القاهرة- تواصل الحكومة المصرية سياسة طرق الأبواب المغلقة بحثا عن حلول لأزمة نقص الدولار غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد، والتي أدت إلى خفض الجنيه 3 مرات في عام واحد ليفقد أكثر من 50% من قيمته، مع زيادة الفائدة بنسبة 10%، وارتفاع التضخم لمستوى قياسي، إلى جانب خروج الاستثمارات الأجنبية بشكل سريع.
في خضم تلك المعطيات، تدرس الحكومة المصرية تقليص الاعتماد على الدولار الأميركي بوصفه عملة رئيسية في الاستيراد وتبادل العملات المحلية مع الشركاء التجاريين الدوليين، مثل روسيا والصين والهند في تجارة السلع الأولية.
صرح بذلك وزير التموين المصري علي المصيلحي، الأسبوع الماضي، مؤكدا أن بلاده تدرس جديا الموافقة على استخدام عملات نقدية غير الدولار في تبادلات تجارة السلع الأولية.
وأشار الوزير إلى أن دارسة الموضوع ستستغرق وقتا طويلا، ولكن الوزارة قطعت جزءا كبيرا في هذا الصدد مع دول مثل الصين والهند وروسيا.
وأدى شح الدولار في مصر إلى نقص السلع الإستراتيجية في البلاد، وانخفاض مخزون القمح ليكفي شهرين ونصف الشهر فقط، كما أن احتياطاتها من الزيوت النباتية والسكر والأرز انخفضت إلى 4 أشهر، أما مخزون اللحوم، فيكفي لشهرين.
تباينت آراء الخبراء الاقتصاديين إزاء الخطوة التي أعلنها الوزير المصري، إذ اعتبرها بعضهم غير مجدية في ظل سياسات اقتصادية خاطئة لا تعالج أصل الأزمة الاقتصادية، في حين رأى آخرون إمكانية الاستفادة منها في تقليل الاعتماد على الدولار.
أزمة دولار أم سياسات خاطئة؟
من جهته، أوضح أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة حسن الصادي أن اعتماد تبادل عملات أجنبية لن يجدي نفعا في حل أزمة شح الدولار في مصر، خاصة مع ارتفاع الطلب على الدولار لدفع مستحقات الواردات وأقساط الديون وفوائدها.
وأضاف الصادي، في تصريحات للجزيرة نت، أن صادرات مصر إلى تلك الدول المعنية بالتجارة معها أقل بكثير من وارداتها، ومن ثم تصب في صالح تلك الدول أكثر، والفائض في العملات المحلية من الدول الأخرى بحاجة إلى عملة وسيطة لاستخدامها في تعاملات خارجية أخرى، وهذا الوسيط الحتمي هو الدولار.
وتشير الإحصاءات الرسمية، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن حجم الواردات المصرية قفز إلى 94.5 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 89.2 مليار دولار خلال عام 2021 بارتفاع قدره 5.3 مليارات دولار، بنسبة 5.9%.
وتستورد مصر من الصين سلعا تقدر بنحو 14.1 مليار دولار بما يعادل 15% من وارداتها، مقابل تصدير سلع بقيمة 1.7 مليار دولار، وتستورد من روسيا سلعا بقيمة 4.1 مليارات دولار، مقابل صادرات بأقل من 600 مليون دولار، في حين تبلغ فاتورة وارداتها من الهند 4.1 مليارات دولار.
ويؤكد حسن الصادي أن التوجه لاستخدام عملات بديلة غير الدولار لا يلغي وجوده وهيمنته، وسيظل الدولار هو العملة الرئيسية للتعاقدات الدولية.
وفي ما يتعلق بتوجه بعض دول الخليج إلى مثل تلك الخطوة، أشار الصادي إلى أن وضع السعودية والإمارات يختلف عن وضع مصر، فهما تملكان سلعا أولية بكميات ضخمة يمكن تصديرها للخارج بكل سهولة مثل النفط والغاز، إلى جانب أن اقتصاديها وعملتيهما في حالة استقرار تام، أما مصر فلا تملك استقرارا اقتصاديا، ولديها أزمة حادة في شح الدولار.
استقرار الاقتصاد هو الحل
من جهتها، توقعت أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القاهرة أمنية حلمي، في حديثها للجزيرة نت، أن تسهم تلك الخطوة في تخفيف ضغوط الدولار على البنك المركزي المصري، غير أنها أشارت إلى أن هذه الاتفاقيات تأخذ كثيرا من الإجراءات والوقت ولا يمكن أن تشمل حجم التعامل التجاري كاملا.
ورهنت أمنية حلمي التحول من التعامل بالدولار إلى العملات المحلية مع بعض تلك الدول بعوامل سياسية أخرى، واعتبرت أن من أهم أسباب تحقيق تلك الخطوة استقرار الجنيه المصري والنجاح في تحقيق نمو للاقتصاد الوطني.
وأظهرت الإحصاءات الرسمية في مصر انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي للشهر 29 على التوالي أبريل/نيسان الماضي، في ظل استمرار القيود المفروضة على الواردات وارتفاع الأسعار، مما يجعل الثقة في مناخ الأعمال عند أدنى مستوى له على الإطلاق.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات لمصر الصادر عن “ستاندرد آند بورز غلوبال” (S&P Global) إلى 47.3 نقطة الشهر الماضي مقابل 46.7 نقطة مارس/آذار الماضي، لكنه لا يزال أقل بكثير عن مستوى الـ50 نقطة الذي يشير إلى النمو.