شهد صيف عام 2023 موسما سينمائيا شديد النجاح، مستفيداً من عرض فيلمين حققا إيرادات كبيرة وترشحا للعديد من الجوائز وصنعا معاً ظاهرة “باربينهايمر” وهما “أوبنهايمر” (Oppenheimer) الذي تناول سيرة صانع القنبلة الذرية، و”باربي” (Barbie) الذي أخذ المشاهدين في رحلة إلى عالم العروس البلاستيكية الأشهر.
غير أن صيف 2024 جاء برياح مختلفة، إذ غزت أفلام الرعب دور السينما حول العالم، بأنواعها الفرعية المختلفة.
وبنظرة سريعة على دور السينما، نلاحظ سيادة أفلام الرعب على باقي الأنواع السينمائية المعروضة، وكأن المنتجين والموزعين رأوا أن الرعب الحقيقي الذي يجتاح العالم والحروب المشتعلة والأوبئة التي بدأت الانتشار، ستجذب المشاهدين إلى رعب آخر خيالي هذه المرة.
ولا تعد سيطرة الرعب على صالات العرض ظاهرة جديدة، إذ تكرر من قبل مع صعود سينما الرعب الألمانية فترة حكم فايمار ما بعد الحرب العالمية الأولى -على سبيل المثال- حين سادت البلاد ظروف الفقر والقهر.
ونستعرض فيما يلي أهم أفلام الرعب التي عُرضت -ومازالت- خلال الموسم السينمائي الجاري:
فيلم “إكسهوما”
نفتتح القائمة بـ”إكسهوما” (Exhuma) من كوريا الجنوبية، والذي جاء عرضه الأول في مهرجان برلين السينمائي، قبل طرحه بدور السينما حول العالم بما فيها دول الشرق الأوسط.
الفيلم من إخراج جانج جاي هيون، وتدور أحداثه في عالم يجمع بين الخوارق والواقعية بذات القدر. فيبدأ باستعراض الأبطال كل منهم يقوم بوظيفته، ولكنها وظائف غير تقليدية لا يقومون بها من مكتب وهم مرتدين البذلات الكاملة. فمن ناحية كيم سانج كيوك “مُعَلِم فنغ شوي” وهو فن التناغم مع الفضاء المحيط وتدفقات الطاقة، يعمل برفقة الحانوتي يونغ جن في اختيار أفضل الأماكن لدفن الموتى من الناحية الروحانية، وهو عمل سمح له بجمع المال والحصول على الاحترام من كبرى العائلات، بينما الشامان (الكاهنة الروحانية) لي هوا ريم تنقذ العائلات الثرية من اللعنات الممتدة لأجيال.
والسؤال الذي يطرح نفسه منذ البداية: هل هؤلاء الأبطال جماعة من النصابين الذين يسلبون الأغنياء أموالهم؟ أم هم بالفعل متخصصون بارعون في الأنشطة الروحانية الغريبة؟
وتكتشف الإجابة من خلال حبكة “إكسهوما” عندما يُطلب منهم التخلص مما تسبب فيه قبر أحد الأجداد من مرض غامض لأبناء وأحفاد العائلة، غير أن أبطالنا يواجهون ما يبدو أنه يفوق قدراتهم.
ويميز العمل فرط الواقعية في كل تفاصيله، فحتى طقوس نبش المقبرة أو التخلص من الأرواح الشريرة مستقاة من التراث الكوري الجنوبي وتم تنفيذها بشكل شديد الإبهار والتأثير في المشاهدين، بالإضافة إلى الجانب السياسي الذي يشير إلى الصراعات الثقافية والسياسية بين كوريا واليابان، وتقسيم الكوريتين، وظهر بشكل ذكي دون تناوله بصورة مباشرة.
فيلم “غرائب”
ومن أيرلندا، يأتي فيلم “غرائب” (Oddity) من تأليف وإخراج داميان ماك كارثي. وجاء عرضه الأول في مهرجان ساوث باي ساوثويست قبل عرضه التجاري.
وتدور الأحداث في أجواء منذرة بالخطر منذ اللحظة الأولى، فنتعرف على داني المرأة الشابة التي ترمم منزلها الجديد الواقع بمنطقة ريفية شديدة الهدوء دون تغطية مستمرة من شبكات الهاتف والإنترنت.
وتقرر داني المبيت بالمنزل الخالي وحدها في ظل غياب زوجها لعمله بأحد مستشفيات الأمراض العقلية، غير أنه في سكون الليل يأتيها زائر مريب، يخبرها بوجود شخص غيرها بالبيت، وبعد رفضها إدخاله يذهب لإحضار المساعدة.
وتنتقل الأحداث عاما للأمام، بعد وفاة داني، وارتباط زوجها بصديقة جديدة، بينما أختها الضريرة -التي تمتلك معرفة بالسحر الأسود- تبحث عن الانتقام من القاتل، فتطلب بقاءها وحدها في المنزل المشئوم لليلة واحدة، تدور خلالها أهم أحداث الفيلم، وتكشف هوية الشخص الذي حرمها من توأمتها.
