بدأ عرض فيلم “لا تتركني أبدا” (Never Let Go) في ختام موسم صيف غني بأفلام الرعب المتنوعة، ليضع نفسه في مقارنة مباشرة مع أفلام حقق بعضها نجاحا نقديا وتجاريا.

“لا تتركني أبدا” من إخراج ألكسندر أجا المتخصص في أفلام الرعب، وبطولة الحائزة على الأوسكار هالي بيري والطفلين بيرسي داجز الرابع وأنطوني بي جينكنز.

رعب نفسي أم ما ورائي؟

تدور أحداث “لا تتركني أبدا” في منزل منعزل بوسط الغابة، تعيش به “أم” -لم نعرف اسمها خلال الفيلم- (هالي بيري) مع ولديها التوأم سامويل ونولان. تبدو العائلة على غير ما يرام منذ اللقطة الأولى، التي تظهر فيها الأم وهي تعطي ظهرها للكاميرا وتتمتم بالأدعية الغامضة تطالب فيها المنزل بحمايتها وعائلتها من الشر الكامن بالخارج.

خلال دقائق يدرك المشاهد أن هذه العائلة ناجية من كارثة غامضة حاقت بالأرض، كارثة تُطلق عليها الأم “الشر”، فقدت خلالها والديها ووالد أبنائها الذين تقول عنهم “لمسهم الشر”، بينما يمثل هذا المنزل الخشبي الحماية الوحيدة ضد الخطر، فيتوجب عليها هي وأولادها عند الخروج للغابة للصيد أو البحث عن الطعام الاتصال به طوال الوقت عبر حبل طويل.

يأتي الشتاء القارس البرودة، ويتناقص الطعام بالتدريج، ومع الجوع تراود الأطفال الشكوك لأول مرة، ويتساءلون، هل بالفعل هناك خطر بالخارج، أم يسكن الخطر عقل والدتهم فقط؟

لا يجيب “لا تتركني أبدا” على مدى 100 دقيقة التي تمثل عمر الفيلم على هذا السؤال، بل يُعطي المتفرج بعض الأدلة على هذا الخطر الخارجي، ثم إشارات أخرى لاضطراب نفسي قد تعاني منه الأم ووالدتها من قبلها التي تظهر لها على هيئة وحش لا يراه أولادها يخيفها ويلعنها.

توشك العائلة على الموت جوعا، ويتمثل السبيل الوحيد للنجاة في قتل كلب العائلة الذي تربى مع الأولاد، الحل الذي تطرحه الأم على سامويل ونولان، لتظهر هنا الاختلافات الواضحة بين شخصيتي الصبيين، فبينما يدين سامويل بولائه التام لوالدته ويصدق كل ما يصدر عنها ولا يسمح لنفسه بالشك فيها ويخضع لرغبتها في قتل الكلب، نجد نقيضة في نولان، الذي تسكن بداخله روح فنان متمرد -كما يظهر من رسوماته التي تسجل تفاصيل حياة الأسرة- فيقوده أسلوب تفكيره النقدي إلى التساؤل حول حقيقة الخطر بالخارج، ويرفض بشدة اغتيال الحيوان الذي يعتبره أحد أفراد العائلة، ومن هذه النقطة تتسارع الأحداث تجاه النهاية.

رموز بلا طائل

يمكن تفسير الوحوش بالخارج والحياة التي اختارتها الأم لأبنائها بصور مختلفة تبعا لخلفية المتفرج الثقافية، أو حتى فهمه الشخصي للأحداث، فمن الممكن إحالة الشر إلى العنصرية خصوصا مع لون بشرة البطلة وطفليها، فيُطرح سؤال: هل يمكن أن تستفحل العنصرية حتى تحول البشر لوحوش حقيقية؟.

أو قد ترمز هذه الوحوش إلى وباء غامض، مثل الكورونا الذي أبقى المليارات من البشر سجناء بمنازلهم مثل العائلة بطلة الفيلم.

