الرباط – يعد التمويل الإسلامي خيارا بديلا متناميا في منظومة المال والأعمال في المغرب بسبب تطلع الفاعلين لأن يقدم حلولا تمويلية مبتكرة تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ورغم ذلك، لا يزال ثمة تحديات تقنية وتنظيمية وهيكلية تعرقل استثمار التمويل الإسلامي، لا سيما في تمويل المشاريع الكبرى التي تتطلب موارد مالية ضخمة.

ويمر القطاع المصرفي التشاركي في المغرب بمرحلة حاسمة، فبينما يحقق نموا ملحوظا في الودائع والتمويلات الموجهة للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة، لا يزال بعيدا عن المساهمة الفعالة في المشاريع الإستراتيجية، ومنها المشاريع المرتبطة باستضافة المغرب لمونديال 2030.

ويثير هذا التباين تساؤلات حول قدرة هذا القطاع على تجاوز قيوده البنيوية، وتحقيق الاندماج الكامل في النسيج الاقتصادي الوطني، لاسيما في ظل الحاجة المتزايدة لتنويع مصادر التمويل وتعبئة رؤوس الأموال الضخمة.

صعوبات بنيوية

ظل حضور التمويلات الإسلامية في السوق المغربية محدودا منذ إدماجها الرسمي في المنظومة البنكية عام 2017، إذ بقي التركيز منصبا على القروض العقارية والاستهلاك الفردي، مع غياب شبه كامل عن تمويل المشاريع الإنتاجية.

ويعكس هذا التوجه بنية قطاع لا يزال في طور التكوين، ويواجه تحديات تتعلق بحجم أصوله وخبرته في التعامل مع المشاريع المعقدة.

ويقول الخبير في الاقتصاد والمالية الإسلامية محمد طلال لحلو  للجزيرة نت إن المصارف التشاركية تواجه عوائق فكرية وتقنية أبرزها ضعف الوعي العام بطبيعة عملها، مما يؤدي إلى إبقاء الحسابات الجارية في البنوك التقليدية ويسبب شحا في السيولة.

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي في المالية الإسلامية هشام بنلامين للجزيرة نت أن هذا النقص في السيولة يجعل المصارف التشاركية تركز على تمويلات متوسطة أو صغيرة الحجم، وتلجأ إلى الوكالة بالاستثمار، أي الاعتماد على البنوك التقليدية لاستقدام أموال لاستثمارها.

ويعود الأكاديمي لحلو لينبه إلى أن الاعتماد المتزايد على الوكالة بالاستثمار يؤدي إلى تراجع الابتكار، إذ تقلل هذه الصيغة من قدرة المصارف التشاركية على تطوير أدوات تمويلية جديدة تلبي حاجيات المشاريع الكبرى والاقتصاد الوطني.

وتشير بيانات بنك المغرب (البنك المركزي) لشهر ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى أن إجمالي ودائع البنوك المغربية بلغ تريليون درهم (ما يعادل 110 مليارات دولار)، بينما بلغت الودائع الجارية للتمويلات التشاركية حوالي 12 مليار درهم (1.3 مليار دولار) بنمو سنوي 33.6%، وبلغت الودائع الاستثمارية 3.5 مليارات درهم (388 مليون دولار).

ولا تمثل أصول البنوك التشاركية في المغرب سوى 2% من إجمالي أصول القطاع المصرفي المحلي البالغة 1.9 تريليون درهم (190 مليار دولار)، ما يؤكد محدودية قدرتها التمويلية.

مشاريع مونديال 2030 ودور الصكوك الإسلامية

تغيب الصكوك الإسلامية حاليا عن تمويل المشاريع الكبرى في المغرب، ويبدو أن الحاجة إليها تزداد مع قرب مونديال 2030، لأنها قد توفر فرص تمويل جديدة تدعم المشاريع الحيوية، إذا صاحب ذلك ابتكار وتنويع.

ويقول محمد طلال لحلو إن الصكوك السيادية تمثل آلية تمويل بديلة عن الإقراض التقليدي، ويضيف أن هذه الصكوك تقوم على تمويل تشاركي موجه لمشاريع إنتاجية كالمصانع والقناطر والمطارات، يتم سدادها من مداخيل استخدام المنشآت نفسها، مما يحقق عدالة تمويلية ويخفف من مديونية الدولة.

من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد والمالية بكلية الاقتصاد والتدبير، بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، المهدي فروحي إن قدرة البنوك التشاركية على تمويل مشاريع الملاعب والفنادق والبنية التحتية لمونديال 2030 محدودة بسبب ضعف حجم الودائع لديها وقلة خبرتها. مع ذلك، يتيح القانون المصرفي تقديم منتجات مثل المشاركة والمضاربة والإجارة والاستصناع، وهي صيغ أكثر ملاءمة لمشاريع استثمارية طويلة الأجل.

