موسكو – يتواصل في روسيا العمل بالمشروع التجريبي للخدمات المصرفية الإسلامية التي أعلن البنك المركزي الروسي عن إطلاقه في الأول من سبتمبر/أيلول 2023 في جمهوريات الشيشان وداغستان وباشكورتوستان وتتارستان المسلمة التي تتبع الاتحاد الروسي.
ومؤخرا، أعلن سبيربنك (أكبر بنك عالمي في روسيا وأوروبا الشرقية) وبنوك روسية أخرى افتتاح “فروع إسلامية” لتنشيط الخدمات المصرفية الإسلامية في الشيشان وتتارستان، مع توقعات بانضمام المزيد من البنوك لاحقًا للتجربة التي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع على قانون ينص على إجرائها في الفترة من الأول من سبتمبر/أيلول 2023 إلى الأول من سبتمبر/أيلول 2025.
تجربة جديدة
وتحتوي هذه الخدمات- وفق القانون- على عدد من المحظورات والقيود. على سبيل المثال، تحريم دفع الفوائد (الربا) ومعاملات الفوائد المستمدة منه، حظر المعاملات مع ظروف عدم اليقين (الغرر)، فرض حظر على تمويل قطاعات محددة بدقة من الاقتصاد: القمار، وإنتاج لحم الخنزير، والتبغ والمشروبات الكحولية، وتجارة الأسلحة والذخيرة، إضافة إلى شروط تقاسم مخاطر الربح والخسارة بين الممول والعميل في المعاملات، وغيرها.
وفي هذا السياق، كان سبيربنك أعلن في فبراير/شباط الماضي أن مركز التمويل الشريك له، وبالتعاون مع خبراء من “سبير إنفيست الشرق الأوسط”، يقومون بشكل دوري بفحص أسهم الشركات الروسية المتداولة في بورصتي موسكو وسان بطرسبورغ للتأكد من امتثالها لمعايير التمويل الإسلامي.
ووفقا للتقديرات الأولية لسبيربنك، قد يصل حجم التمويل الإسلامي في روسيا في السنوات الـ3 الأولى إلى 25 مليون دولار ويعتقد خبراء آخرون أنه في ظل المشاركة الشاملة للدولة والمنظمات المالية والائتمانية والشركات الكبرى، فإن التوقعات لهذه الفترة قد تكون أكثر تفاؤلا أكثر من 60 مليون دولار.
نطاق المشاركين
ومن المحتمل أن يصبح نحو 7 ملايين شخص في روسيا مستهلكين للخدمات المصرفية الإسلامية، حسبما صرح رئيس لجنة مجلس الدوما للسوق المالية أناتولي أكساكوف خلال منتدى “روسيا – العالم الإسلامي” الذي عقد في قازان الشهر الماضي.
ووفقًا له، فإن المستهلك الرئيسي لمنتجات سوق التمويل الإسلامي سيكون حوالي 20% من المسلمين، مضيفا أن بيانات عام 2023 تشير إلى أنه يعيش في روسيا حوالي 25 مليون شخص ملتزمون بالدين الإسلامي، منهم حوالي 5-7 ملايين شخص يتبعون الشرائع بدقة حسب تعبيره.
وعلى خط التوسيع الأفقي للتجربة، تم في مايو/أيار المنصرم إطلاق أول “بطاقة حلال” في روسيا، لتوفير “الاسترداد النقدي الحلال”.
ويوضح الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون هذه النقطة بأن الفرق الرئيسي بين الاسترداد النقدي الحلال والاسترداد النقدي الكلاسيكي هو أن الأموال لا يتم تلقيها من أرباح البنوك، ولكن من البرامج والمشاريع التابعة، وهو ما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت بأن في روسيا المئات من الشركات التي تقدم استردادا نقديا يصل إلى 30% من الشيك، كمحلات السوبر ماركت والمطاعم ومحلات الملابس والفنادق وشركات الطيران وغير ذلك.
وحول تأثير الصيرفة الإسلامية على الاقتصاد الروسي، يقول لاشون إن تطوير تمويل الشراكة في روسيا سيمكن من جذب رؤوس الأموال، خاصة من دول الشرق الأوسط وآسيا، ويؤدي إلى توسيع العلاقات التجارية والاستثمارية جغرافيا.
وحسب تقديراته فإن تطوير تمويل الشراكة في روسيا من المفترض أن يحفز تدفق الاستثمارات من الدول الإسلامية، إذ يمكن للاقتصاد الروسي في هذه الحالة جذب جزء مما يصل إلى 14 مليار دولار من الاستثمارات الإسلامية، وهو ما يمكن له أن يعوض الفجوة التي خلفها غياب التمويل الغربي جراء العقوبات.
وبالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي، يساعد تطوير مؤسسات مالية جديدة على جذب المزيد من الأموال من الجمهور. وسيكون الأشخاص الذين يحتفظون بمدخراتهم نقدا لأسباب دينية قادرين على أن يصبحوا مشاركين كاملين في السوق، مما يحفز الاقتصاد الروسي.
مرشحة للتوسع
أما الباحث في الاقتصاد الدولي، سلافات يوسوبوف، فيتوقع أنه في غضون فترة التجربة التي ستنتهي في سبتمبر/أيلول من العام القادم سيتم تحليل النتائج واتخاذ قرارات بتوسيع القواعد القانونية حول التمويل الإسلامي إلى مناطق أخرى من روسيا، وربما بحلول ذلك الوقت سيتم إنشاء واعتماد قانون شامل بشأن التمويل الإسلامي (الشراكة) في البلاد.
لكنه يشير إلى عدم وجود معايير موحدة للخدمات المصرفية الإسلامية في السوق حتى الآن، وهي مسألة في غاية الأهمية حتى لا تكون هناك ثغرات لأولئك الذين يريدون استخدام هذه القناة، حسب وصفه.
ويتابع بأن حجم سوق التمويل الإسلامي العالمي يبلغ نحو 4 تريليونات دولار، أي 6.5% من القطاع المصرفي بأكمله، أي أنه سوق ضخم وهائل ومن المفترض أن تشكل هذه الأرقام حافزا إضافيا للبنوك والعملاء المسلمين في روسيا للمشاركة في هذه التجربة.
لكنه -في المقابل- يشير إلى أن هذه العملية يجب أن تتم على مراحل بالنظر إلى انخفاض مستوى الوعي والمعرفة لدى المستهلكين والمؤسسات المالية نفسها بهذا النظام الجديد والذي يحتاج إلى سنوات إضافية لجعله مفهوما ومعمولا به على نطاق واسع، الشيء الذي يحتاج كذلك -من بين أمور أخرى- إلى تجذير فكرة أن هذه الأنشطة المصرفية تعكس الضمير الديني والقيم الأخلاقية للمسلمين، وهو شيء من الضروري لتحقيقه مشاركة أكثر قوة من قبل خبراء في الشريعة من داخل روسيا وحتى مستشارين شرعيين من الخارج.