خلال مسيرة فنية امتدت لأكثر من 50 عاما، استطاع الممثل المصري الراحل فريد شوقي أن يجسد أنماطا مختلفة من الشخصيات، على مدار مراحل زمنية مختلفة شكلت مسيرته المتنوعة كممثل وصانع سينمائي، هذا الاختلاف والتنوع لم يكن فقط على الشاشة لكن أيضا لم تخل حياته من الدراما والمعاناة رغم الاستقرار الذي غلف حياته على المستوى الشخصي والمهني إلى حد كبير.
وحش الشاشة
ميلاد “ملك الترسو” في عشرينيات القرن الماضي، في الثلاثين من يوليو/تموز 1920، جعله شاهدا على معاناة الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي، فيحكي فريد شوقي في مذكراته (ملك الترسو- فريد شوقي) كيف شاهد حادثة إعدام زوج عمته من قبل جنود الاحتلال الذين وضعوا حبل المشنقة حول عنقه، وتكرر الأمر مع آخرين، وكان لا يزال فريد شوقي طفلا صغيرا.
موقف آخر ترك أثرا واضحا في فريد شوقي وهو لا يزال تلميذا في المدرسة مع زملائه الذين فوجئوا بزميل لهم يحمل مسدس والده ليلهو به، فيردي أحد زملاء فريد شوقي قتيلا بسبب رصاصة طائشة من دون قصد وهو ما تسبب في عقدة لـ “وحش الشاشة” الذي يجيد استخدام المسدسات والأسلحة في أفلامه لكنه لا يطيق سماع صوت الرصاص.
وفي أحد أيام التصوير، كاد الموقف المأساوي أن يتكرر مع صديقه الممثل محمود المليجي. حيث اعتاد فريد شوقي التأكد من خلو المسدس من الرصاص الحقيقي قبل أي مشهد، ولكن في هذا اليوم لم يتأكد لانشغاله بتصوير فيلم آخر في استوديو مختلف. وبعد أن ضغط الزناد، انطلقت رصاصة حقيقية نحو الحائط المقابل، كادت أن تقتل المليجي، لولا العناية الإلهية.
شعبية جارفة
في أربعينيات القرن الماضي كانت الانطلاقة والبداية، قدم خلالها فريد شوقي عشرات الأدوار لكنه تخصص في تقديم شخصيات الشر، لكنه استطاع بعد سنوات قليلة أن يتجه إلى الكتابة والإنتاج إلى جانب التمثيل، ليصبح مؤسسة فنية متكاملة وقدم خلال تلك المرحلة العديد من الشخصيات المتنوعة منها الفتوة والصعلوك والأب والمدافع عن حقوق المظلومين والرومنسي وغيرها من الأدوار، التي قربته من البسطاء الذين وجدوا فيه نموذج البطل الشعبي الذي تناول ملامح حياتهم واقترب من عوالمهم.
ومن أبرز أعماله في تلك الفترة “رصيف نمرة 5″ و”جعلوني مجرما” و”المحتال” و”النمرود” و”الأخ الكبير” و”الفتوة” و”السوق السوداء” وغيرها من الأفلام التي اقترب من خلالها من الطبقات الشعبية التي منحته لقب “ملك الترسو”، وحقق في القرن الماضي خلال الفترة من الخمسينيات وحتى السبعينيات نجاحا جماهيريا جعله واحدا من أهم قامات السينما العربية.
مع ظهور جيل جديد من الفنانين في أواخر السبعينيات وامتدادا إلى الثمانينيات والتسعينيات، وعلى الرغم من استمرار فريد شوقي في تصدر البطولة لكنه لم يبخل على الوجوه الجديدة في هذا الوقت، ليس فقط في تقديم الفرص الأولى لهم، لكن أيضا وافق على كتابة أسمائهم قبل اسمه على التتر وكان وقتها لا يزال نجما كبيرا، مثل نور الشريف وأحمد زكي وحسين فهمي ومحمود ياسين ومحمود عبد العزيز.
في لقاء صحفي مع المخرج محمد خان أكد أن فريد شوقي وافق على المشاركة في فيلم “خرج ولم يعد”، وتحمس لأن يتصدر يحيى الفخراني البطولة بعد أن لمح به الموهبة رغم رفض الكثيرين المشاركة لعدم اقتناعهم بأن الفخراني جدير أن يتصدر البطولة.
أما المخرج عمر عبد العزيز الذي قدم معه العديد من الأفلام أيضا، فقال في أحد تصريحاته إن فريد شوقي كان في بعض الأفلام يرحب بتخفيض أجره لدعم المخرجين الشباب.
الصديق الوفي
فريد شوقي، الذي جسد شخصيات الشرير على الشاشة وخاض المعارك مع عمالقة السينما مثل محمود المليجي وزكي رستم وتوفيق الدقن، كان في الحقيقة صديقًا وفيًا ومساندًا لأصدقائه في محنهم، بحسب شهادة العديد منهم.
بعد إصابة الفنان الراحل رياض القصبجي، الشهير بدور “الشاويش عطية”، بتصلب شرايين تسبب في شلل استمر لمدة 5 سنوات، ظل فريد شوقي يزوره بانتظام ويقدم له الدعم المادي والمعنوي. وكانت آخر أعمال القصبجي السينمائية هي فيلم “أبو أحمد” الذي قام ببطولته شوقي.
وبعد وفاة القصبجي، تكفل شوقي بنفقات الجنازة والعزاء واستمر في دعم أسرته حتى تخرج أكبر أبنائه.
امتدت جهود فريد شوقي الإنسانية لتشمل الفنانة فاطمة رشدي التي كانت تعيش في فندق بمنطقة وسط البلد بالقاهرة وتعاني من أزمة مالية، طالب شوقي الدولة بتوفير شقة ومعاش لها، وكذلك علاجها على نفقة الدولة. وبفضل جهوده، تحقق لها ما طالب به، مما أسهم في تحسين ظروفها المعيشية.
أما ابنته رانيا فريد شوقي فقالت في حوار لها إن والدها كان يخصص ساعة يوميا للسؤال عن زملائه منهم صباح وأرملة الفنان يحيى شاهين وتحية كاريوكا والفنان محسن سرحان.
أبو البنات
كان فريد شوقي فخورا بـ لقب “أبو البنات” حيث أنجب 5 فتيات خلال 5 زيجات في حياته، وأنجب ابنته الكبرى منى من زوجته الأولى، وأنجب من الفنانة هدى سلطان ابنتيه ناهد ومها، ثم من زوجته سهير ترك ابنتيه عبير ورانيا فريد شوقي، وورثت عنه بعض بناته حب الفن، فعملت عبير مخرجة لبعض الأعمال، بينما اهتمت الراحلة ناهد فريد شوقي بالإنتاج وقدمت العديد من الأعمال المهمة مثل فيلم “هيستريا” ومسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، أما رانيا فريد شوقي فقدمها والدها في بدايتها كممثلة واستمرت في مسيرتها حتى اليوم.
ويجمع شهر يوليو/تموز بين ميلاد فريد شوقي وبين وفاته أيضا حيث توفي في السابع والعشرين من الشهر، بعد صراع مع مرض خطير في الرئة عانى منه لمدة عامين، ورغم رحيله عام 1998 فإنه ترك بصمة كبيرة في الفن المصري -سينما ودراما تلفزيونية ومسرح- وتجاوزت أفلامه 400 فيلم سينمائي.