تشهد السينما الأميركية في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة، وهي عودة الأفلام القديمة بأجزاء جديدة بعد عقود طويلة مرت على عرضها الأول.

وشجع على انتشار هذه الظاهرة النجاح الكبير الذي حققه فيلم “توب غن: مافريك” (Top Gun: Maverick) عام 2022، الذي استقطب المشاهدين من محبي الجزء الأول، وآخرين جددا ربما لم يولدوا وقت عرض هذا الجزء.

تعرض دور السينما الآن حالة أخرى من الأفلام العائدة، وهو “بيتلجوس بيتلجوس” (Beetlejuice Beetlejuice) الجزء الثاني من فيلم “بيتلجوس” الذي عُرض عام 1988، من إخراج تيم بيرتون، وعاد لبطولته مايكل كيتون ووينونا رايدر وكاثرين أوهارا من الجزء الأول.

وانضم ويليام دافو وجينا أورتيجا للجزء الثاني، وافتتح الفيلم عروض مهرجان فينيسيا السينمائي، قبل عرضه التجاري الذي حقق خلال الأسبوع الأول من عرضه إيرادات فاقت ميزانيته.

بيتلجوس الذي يقف على الحافة بين الرعب والكوميديا

ينتمي “بيتلجوس” بجزئيه إلى الكوميديا المرعبة، حيث تختلط المشاهد المخيفة بالدعابة السوداء، ودارت أحداث الجزء الأول في منزل ريفي أنيق تحيا فيه أسرة صغيرة من زوج وزوجة في غاية السعادة، غير أن هذه السعادة لا تدوم بعد وقوع سيارتهما من أعلى أحد الجسور وهما في طريقهما للمنزل، ووفاتهما بشكل مفاجئ، ليعودا للبيت لكن هذه المرة كأشباح.

وبالرغم من الاضطراب نتيجة هذه التغيرات السريعة لم يبالِ الزوجان طالما هما سويا في بيتهما المثالي، غير أن الحياة تأتي لهما بصدمة جديدة، عندما تنتقل للمنزل عائلة قادمة من المدينة.

وتتكون الأسرة من أب رأسمالي يحاول الاستراحة من الحياة الأعمال، والزوجة ديليا/ كاثرين أوهارا المدللة التي تدعي أنها فنانة ونحاتة بينما هي محدودة الموهبة، وابنة الزوج المراهقة المضطربة ليديا/ وينونا رايدر التي تلتزم السواد في ملابسها، ولا تستطيع التواصل مع أيّ من والديها.

يحاول الشبحان طرد العائلة من المنزل، لكن تبوء كل مساعيهما بالفشل، ومن ثم يلجآن إلى الشبح المحتال “بيتلجوس” صاحب القدرات الخارقة والخارج عن قوانين عالم الأشباح، ويأتي بيتلجوس بأهدافه الخاصة، فهو يحاول الزواج من المراهقة ليديا -الوحيدة القادرة على رؤية الأشباح- حتى يستغلها في عودته للحياة، فيضطر الشبحان في العمل ضد بيتلجوس لإنقاذها.

بينما تبدأ أحداث الجزء الثاني في الحاضر، عندما أصبحت ليديا امرأة في منتصف العمر، ولديها ابنة مراهقة في نفس عمرها هي شخصيا بالجزء الأول، وهي أستريد/ جينا أورتيجا التي فقدت والدها منذ سنوات وتتهم والدتها بعدم سعيها للتواصل مع شبح أبيها مثلما تفعل مع الأشباح الأخرى خلال برنامجها التلفزيوني الشهير.

يتوفى والد ليديا في بداية الفيلم، فتعود مع ابنتها وزوجة والدها للمنزل القديم لدفنه، وهناك تتقاطع طرقهم مرة أخرى مع بيتلجوس الذي ما زال يرغب في الزواج من ليديا، ويساعدها في إنقاذ ابنتها من شر كبير يتربصها في العالم الآخر.

“بيتلجوس” في جزئه الأول هو ثاني أفلام تيم بيرتون، ويعتبره الكثيرون أول فيلم ينتمي بشكل كامل إلى عالمه السينمائي حيث حمل الكثير من السمات الفنية التي استمرت في أفلامه اللاحقة، ونتيجة لنجاح الفيلم الواسع استطاع المخرج الاستمرار في تقديم أعمال مختلفة في الرعب والفانتازيا.

