لا تلبث شركات الإنتاج أن تستثمر نجاحات الأعمال الدرامية أو الأحداث الواقعية واستغلالها لضمان مزيد من المشاهدة، هكذا فعل القائمون على منصة نتفليكس حين قرروا تقديم المسلسل الكوري “عرض الـ8” (The 8 Show) الذي يبدو للوهلة الأولى كما لو كان عملا منشقا ولكن بتصرف من مسلسل “لعبة الحبار” (Squid Game) الذي حقق نجاحا مذهلا قبل سنوات.

لكن، ورغم الدوران في فلك فكرة قد تبدو مكررة، فإن العمل نجح باحتلال المرتبة الأولى للدراما الأكثر مشاهدة في الكثير من البلدان ولأسابيع متتالية، مما يثبت صحة حدس المنتجين ورهانهم على أن هذا هو ما يريد الجمهور مشاهدته، ويبقى السؤال ما الذي يجعل ذوق المشاهدين يميل إلى كل هذا العنف والعدوانية؟

الثروة مقابل وقتك

“عرض الـ8” مسلسل درامي قصير من 8 حلقات فقط، يحكي عن 8 غرباء العامل المشترك بينهم أن جميعهم مُثقلون بالديون وعلى وشك الانتحار من أجل التخلص من ذاك العبء المادي غير المُحتمل.

قبل أن تلوح لهم فرصة من العدَم تعدهم بالخروج من ذلك المأزق للأبد، كل ما عليهم فعله مشاركة البقاء سويا في مجمع سكني غريب وكلما طال بقاء الجميع أحياء ازدادت قيمة المبلغ الذي يحصلون عليه بالنهاية وبالطبع يمكنهم الانسحاب بأي وقت لكن انسحاب شخص واحد يعني نهاية المسابقة وخسارة الجميع.

صراع على السلطة

قد تبدو المسألة عادية ويسيرة لكن مع الوقت تزداد غرابة، إذ سرعان ما يكتشف المشاركون أن الطوابق غير متكافئة ولا تملك نفس الإمكانات أو حجم المكاسب المالية مما يُشعل فتيل الضغينة بين الأبطال.

وتزيد الأمور تعقيدا وقسوة حين يُدرك اللاعبون أن الوقت الذي لديهم يزداد فقط إذا ما قدموا شيئا يُثير انتباه القائمين على المسابقة أو إعجابهم. ومن ثمّ تنقلب الموازين كلها ويسعى الأقوياء والأكثر شرا للبقاء على مقعد السلطة مُستغلين الضعفاء لتقديم عروض وحشية ودموية لزيادة الوقت.

وبالرغم من أن الضعفاء يقررون بعد فترة التكاتف والانشقاق مُحدثين ثورة داخلية، تظل الأمور في اتجاهها للسوء مع إصرار البعض على الاستمرار رغم كل ما يجري وهو ما يحدث بالتزامن مع الكثير من المفاجآت غير المتوقعة والالتواءات الدرامية الحادة والمثيرة.

الأكثر شرا.. لكن الأفضل دراميا

رغم كل المشاهد العنيفة والمؤذية نفسيا التي حظي بها العمل، فإنه نجح في تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة بفضل التشويق الهائل الذي تمتعت به القصة، بجانب قدرة الأبطال على تجسيد شخصياتهم ببراعة وخاصة الممثلة “تشون وو هي” قاطنة الطابق الثامن التي استطاعت إثارة غضب كافة المشاهدين بسبب إتقانها الدور والطريف أنها لم تكن المُرشحة الأولى له.

أما العيب الذي وقع به صانعو المسلسل فهو فشلهم في ربط الجمهور بالشخصيات الأصلية، ذلك لأن المقدمة التي كانت تُعرّفهم إلى كل شخصية بأول الحلقات لم تكن كافية لمعرفة خلفية الأبطال ودوافعهم أو التعاطف معهم.

 

وإن كان هذا التعاطف نشأ لأسباب أخرى لها علاقة بالتسلسل الهرمي الذي وقع تحته الأبطال داخل التحدي نفسه، واضطرار البعض لتحمّل مساوئ التقسيم الطبقي دون آخرين.

هل نشهد موسم ثانيا؟

وفقا لما صرّح به “هان جاي ريم” مخرج العمل، فإن العمل من جهة، ما هو إلا نقد غير مباشر للوحشية الرأسمالية، ومن جهة أخرى محاولة درامية مختلفة لاستكشاف بواطن النفس البشرية وخفاياها شديدة الظلمة والبدائية خاصة حين توضع في مواجهة مع عدم تكافؤ الفرص وإمكانية استغلال ذلك لصالحها.

