من بين عشرات الأعمال الدرامية التي تتنافس خلال الموسم الرمضاني للعام 2024، جاءت المفاجأة الحقيقية بمسلسل “صلة رحم”، الذي استطاع كسب محبة الكثيرين.

وتمكّن المسلسل من الفوز بالمركز الأول للأعمال الأكثر مشاهدةً، وفقا لمنصة “جوائز النقاد للدراما العربية”، كما حاز استحسان النقاد، وصنفه بعضهم ضمن أفضل أعمال النصف الأول من رمضان.

الضرورات تبيح المحظورات

السر الأول وراء نجاح مسلسل “صلة رحم” هو حبكته التي تمحورت حول قضية شائكة وفكرة خارج الصندوق، بطلها زوج يُكتب عليه خسارة ابنه الأول ثم فقد الثاني، وتزداد الأمور سوءا حين يضطر الأطباء لإزالة رحم زوجته بعد تعرضها لحادث خطير.

يجد البطل نفسه فجأة دون ذرية، وأمام رغبته الطاغية بأن يصير أبا ومع إحساسه الهائل بالذنب تجاه زوجته، يُقرر ارتكاب فعل ضد القانون والدين والأعراف، وهو استئجار رحم في محاولة أخيرة لتحقيق حلمه عبر التلقيح الصناعي لبويضات كانت زوجته قامت بتجميدها قبل الحادث.

ولأن الفكرة جدلية وشائكة لم يكن سهلا تناولها دون إثارة حفيظة المتلقي، ومع ذلك نجح صانعوها بعرضها بطريقة إبداعية استطاعت ألا تتسبب بنفور المشاهد.

إذ حرص مؤلف العمل محمد هشام عبية على تناول الفكرة من وجهات نظر، تنوعت بين رأي الدين والقانون والطب والمجتمع، والأهم أصحاب الشأن الذين انقسموا حولها وكان موقفهم منها مختلفا.

تأجير الرحم ليست القضية الوحيدة التي سلّط العمل الضوء عليها، وإنما استعرض مشكلة أخرى لا تقل أهمية أو خطورة، وهي الإجهاض الآمن، الفكرة التي دافع عنها دكتور خالد (محمد جمعة) مبررا بأنه يمنح النساء فرصة ثانية للعيش.

أما دكتور حسام (إياد نصار)، فنراه خلال الحلقات الأولى يُجرّم ما يقوم به زميله، وما أن يضعه القدر في اختبار حقيقي حتى تتغير الطريقة التي يرى بها الأمور.

تلك التقلبات الحادة شديدة الواقعية ذات الصبغة الإنسانية التي يُصبغ بها الأبطال، وتجعلهم مُجرد بشر على بُعد خطوة واحدة من ارتكاب الخطيئة أو فعل الصواب هو ما يصدم المشاهد ويقض مضجعه، إذ سرعان ما يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع سؤال مؤرق: تُرى ما الذي كنت سأفعله إذا كنت مكان هذا أو ذاك؟ أي الحدود سأتخطاها وأيها سيظل قائما دون مساس؟

جدير بالذكر أن تلك المعضلات الإشكالية هي إحدى سمات أعمال الكاتب محمد هشام عبية، الذي -رغم قلة مساهماته الدرامية- يعرف كيف يضع جمهوره أمامها وجها لوجه، مثلما جرى مع مسلسلات أخرى مثل “بطلوع الروح” و”60 دقيقة” و”في كل أسبوع يوم جمعة”.

أداء استثنائي

تميّز مسلسل “صلة رحم” أيضا بأداء تمثيلي استثنائي من جميع أبطاله، على رأسهم الممثل الأردني إياد نصار الذي قدم أحد أفضل أدواره، ويُعيد لأذهان الجمهور أصداء ما سبق وحققه بمسلسل “موجة حارة” ومسلسل “هذا المساء”.