المهدي فروحي

ويؤكد فروحي للجزيرة نت أن تفعيل هذه المنتجات يسهم في جذب عملاء ومستثمرين جدد، ويعزز السيولة، مشيرا إلى أن البنوك التشاركية يمكن لها، بالشراكة مع الدولة، إصدار صكوك خاصة بالمشاريع، وهي أداة تمويلية فعالة ومعتمدة عالميا لتمويل البنية التحتية الكبرى.

في المقابل، يرى الاقتصادي المغربي بنلامين أن فرص البنوك التشاركية في تمويل مشاريع المونديال ليست كبيرة، ما دامت المشاريع لم تطلَق وفق صيغة الصكوك الإسلامية، والتي يمكن أن تُبنى على الاستثمار أو الإجارة.

ويضيف أن صفقات البنية التحتية المرتبطة بالمونديال ضخمة بمبالغ تصل إلى مليارات الدراهم، ولا تملك البنوك التشاركية القدرة على تمويلها إلا جزئيا.

ويظهر هذا التباين أن حجم التمويلات لدى البنوك التشاركية، والتي تصل إلى 35 مليار درهم (3.5 مليارات دولار) مقابل حجم ادخار لا يتجاوز 12 مليار درهم (1.2 مليار دولار)، يفرض ضرورة تفعيل الصكوك لتجاوز فجوة السيولة والمساهمة في المشاريع الضخمة.

إصلاحات

وثمة حاجة إلى إصلاحات قانونية ومؤسساتية ضرورية لتفعيل دور المالية الإسلامية في الاقتصاد المغربي، وقد تفتح هذه الإصلاحات الباب أمام تجاوز القيود الحالية وتمكين القطاع من الإسهام الفعلي في تمويل التنمية، كما أن التطور البطيء للقطاع يعود جزئيا إلى غياب إطار تنظيمي متكامل يدعم نمو منتجاته وخدماته وفق مراقبين.

ويقول الخبير المالي بنلامين إن تبني الحكومة لصيغة التمويل بالصكوك السيادية هو مفتاح تفعيل فرص البنوك التشاركية في تمويل مشاريع مونديال 2030، لكنّ الواقع يكشف عن تأخر واضح في هذا المسار، ما يضعف من قدرة هذه البنوك على التحرك بفعالية.

بدوره، يؤكد لحلو أن المغرب بصدد إصدار صكوك تمويلية جديدة، مشيرا إلى أن الإصدار الأول كان يعاني من مشاكل هيكلية كبيرة واحتوى على مخالفات لاحظها بعض المتخصصين بعد التنفيذ.

ويشير لحلو إلى أهمية أن تكون هذه الصكوك الجديدة خالية من ضمانات جهة الإصدار على الأصل أو الأداء، إذ إن هذا محظور شرعا.

أما الخبير في المالية التشاركية نبيل العسال فيرى في تصريح للجزيرة نت أنه بالرغم من أن الإطار القانوني والمؤسساتي متقدم في المغرب، إلا أن الإشكال الحقيقي يكمن في ضعف التفعيل العملي وغياب قرارات إستراتيجية تخرج هذه الإمكانيات إلى حيز التنفيذ، خاصة في مجال تمويل المشاريع الكبرى.

 خدمات رقمية

تفتح التمويلات الإسلامية آفاقا واعدة في المغرب، خاصة في مجالات التمويل العقاري والرقمنة والشمول المالي.

وتمثل هذه المجالات فرصا يجب تفعيلها لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستدامة المالية، إذ إن التوسع في هذه المجالات يمكن أن يعوض عن بعض القيود البنيوية التي يواجهها القطاع حاليا.

ويقترح الأكاديمي المغربي فروحي دمج التمويل التشاركي ضمن وسائل تمويل مشاريع 2030، الأمر الذي توقع أن يكون له آثار إيجابية متعددة، ويساعد في تنويع مصادر التمويل وجذب مستثمرين يبحثون عن استثمارات متوافقة مع مبادئ الشريعة.

ووفقا لتقرير فندكس حول الشمول المالي، يُعد العامل الديني أحد الأسباب الرئيسية لعدم تعامل العديد من العملاء مع  البنوك التقليدية، مما يجعل التمويل التشاركي أداة فعالة لتعزيز الاندماج المالي.

ويشير الخبير المالي بنلامين إلى الصعوبات والتحديات التي تواجهها البنوك التشاركية في التوسع، ويؤكد أنه يمكن التغلب عليها عبر زيادة الاستثمار ورفع رؤوس أموال هذه البنوك، وفتح وكالات في مختلف المدن لتحقيق القرب من العملاء، والمناطق التجارية، والأحياء المتوسطة، وكذلك في المدن.

ويرى أن هذا التوسع يعتبر ضروريا، بجانب الانفتاح على المجال الرقمي عبر تطوير خدمات رقمية تضمن دورة بنكية متكاملة بشكل دقيق، سريع وسهل.

من جانبه، يعتقد الخبير المالي غزال أن التحول الرقمي يعد عاملا أساسيا لتعزيز مصداقية المعاملات وتوفير شفافية أكبر، وهو ما يطمئن الجمهور ويزيد من ثقتهم.

شاركها.
Exit mobile version