القاهرة- جاءت بدايات الحوار الوطني في مصر على غير المتوقع، حيث سارت الأمور في طريق مختلف وُصف بأنه قلب مبكر للطاولة من جانب القوى المدنية على الحكومة، التي ربما كانت تأمل في فعل الشيء نفسه باحتواء التيارات السياسية وإشراكها في تحمل جزء من تبعات الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وبمجرد انتهاء كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي المسجلة الموجهة للمؤتمر، نزلت كلمة وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى على الحاضرين كالصاعقة، على حد وصف المحامي والناشط الحقوقي عادل سليمان.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار سليمان إلى أن موسى ألقى بكرة من اللهب، وتكلم فيما لم يتوقعه كثيرون وكان مسكوتا عنه طوال السنوات الماضية، في ما يتعلق بفقه الأولويات والحريات والحقوق، وتحميل الحكومة المسؤولية عن الأزمة الراهنة.
تساؤلات وانتقادات
في كلمته، قال موسى إن الناس يتساءلون “ماذا جرى وماذا يجري؟ وأين فقه الأولويات في اختيار المشروعات؟ وأين مبادئ الشفافية؟ وما حالة الديون المتراكمة ومجالات إنفاقها وكيفية سدادها؟ خاصة أن الاقتصاد متعب ومرهق”.
وقبل أن يفيق الحاضرون من وقع التساؤلات، أضاف موسى -الذي ترأس لجنة الخمسين التي أعدت دستور البلاد عام 2014- أن “الناس يتساءلون عن الحريات وضماناتها، والبرلمان وأدائه، والأحزاب وآلياتها، وعن الاستثمار وتراجعه وهروب الاستثمارات المصرية لتؤدي وتربَح في أسواق أخرى، كما أن الناس يتساءلون عن التضخم والأسعار إلى أين وإلى متى”.
وانتقد موسى -الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق- أيضا السياسات الأمنية في مصر، متسائلا “هل سيطرت السياسات الأمنية على حركة مصر الاقتصادية فأبطأتها وقيدتها؟ هل شلت البيروقراطية المصرية حركة الاستثمار فأوقفتها”.
وطرح علامة الاستفهام الكبرى بشأن المحبوسين، بقوله “الناس يتساءلون عن مصير المحبوسين احتياطيا… آن الأوان للتعامل المباشر والفوري والشامل مع هذا الملف لنغلقه نهائيا.. ونتوجه إلى ما هو أهم وأبقى”.
رسالة نارية
من جهته، وصف أستاذ علم الاجتماع في جامعة الفيوم محمد بركة كلمة موسى بأنها “رسالة نارية”، مضيفا أن “فارس الدبلوماسية المصرية ضرب فأوجع”.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال بركة إن موسى قدم توصيفا دقيقا للحالة المصرية، مطالبا الحكومة بالإنصات لصوت العقل والحكمة، مضيفا “إنا لمنتظرون”.
وبينما أشاد متابعون بكلمة موسى، قال آخرون إنه كلام تأخر كثيرا، خاصة ما يتعلق بـ”فقه الأولويات للمشروعات الحكومية”.
وقال لطفي زلط -أكاديمي بجامعة أكتوبر- إن الحكومة ماضية في مشاريعها ولن تتوقف، مضيفا “أين كان موسى طوال السنوات الماضية التي عانت فيها مصر من اختلال الأولويات”. وفي حديثه للجزيرة نت، توقع زلط ألا تتغير الأمور كثيرا، لكنه قال إن موسى يستحق الشكر رغم تأخره.
دليل انفتاح
في المقابل، اعتبر سيد العوضي -صحفي مشارك بالمؤتمر- إن كلمة موسى دليل على انفتاح كبير في السياسات، مضيفا أن المداخلة دليل على إيمان الحكومة بالحريات.
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر العوضي أن باب الحريات لا يمكن أن يفتح على مصراعيه مرة واحدة، معتبرا أن البلاد تعاني اضطرابات سياسية وأمنية كبرى منذ عام 2011.
وفي الاتجاه نفسه، ثمّن عزت وجيه -أحد أعضاء فريق التنظيم- كلمة موسى، وقال إن كل ما تجري مناقشته سيجد اهتماما كبيرا من الدولة.
وأشار إلى حرص الحكومة على نقل جميع الجلسات على الهواء مباشرة وبكل شفافية، داعيا جميع المشاركين إلى الاستمرار في تقديم طروحاتهم بكل شفافية، مشددا على أن الحكومة تستمع جيدا وتراقب كل ما يقال، وأن الجمهورية الجديدة تعني مزيدا من الانفتاح السياسي.
فرصة القوى المدنية
على المنوال نفسه، جاءت كلمة رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران الذي وجه انتقادا حادا وعلنيا لسياسات الحكومة، ووصف عنوان الحوار بأنه “الأزمة”، رافضا أي محاولة لتحميل المسؤولية عن الأزمات الراهنة لأي جهة بخلاف الحكومة.
وتعبيرا عن ذلك، قال زهران -في كلمته- إنه جاء للمشاركة نتيجة قرار من القوى المدنية، “وكأنه لم يكن يريد الحضور” على حد تعبير الناشط الحقوقي أحمد غريب.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال غريب إن القوى المدنية ربما انتهزت الفرصة للتعبير عما تعانيه من كبت لحريتها خلال السنوات التي أعقبت عام 2013.
وأشار غريب إلى أن حركة القوى المدنية -تضم 12 حزبا سياسيا- رفضت منذ اللحظة الأولى وبذكاء شديد مشاركة النظام في تحمل المسؤولية عن الأزمات الحالية، مؤكدا أن النظام وحده يتحمل كامل المسؤولية لانفراده باتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع، وذلك في غياب البرلمان وكل آليات الرقابة.
تردد في المشاركة
بدوره، كشف المتحدث باسم القوى المدنية خالد داوود عن تردد في المشاركة وانقسام لدى كثير من التيارات.
وفي تصريحات صحفية، أوضح داوود أن رؤساء 12 حزبا و10 من الشخصيات العامة عقدوا اجتماعا قبيل انطلاق المؤتمر في مقر حزب المحافظين استمر نحو 4 ساعات، وتم في نهايته التصويت على قرار المشاركة في الحوار الوطني، وكانت نتيجة التصويت موافقة 13 من المشاركين مقابل اعتراض 9.
وبينما تحدث ناشطون عن انقسام في صفوف القوى المدنية بشأن المشاركة، اكتفى المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بالقول إنه يتمنى أن ينجح الحوار الوطني في الوصول للمبتغى من نتائج، بما يقود إلى الوصول للغاية من الحوار وتحقيق ما يصبو إليه الجميع.
جاء ذلك بينما يعاني حزب الكرامة الذي ينتمي إليه صباحي من تصدعات، بسبب المشاركة في الحوار واتهامات بالمشاركة في تبييض وجه النظام.
وفي حين يرى مؤيدون للمشاركة أن الحوار فرصة لن تتكرر للقوى المدنية، قال الناشط وعضو الحزب محمد الشربيني إن الحوار لا يضم إلا من حصلوا من النظام على صك الوطنية، على حد تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر الشربيني أن حل الأزمات الاقتصادية الراهنة يبدأ من السياسة. ورغم اعتراضه على المشاركة، اعتبر الشربيني أن كلمة وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى ألقت حجرا كبيرا في المياه الراكدة.