وعن وجود جزء جديد قادم بعد نجاح الموسم الحالي، صرّح أن ذلك ليس مستحيلا لكنه لا يزال كذلك مجرد احتمال قائم ضمن الاحتمالات. وهو ما أكدته نهاية العمل التي تُظهر أحد الناجين من البناية فيما يُقدم سيناريو بنفس عنوان المسلسل لمسؤول تنفيذي والذي يتحمس بدوره للحبكة ويُنهي الحوار قائلا ربما يحظى عمل كهذا بموسم ثان.

حين تكون الحياة رخيصة

“عرض الـ8” ليس المسلسل الكوري الوحيد الذي اعتمدت فكرته على لعبة خطيرة يمارسها الأبطال للفوز والحصول على مكسب ما، ورغم بساطة قوانينها فإن حياتهم قد تنتهي ثمنا لها.

من المسلسلات الشبيهة والتي حققت نجاحا كبيرا عند عرضها مسلسل “أوراق الموت” (Alice in Borderland) الذي صدر في 2020، وبالطبع “لعبة الحبار” الذي حطم الأرقام القياسية قبل 3 سنوات، مما يجعل تلك الثيمة تبدو كما لو أنها مادة خصبة وجاذبة لصانعي الدراما الكورية الجنوبية.

The 8 Show (2024) Moon Jeong-Hee, Park Jeong-min, Chun Woo-hee, Park Hae-joon, Yul-Eum Lee, Ryu Jun-yeol, and Lee Joo-young in The 8 Show (2024) credit : imdp

لكن بمزيد من التدقيق يمكن إدراك أن ثيمة الألعاب وما يترتب عليها من مفاجآت ليست هي بالضبط ما يجري الرهان عليه وإن كانت تجذب الجمهور بغزارة، بقدر ما يرغب القائمون على تلك الأعمال بفضح الوجه القبيح للرأسمالية وبشاعة استغلال الطبقات العاملة وما يمكن أن يجري من تبعات عدم وجود عدالة لتوزيع الثروات.

الأمر نفسه شاهدناه في 2019 بفيلم “الطفيلي” (Parasite) الذي حقق  طفرة بجوائز الأوسكار، ولهذا فإن شاكلة تلك الأعمال لا تلائم الجمهور الكوري وحده بل الملايين غيرهم من سكان العالم يمكنهم التماهي مع ما يجري وإيجاد المبررات الكافية للأبطال مهما بلغ توحشهم أو أنانيتهم.

أي شيء مقابل المال

جدير بالذكر أن المسلسل يُعيد إلى الأذهان أجواء الفيلم الوثائقي البريطاني الذي صدر العام الماضي بعنوان “المتسابق” (The Contestant) واستعرض تجربة ممثل كوميدي ياباني ظهر عام 1998 ببرنامج تلفزيوني واقعي تطلّب منه أن يعيش بمفرده في حجرة صغيرة عاريا ومحاولة الفوز بالطعام والملابس بناء على ملء كوبونات مسابقة يانصيب، ورغم أنه كان لديه الفرصة للمغادرة أي وقت لكنه قبِل تلك الحياة لمدة عام كامل إلى أن نجح بالفوز بمبلغ مليون ين.

“عرض الـ8” المسلسل الكوري مقتبس عن ويب كوميك تأليف باي جين سو بعنوان “لعبة المال” (Money Game)، وهو من إخراج هان جاي ريم، قام ببطولته كل من ريو جون يول وبارك جونغ مين، ولي زو يونغ، وتشون وو هي، ولي يول أوم ومون جيونغ هي، وبارك هاي-جون، وباي سيونغ وو.

هذا العمل مناسب لمحبي الدراما المثيرة للتوتر والقلق والباعثة على إفراز الأدرينالين، أو لعشاق سبر أغوار النفس البشرية وكيف يمكن للإنسان، إذا أمن العقاب، ألا يتحلّى بالفضائل. ومع ذلك، فهو غير مناسب إطلاقًا لمن يكرهون مشاهدة العنف أو الدماء، إذ إن أحداثه مليئة بالتشويق والمشاحنات، ولا تخلو من دراما مثيرة للتأمل والتساؤلات.

شاركها.
Exit mobile version