كذلك يمكن اعتبار الفيلم حول الحب الأمومي المهووس، ليشير الحبل الذي يربط الأطفال بالمنزل في هذه الحالة للحبل السري في الرحم.

بالإضافة إلى هذه الإحالات المتعددة هناك إشارات من الفيلم لمعاناة البطلة من مرض نفسي مثل “الفصام” قد يؤدي بها إلى تخيل هذا العالم المتوحش في الخارج، أو تعرضها لإيذاء متكرر على يد والدتها أوصلها لحالة عقلية متردية.

لا تخدم كثرة التفسيرات والرموز والإحالات فيلم “لا تتركني أبدا”، بل على العكس تضره وتضفي عليه عمقا مصطنعا، فتصبح جعجعة بلا طحن.

ما يصل بنا إلى أزمة الفيلم الحقيقية التي تتمثل في السيناريو الخاص به، سواء لغموضه الشديد وصعوبة تفسيره، أو لبطء وتيرة أحداثه في البداية ثم التسارع الشديد بالفصل الثالث.

قد قسم صناع الفيلم العمل إلى 3 فصول، كل منها له عنوان منفصل، ويبدأ بفصلين بطيئين بشكل يتلاءم مع عالم الشخصيات الذي لا تجري فيه الكثير من الأحداث، فغايتهم الوحيدة البحث عن الطعام والبقاء على قيد الحياة، غير أن هذا البطء ينتهي بشكل مفاجئ في الفصل الثالث، بعدد كبير من الأحداث السريعة لدرجة مربكة، ثم تأتي النهاية التي تترك الباب مفتوحا لعدد أكبر من التفسيرات.

وطغى تواضع السيناريو على مزايا الفيلم مثل الأداء التمثيلي للبطلة والطفلين، والتصوير والإضاءة اللذين أحسنا إبراز طابع الغموض والكآبة الذي يسيطر على هذا العالم الفيلمي حتى في ضوء الشمس الساطع بالغابة الخضراء.

السلاسل السينمائية هي الوحش

يمكن تفسير غموض “لا تتركني أبدا” لرغبة صناعه في ترك الباب مفتوحا للتفسيرات بما يخدم الأجزاء القادمة التي يعدون لها في الوقت الحالي، وقد صرحت النجمة هالي بيري بأن أفلاما تالية في الأحداث واسترجاعية تمت كتابتها بالفعل. وبالتالي يُعتبر هذا الفيلم ليس إلا افتتاحية لهذا العالم السينمائي القادم، مما جعله مبتسرا كطفل وُلد قبل الأوان لم يكتمل نموه.

أصبحت السلاسل السينمائية هوسا هوليوديا شائعا في العقدين الأخيرين، ويحاول صناع “لا تتركني أبدا” مضاهاة نجاح سلسلة أفلام رعب جديدة أخرى هي “مكان هادئ” (A Quiet Place) التي بدأت عام 2018 بفيلم محدود الميزانية حقق نجاحا نقديا وتجاريا، مما شجع منتجيه على إنتاج جزء ثان في 2020، وهذا العام عُرض فيلم استرجاعي يقدم أحداث ما قبل الفيلم الأصلي.

يتمثل الفارق الكبير بين التجربتين في نظر “لا تتركني أبدا” للمستقبل قبل تركيزه على الحاضر، فأصبح الفيلم جزءا من عالم قد لا يتحقق خصوصا مع الإيرادات الضعيفة التي تكاد تغطي ميزانيته حتى الآن، بينما اتبع “مكان هادئ” التسلسل الطبيعي للأمور، فالنجاح هو ما يقود للأجزاء الثانية وليس العكس.

فيلم “لا تتركني أبدا” فرصة ضائعة لفيلم رعب مميز، ضل صناعه طريقهم بسبب طموحهم في صناعة سلسلة سينمائية جديدة.

شاركها.
Exit mobile version