يشبه عالم تيم بيرتون عقل المراهقين، تمتزج فيه سوداوية الخوف من حياة البالغين، مع بقايا طفولية هازئة من عالم الكبار، سينماه حيوية ومميزة للغاية من الناحية البصرية، فنجد بصمته واضحة في كل عوامل الفيلم الفنية من الديكورات إلى المكياج وحتى إدارة أداءات الممثلين الذين يتحولون على يديه إلى نسخ أكثر خفة وحيوية من أنفسهم.

فيلم Beetlejuice Beetlejuice المصدر: IMDB

الإصرار على الأصالة

تشوب الكثير من الأجزاء الثانية -خصوصا تلك القادمة بعد سنوات عدة من الجزء الأول- بعض العيوب المتكررة، منها على سبيل المثال الإفراط في استخدام المؤثرات البصرية التي لم تكن متاحة في الماضي، فـ”بيتلجوس” بجزئه الأول فيلم تم إنتاجه في الثمانينيات، واستخدم فيه المخرج المؤثرات البصرية المصنوعة باليد والمصغرات، واستبدال المؤثرات المصنوعة بالحاسوب بها يمكن أن يبعد الفيلم عن أصالته ويجعله نسخة باهتة من نفسه.

أيضا واحدة من عيوب هذه الأفلام العائدة بعد الكثير من السنوات بذات النجوم صدمة المشاهدين في النجوم الذين كبروا في السن، فابتعدوا سواء من حيث المظهر أو الأداء عن الصورة التي ظهروا فيها بالجزء الأول.

يتمثل العيب الثالث في أن بعضا من هذه الأفلام تعتمد بشكل أساسي على حنين الجمهور لسمات معينة في الفيلم القديم سواء كان ثيمة أو أداء تمثيليا أو بعض العناصر البصرية المميزة، وبالتالي يتم إهمال جوانب أخرى ضرورية للغاية مثل السيناريو الذي يجب أن يستغل الماضي لبناء فيلم جديد معاصر.

استطاع فيلم “بيتلجوس بيتلجوس” التملص من مصير أفلام أخرى عائدة أخفقت في إرضاء الجمهور مثل “بيفرلي هيلز كوب: أكسل فولي” (Beverly Hills Cop: Axel F) الذي عُرض مؤخرًا على منصة نتفليكس، وأحبط كلا من الجمهور والمشاهدين.

استخدم صناع فيلم “بيتلجوس بيتلجوس” المؤثرات البصرية المصنوعة بالحاسوب غير أنهم حافظوا في الوقت ذاته على أصالته إلى حد كبير، فعززت هذه المؤثرات على سبيل المثال الديكورات المميزة للجزء الأول لعالم الأشباح، وقدم الفيلم تجربة بصرية ممتعة للغاية.

على الجانب الآخر خدم المكياج الكثيف لشخصية “بيتلجوس” في جعل الشخصية تظهر كما لو أنها تتجاوز حدود الزمن بالفعل، فلا يستطيع المشاهد تخمين عمرها في أي من الجزأين، وعزز ذلك الشعور الأداء الحركي الحيوي لمايكل كيتون الذي مد الشخصية بالشباب على الرغم من مرور ما يقارب الأربعين عاما على صناعة الجزء الأول.

بينما استغل الفيلم اختلاف عمر البطلتين وينونا رايدر وكاثرين أوهارا في إظهار النضج العاطفي للشخصيتين، فالأولى أصبحت الأم في منتصف العمر المحتارة في الطريقة السليمة للتعامل مع ابنتها المراهقة، بينما الثانية جدة تسدي ابنة زوجها النصح لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.

أضفى الممثلون الجدد كذلك الكثير من التجديد على الفيلم الأحدث، بأداء ويليام دافو لدور قصير غير أنه مسلٍّ ومضحك ومتسق مع جنون الفيلم وعالم تيم بيرتون بشخصية الممثل المتوفى الذي اعتاد أداء دور ضابط الشرطة فعمل كضابط في عالم الأشباح، وجينا أورتيجا في تعاونها الثاني من بيرتون بعد “وينزداي” (Wednesday) تثبت أنها مناسبة جدا للمرحلة الحديثة لأعمال المخرج، ودور المراهقة السوداوية التي تنتمي للقرن الواحد والعشرين.

يمثل فيلم “بيتلجوس بيتلجوس” إحياء مثاليا للجزء الأول، وفي الوقت ذاته عودة المخرج لأصالة أعماله، وقد ابتعد عن مساره الصحيح وأحبط محبيه بالسنوات الأخيرة.

شاركها.
Exit mobile version