023 وبنسبة مبيعات 10 بالمئة للأجانب، طبقاً للتقديرات التي نشرتها صحيفة dunyaالاقتصادية.
ونقلت الصحيفة، في تقرير لها مطلع العام، عن مختصين في قطاع العقارات تأكيداهم على أن اهتمام الأجانب بالاستثمار بقطاع العقارات التركي زاد بنسبة تصل إلى 15.2 بالمئة في العام 2022 مقارنة بالعام 2021، وتوقعوا استمرار هذا الاتجاه في العام 2023. وقد سلط الخبراء الضوء على تبعات الحرب في أوكرانيا على زيادة مبيعات العقارات للأجانب في تركيا.
ونقلت الصحيفة بيانات تشير إلى استحواذ 4 مدن رئيسية على النسبة الأكبر من مجموع المشتريات الأجنبية للعقار في تركيا، وهي: (أنطاليا ويالوفا واسطنبول ومرسين).
وبينما تزايدت المبيعات للأجانب، عرفت تركيا انخفاضاً طفيفاً في حجم المبيعات العام. وبحسب البيانات التي أعلنها معهد الإحصاء التركي، فقد انخفضت مبيعات المنازل بنسبة 0.4 في المائة في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، بينما يرى الخبراء أنه من الإيجابي أن المبيعات ظلت ثابتة تقريباً على الرغم من الزيادات الباهظة في أسعار المساكن وارتفاع تكاليف البناء.