عبر تاريخ السينما المصرية، شهدنا العديد من الأفلام التي فشلت في تحقيق النجاح المرجو في شباك التذاكر، مما تسبب في خسائر مالية كبيرة للمنتجين. ولكن، بعد عرضها على الشاشة الصغيرة، حققت تلك الأفلام نجاحا جماهيريا ساحقا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخ السينما المصرية.
من بين هذه الأفلام البارزة نجد “الحريف” بطولة عادل إمام، و”شيء من الخوف” الذي جمع شادية ومحمود مرسي، وكذلك “الأرض” و”الناصر صلاح الدين” من إخراج يوسف شاهين. وكانت أسباب هذا التحول في استقبال الجماهير متنوعة، تتراوح بين العوامل السياسية وتغيرات في تفضيلات الجمهور حول نوعية الأفلام التي يبحثون عنها.
ورغم مرور السنوات وادعاء الكثير من صنّاع السينما دراستهم السوق العالمي والمحلي في محاولة منهم لإرضاء الجمهور، إلا أن الأمر نفسه لا يزال قائما واليوم نستعرض قائمة بأحدث الأعمال الفنية التي تَناقض استقبال الجماهير لها في دور العرض عما جرى عند عرضها على الشاشات، والأسباب وراء ذلك.
“ابن الحاج أحمد”: خيبة أمل غير متوقعة
رغم انفصال الثلاثي “أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو” قبل 10 سنوات وخوض الأول والثاني مجال البطولة منفردا أكثر من مرة، إلا أن شيكو تأخر كثيرا ليفعل المثل، وهذا أوحى لجمهوره أنه تأنّى في سبيل العثور على العمل المناسب.
لكن جاءت البطولة الأولى للنجم شيكو بفيلمه “ابن الحاج أحمد” الذي طُرح في 2023 مخيبة للآمال سينمائيا؛ حيث أعرب رواد دور العرض عن أسفهم على دفع الأموال مقابل المشاهدة بعد رهاناتهم الكبرى المُسبقة على نجمهم المحبوب.
لم يحقق العمل وقتها إلا 9.7 ملايين جنيه، وعاب العمل سذاجة الحبكة والتمثيل الضعيف من كافة طاقمه، خاصة أن المخرج معتز التوني اختار للبطولة رحمة أحمد ومصطفى غريب في بداياتهم على عكس النجمين الآخرين اللذين خاضا البطولة منفردين مع نجوم ثقال لهم باع بالبطولات ورصيد لدى المشاهد.
غير أن طرح “ابن الحاج أحمد” مؤخرا على المنصات بالتزامن مع موسم الأعياد والإجازات سمح بأن يشاهده الكثيرون وسرعان ما حصد الإطراءات ليس لجودته الفنية وإنما لصلاحيته للمشاهدة العائلية واستمتاع الأطفال به بعيدا عن الأفلام الرائجة التي تحمل تجاوزات لفظية أو مشاهد دموية عنيفة.
“حملة فريزر”: ديستوبيا باعثة للضحك
على ذكر الثلاثي السابق، خاض الثنائي شيكو وهشام مواجهتهما الدامية الأولى مع شريك رحلة النجاح أحمد فهمي خلال موسم عيد الأضحى 2016 بفيلمهما “حملة فريزر”، والمثير للانتباه أن الغلبة وقتها حُسمت لصالح النجم المُنشق الذي ينافس بفيلم “كلب بلدي”، الذي شارك ببطولته أكرم حسني وآخرين.
وبسبب أسماء صانعيه وإسناده إلى المخرج معتز التوني والمؤلف شريف نجيب نجح العمل بجذب الجمهور، خاصة أن إعلانه التشويقي جاء أفضل من إعلان “حملة فريزر” الذي بدا أشبه بأفلام البارودي.
وحقق “كلب بلدي” أرباحا أكثر وصلت إلى ضعف ما حققه “حملة فريزر”، إذ آمن الجمهور بتناول فهمي فكرة أصيلة ومشوقة عن شاب رضع صغيرا من كلبة فشبّ وقد حاز على مقومات الكلاب الخاصة.