ويتميز الفيلم بأجوائه المضطربة والمفعمة بالسوداوية، وتم التأسيس للحظاته المرعبة بشكل ممتاز، مع استخدام أدوات سحرية ألقت بثقلها على العمل مثل التمثال الخشبي العملاق والصندوق المتوارث بين أفراد العائلة، بالإضافة إلى الأداء المميز من كارولين براكن في دور الأختين داني ودراسي.
فيلم “مكان هادئ: اليوم الأول”
صنعت سلسلة “مكان هادئ” (A Quiet Place) مكانتها بين أفلام الرعب بفضل فكرتها المميزة والأسلوب الذي اتبعه مخرج الجزء الأول والثاني جون كراسينسكي، في تصوير هذا العالم الذي تغزوه كائنات فضائية عمياء حادة السمع، تقتل البشر لمجرد بضعة همسات، فيضطر الناجون لاتباع طرق جديدة لضمان استمرارية الحضارة الإنسانية.
فيلم “مكان هادئ: اليوم الأول” (A Quiet Place: Day One) من إخراج مايكل سارنوسكي، وتدور أحداثه باليوم الأول للكارثة التي حاقت بالأرض، عندما سادت الفوضى، وحاول البشر النجاة بحياتهم في ظل عدو لا يفهمون طبيعته بعد، وبالتالي يسبق الفيلمين الأول والثاني من الناحية الزمنية.
ونرى أحداث اليوم الأول بعد الكارثة من عيون ساميرا، المرأة السمراء المريضة بالسرطان في مراحله الأخيرة، التي لا تتمنى سوى أمسية هادئة في نادي الجاز الذي عزف فيه والدها خلال طفولتها، وقطعة بيتزا من مطعمها المفضل، غير أن هذه الأحلام البسيطة تصبح في عداد المستحيل وهي مُطَاَردة من قِبل كائنات تحرمها حتى من الصراخ ألمًا.
ويعد أداء الممثلة لوبيتا نيونغو أفضل ما في “مكان هادئ: اليوم الأول” وقد عبرت بعيونها المتسعة عن كل مشاعرها دون الحاجة لكلمات، بينما خذلها السيناريو الذي لم يقدم الكثير للسلسلة الأصلية.
فيلم “سيقان طويلة”
يأتي في المرتبة الرابعة أعلى الأفلام المستقلة أيراداً عام 2024، وهو فيلم “سيقان طويلة” (Longlegs) من إخراج وتأليف أوز بيركنز وبطولة نيكولاس كيدج -الذي شارك في إنتاج الفيلم كذلك- بالإضافة إلى أليشيا ويت ومايكا مونرو، ويجمع الفيلم بين الرعب الماورائي والنفسي.
وتدور أحداث “سيقان طويلة” حول عدة جرائم قتل تقع لعائلات صغيرة، يقتل فيها الأب كل أفراد عائلته ثم ينتحر، ويجمع بينها وجود خطاب مشفر كل مرة مع توقيع “سيقان طويلة”.
وتبحث الشرطة بالطبع عن القاتل، غير أنها لا تصل إلى أي نتيجة حقيقية حتى تشترك في التحقيقات الشرطية لي هاركر(مايكا مونرو) التي بشكل مفاجئ تلاحقها ومضات من ماضيها لا تتذكرها بدقة لكنها تساعدها في فك الشفرة، بل وإلقاء القبض على القاتل، إنما لا يضع ذلك نقطة النهاية للجرائم التي شارك شخص مقرب منها في القيام بها.
ويسيطر على “سيقان طويلة” الغموض المخيف، وأفضل ما قدمه اهتمام المخرج بالتفاصيل الصغيرة للعالم المرعب الذي أسسه، لكن على الجانب الآخر أتت النهاية متوقعة للغاية، وتقارب الكليشية.
فيلم “فخ”
ويأتي نهاية هذه القائمة أكثر أفلامها إحباطاً، خصوصاً وهو من إخراج إم نايت شالامان الذي قدم من قبل أعمالا مميزة ضمن أفلام الرعب، “فخ” (Trap) من بطولة جون جوش هارتنت وسالكا شالامان. وتدور أحداثه حول قاتل متسلسل، تنصب الشرطة فخاً للقبض عليه خلال حضوره إحدى الحفلات الموسيقية مع ابنته المراهقة.
ويفتقد الفيلم الترابط بين فصوله المختلفة، فبعد فصل أول مميز، مزج فيه المخرج بين الأغاني ومحاولات القاتل الهرب من أيدي الشرطة التي تكاد تطبق عليه، وتبدأ الفوضى مع الفصل الثاني وخروج الشخصية الرئيسية من المسرح إلى عالمه الاعتيادي، فسادت السذاجة والحلول السهلة التي أفقدت الفيلم الإثارة والتشويق.
وقدمت الأفلام السابقة أنواعا مختلفة من الرعب، رعب القتلة المتسلسلين من البشر، وقتلة آخرين يستخدمون السحر لأغراضهم، وقاتلا بشريا يقتله السحر، والوحوش الفضائية والغموض المدفون في قبور لا يجب أن ينبشها أحد، كل منها حاول التميز في الإطار الذي يقدمه، وبعضها نجح والآخر أخفق.