يليه الفنانة أسماء أبو اليزيد التي ورغم تواجدها المستمر خلال الشهور الماضية عبر عدة أعمال مثل مسلسلي “بطن الحوت” و”جولة أخيرة” وفيلم “العميل صفر”، فإنها نجحت أخيرا بتقديم مستوى جيد من التمثيل والتقمص لشخصية حنان، المرأة التي يلجأ إليها البطل لتأجير رحمها وتضطر للموافقة للهروب من ظروف حياتية خاصة، ما لم تحسب حسابه هو الرقص على الخط الفاصل بين شعورها بالأمومة الناتج عن الحمل ومعايشة التجربة لشهور طويلة وبين حقيقة أن الجنين لأب وأم آخرين لن يلبثا أن يسلبوها الطفل بمجرد ولادته.

بجانب البطلين الرئيسيين، نجح أغلب طاقم العمل على المستوى التمثيلي، من بينهم يسرا اللوزى التي نضجت تمثيليا، ومحمد جمعة صاحب الحضور القوي والطاغي، وهبة عبد الغني بدور سهام، الممرضة زوجة الشيخ التي تؤمن بحرمانية ما تفعله، لكنها تمارسه لحماية أولادها من الجوع.

كما تميّزت الممثلة السورية ريام كفارنة بدور جيهان، حبيبة البطل السابقة التي يلجأ إليها ويستغل مشاعرها كلما وجد نفسه في مأزق، ومع أن كفارنة واجهت صعوبة في البداية مع إتقان اللهجة العامية المصرية، فإنها حسنتها مع توالي الحلقات، وقدمت مشاهد قوية مع إياد نصار.

من بين مفاجآت المسلسل على مستوى الأداء محمد السويسي وعمرو القاضي إذ استطاعا إبراز مواهبهما خلال المشاهد القليلة التي ظهرا بها، كذلك لفت الانتباه بعض الوجوه الجديدة على رأسها نورا عبد الرحمن ومحمد دسوقي.

كل ما سبق لم يكن ليخرج على هذه الشاكلة لولا الحوار المرهف لعبية والمخرج تامر نادي الذي برع بتحويل الحالة بأكملها إلى صورة بصرية ذات طابع خاص وكادرات شديدة الحساسية، والأهم قدرته على قيادة فريق العمل بأكمله، وتحفيز أفراده على تقديم أفضل ما لديهم.

نهاية مثالية

من بين إيجابيات العمل الاهتمام بالموسيقى، بداية من أغنية “هتحارب مين” لمسلم التي صدرت قبل أيام من شهر رمضان، ونجحت بجذب الانتباه، حتى إن البعض قرر متابعة العمل بسببها، مرورا بالتتر الرائع الذي كتبه محمود فاروق ولحنه إيهاب عبد الواحد وغناه محمد عدوية بصوته وتوافق مع الحبكة تماما.

وصولا إلى الموسيقى التصويرية لأشرف الزفتاوي، التي أبرزت حالات الصراع الداخلي التي يمر بها الأبطال، وعبّرت عن مشاعرهم في أحلك المواقف، حتى أنها كانت أحد أبطال مشهد النهاية.

وبالحديث عن النهاية، يمكن القول إن “صلة رحم” صاحب إحدى أفضل النهايات الدرامية، من جهة جاءت غير متوقعة، ومن جهة أخرى لم تتصف بالاستسهال أو التلفيق، وهو أمر ليس بالدارج في الدراما العربية التي يجيد الكثيرون كتابتها لكنهم يفسدونها بنهايات كليشيهية أو غير ناضجة دون مراعاة لذكاء الجمهور وفطنته.

مسلسل “صلة رحم” عمل مهم جدير بالمشاهدة أكثر من مرة، وسرعان ما سينضم لقائمة المسلسلات العربية المفضلة لدى العديد من عشاق الدراما، والعمل من 15 حلقة أنتجه صادق الصباح، وكتبه محمد هشام عبية، وأخرجه تامر نادي.

وقام ببطولته كل من: إياد نصار، وأسماء أبو اليزيد، ومحمد جمعة، ويسرا اللوزي، وهبة عبد الغني، وريام كفارنة، وعابد عناني، ومحمد السويسي، وعمرو القاضي، ونورا عبد الرحمن.

شاركها.
Exit mobile version