ومع ذلك انعكست الآية تماما حين أُتيح الاثنان للمشاهدة في المنازل، بل ويُعد “حملة فريزر” أحد أفضل الأفلام الكوميدية التي لا يمل منها الجمهور ولا يزال يتداول إفيهات ومقاطع كثيرة منها بين حين وآخر خاصة التي جمعت بين شيكو ونسرين أمين. وأكثر ما ميز العمل عدم اكتفاء أصحابه بتقديم محاكاة ساخرة لعالم الجاسوسية واتخاذهم من تلك النواة مركزا لعالم فريد من نوعه وأكثر إضحاكا جمع بين الدستوبيا والكوميديا السوداء.
“الدعوة عامة”: اختيارات من طراز خاص
ربع قرن؛ هو عمر مشوار النجم أحمد الفيشاوي الفني، ولم يختلف أحد على حجم ما يمتلكه من موهبة وذكاء، خاصة أنه تميز بالاختيارات الجريئة خارج الصندوق والتي لا تُشبه بعضها أغلب الأوقات.
فقدم خلال سنواته الأولى مسلسلات من بينها “تامر وشوقية”، و”عفاريت السيالة”، و”حديث الصباح والمساء”، وأفلام مثل “الحاسة السابعة”، و”زي النهاردة”، و”ورقة شفرة”، و”واحد صفر”.
ولم يحسبها الفيشاوي يوما بمنطق الإيرادات أو ما يطلبه المشاهدون، وامتلك بوصلته الشخصية التي قد تُخطئ وقد تُصيب. ومع مرور الوقت حافظ الفيشاوي على اختياراته المميزة وإن صارت تفصلها بعض الأعمال التي يتعجب الجمهور موافقته عليها كونها لا تحقق إيرادات ولا يذهب لمشاهدتها إلا قلة قليلة، خاصة أنها عادة ما تكون بصحبة ممثلين لا ينطبق عليهم لقب “نجوم الشباك”.
ومن بين تلك الأفلام “الدعوة عامة” الذي صدر في 2022 وشارك ببطولته أسماء أبو اليزيد ومحمد عبد الرحمن، وتمحور حول شاب يُغضب والدته فتطوله لعنة تجعله يفشل بكل ما يسعى إليه.
ورغم بساطة قصته وتحقيقه أرباحا لم تتجاوز 1.6 مليون جنيه بل ورفعه من دور العرض بعد 6 أسابيع لقلة إيراداته؛ فإنه لاقى قبولا عريضا فور تداوله عبر المنصات، بسبب ما تمتع به من خفة ظل وحبكة ماتعة كما يليق بالأفلام الكوميدية الخفيفة التي يفتقدها الجمهور.
“أهل الكهف”: فيلم لمحبي التاريخ والأصالة
أما فيلم “أهل الكهف” فهو أحدث الأفلام التي لحقت بركب القائمة مؤخرا، إذ بات متاحا للمشاهدة عبر بعض المواقع الإلكترونية والتطبيقات الرقمية.
من جهة هو عمل انتظره الكثيرون لسنوات بسبب تعطّل إنتاجه أكثر من مرة، ومن أخرى لم يجن عند طرحه في دور العرض سوى ما يقارب 13 مليون جنيه بالتنافس مع أفلام عيد الأضحى الماضي.
ورغم ضخامة إنتاجه وجودة الإخراج والتصوير والمؤثرات البصرية القوية والجديدة على الأفلام المصرية؛ فإنه لم ينجح جماهيريا لأسباب مختلفة من بينها شراسة المنافسة مع الأفلام الأخرى والأقرب لذائقة جمهور العيد؛ على رأسها “ولاد رزق 3″، وضعف المعالجة السينمائية التي لا تتناسب مع روح العصر الحالي.
وأمام استقطاب الشباب والصغار من قِبل الأفلام المنافسة وارتفاع أسعار التذاكر، لم يتوجه لمشاهدة “أهل الكهف” إلا القليلون من نقاد أو مُحبي للأعمال التاريخية والمعارك الحربية، الذين سرعان ما أثنوا على العمل مؤكدين جدارته بالمشاهدة ونيتهم حث أسرهم وأولادهم على مشاهدته حين يصبح متاحا إلكترونيا خاصة أن الكثير من عشاق تلك الفئة من الأعمال من كبار السن الذين تجذبهم تلك الأفلام لكنهم لا يحترفون الذهاب إلى دور العرض.