بغداد – شهد العراق خلال الأيام القليلة الماضية انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي، حيث أدى توقف إمدادات الغاز الطبيعي من إيران، وانخفاض إنتاج الغاز المحلي، إلى توقف العديد من محطات توليد الطاقة خصوصا بالعاصمة بغداد.
هذه الأزمة أثارت حفيظة الرأي العام العراقي، وهذا أدى إلى تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي. ووصلت هذه الأزمة إلى المنابر الدينية، حيث طرح الخطيب والإمام هادي الدنيناوي خلال خطبة الجمعة في مسجد الكوفة في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2024 تساؤلات حول معاناة المواطنين من انقطاع الكهرباء، داعيا إلى ضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة المستعصية.
غياب كامل للغاز الإيراني
المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، أكد أن انقطاعا كاملا لإمدادات الغاز الإيراني البالغة 50 مليون متر مكعب يوميا قد تسبب في توقف كامل لعدة محطات توليد كهرباء في العراق، خاصة في العاصمة بغداد.
ويعتمد العراق بشكل كبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية، خاصة في الجنوب، وهذا يجعل البلاد عرضة للتأثر بأي تقلبات في إمدادات الغاز من إيران.
وأوضح موسى في حديث لـ”الجزيرة نت” أن هذه الكميات من الغاز كانت تغذي محطات حيوية مثل محطة بسماية (جنوبي بغداد) التي كانت تنتج 3500 ميغاوات من الكهرباء قبل توقفها تماما، ومحطة الصدر في بغداد التي كانت تنتج 560 ميغاواتا، ومحطة المنصورية (شرقي محافظة ديالى) التي كانت تنتج 770 ميغاواتا.
وأشار إلى أن انخفاض إنتاج محطة سد الموصل، التي تعتبر من أكبر محطات توليد الطاقة الكهرومائية في العراق، إلى 375 ميغاواتا بدلا من قدرتها الإنتاجية القصوى البالغة 755 ميغاواتا، يعود إلى نقص المياه.
وأكد موسى أن هذه الأزمة الحادة في الكهرباء ناجمة بشكل أساسي عن نقص الوقود، خاصة الغاز الإيراني، لافتا إلى أن العراق لديه عقد مع إيران لتوريد الغاز يوميا لمدة 5 سنوات، ولكن إيران لم تلتزم بتسليم الكميات المتفق عليها.
وتابع أن العراق يعاني من نقص في الغاز الوطني الذي لا يكفي لتلبية احتياجات المحطات الكهربائية، مضيفا أن الحكومة تعمل على تطوير إنتاج الغاز الوطني، ولكن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا لحين استكمال جولات التراخيص بعد 3 سنوات.
وأشار موسى إلى أن المواطنين يعانون من انقطاعات طويلة في التيار الكهربائي بسبب هذه الأزمة، وأن وزارة الكهرباء تبذل جهودا كبيرة لتأمين الوقود اللازم لتشغيل المحطات، ولكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب الظروف الحالية.
أسباب عديدة
الخبير في شؤون الطاقة والكهرباء، عباس الشطري، أعاد التأكيد على أن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والبرد القارس الذي تشهده تلك الدولة قد تسببا في أزمة الكهرباء الحالية بالعراق، نتيجة انقطاع إمدادات الغاز الإيراني.
وأوضح الشطري في حديث للجزيرة نت أن إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق وصلت إلى 27 ألف ميغاوات، أي ما يعادل 6 أضعاف الإنتاج في عام 2003 التي كانت 4300 ميغاوات، مبينا أن التحول إلى استخدام الغاز كوقود في المحطات قد واجه تحديات كبيرة، خاصة مع اعتماد العراق على هذه الإستراتيجية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
وأوضح الشطري أن الاعتماد الكبير على الغاز كوقود أساسي في هذه المحطات قد زاد من تعقيد المشكلة، حيث إن زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية وإيصالها للمواطنين يتطلب استمرارية في الحصول على الغاز، لافتا إلى أن العراق يواجه صعوبات في إبرام عقود طويلة الأجل لشراء الغاز من دول أخرى مثل قطر وروسيا، مما يضطره الاعتماد على الغاز الإيراني الذي يتم استيراده بموجب استثناء أميركي من العقوبات بكمية 120 ميغاواتا.
وبين أن الغاز المستورد من إيران يواجه تحديات كبيرة. أولها هي كيفية الدفع مقابل هذا الغاز، حيث إن العقوبات الأميركية تعرقل عملية الشراء بشكل مباشر، ورغم ذلك، يتم التوصل إلى حلول مؤقتة لهذه المشكلة كل فترة، مشيرا إلى أن التحدي الثاني يكمن في ارتفاع الطلب على الكهرباء خلال فصل الصيف.
وتزود إيران العراق بحوالي 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميا بما يغطي حوالي ثلث احتياجات البلاد، وهو ما يكفي لإنتاج حوالي 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء، إلا أن هذا الكم لا يكفي لتلبية احتياجات العراق في أوقات الذروة وتزامنها مع موجة برد شديدة ضربت البلاد، وهذا زاد من معاناة المواطنين.
وأشار إلى أن المشكلة لا تقتصر على فصل الصيف فقط، بل تشمل فصل الشتاء أيضا حيث يتم إيقاف بعض المحطات الإيرانية لمدة 15 يوما لإجراء الصيانة، كما أن إيران نفسها تحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز لتلبية احتياجاتها خلال فصل الشتاء البارد.
حلول مقترحة
وأوضح الشطري أن إحدى الحلول المقترحة هي دخول القطاع الخاص العراقي أو الشركات العالمية للاستثمار في مجال الغاز الطبيعي والغاز المصاحب لحقول النفط، حيث يمتلك العراق كميات كبيرة من الغاز يمكن استغلالها لتشغيل محطات توليد الكهرباء، ومع ذلك، تواجه هذه الحلول تحديات عديدة مثل نقص الاستثمارات والمال، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية لحل المشكلة.
وأشار الشطري إلى أن العراق لجأ مؤخرا إلى عقد اتفاق مع تركمانستان للحصول على كمية إضافية من الغاز، ولكن هذا الاتفاق يواجه تحديات كبيرة، حيث يتم نقل الغاز عبر إيران، والتي تعاني من مشاكل في إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة.
وخلص الشطري إلى القول إن قطاع الطاقة الكهربائية في العراق سيعاني لفترة طويلة قبل أن تجد الحكومة حلا جذريا لهذه المشكلة، وذلك بسبب التحديات العديدة التي تواجه القطاع، والتي تتطلب حلولا شاملة وطويلة الأجل.
4 ساعات تجهيز و20 ساعة انقطاع
وأكد محمد نصر أحد مشغلي المولدات الأهلية أن تجهيز الكهرباء الوطنية من الحكومة حاليا 4 ساعات يوميا يقابلها 20 ساعة إطفاء مؤكدا أن الكهرباء المجهزة حاليا رديئة جدا.
وقال نصر في حديث للجزيرة نت إن وزارة الكهرباء تتذرع بأن إيران قطعت الغاز ولهذا أصبح الإطفاء عام على أغلب المناطق.
وأضاف أن هذا الانقطاع للكهرباء أثر بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار وقود الكاز المشغل للمولدات الأهلية ما يتسبب بخسائر مادية كبيرة ناهيك عن زيادة الاستهلاك على المولدة بسبب الجهد الإضافي في تشغيلها يوميا.