تعتزم الحكومة التركية افتتاح أول بنك حكومي لها داخل الأراضي السورية وهو بنك “زراعات”، في خطوة توصف بأنها تحمل أبعادًا اقتصادية وإستراتيجية في الوقت نفسه وقد تُشكّل نقطة تحول في العلاقات المالية بين البلدين بعد أكثر من عقد من التوتر والصراع في ظل حكم نظام الأسد المخلوع.

وتكمن أهمية هذه الخطوة لسوريا في أنها قد تُسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية في المناطق الشمالية والشمالية الغربية، وتسهيل حركة الأموال والتحويلات، فضلًا عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإسهام في إعادة بناء الثقة بالمنظومة المصرفية.

وتأتي هذه المبادرة التي يُرجَّح أن يعقبها افتتاح مصارف تركية أخرى، حكومية وخاصة، في ظل ازدياد الحاجة إلى قنوات مصرفية موثوقة بعد انهيار المنظومة البنكية الرسمية. ومن المتوقع أن تشمل الفروع الأولى مدينتي حلب ودمشق، قبل التوسع إلى باقي المحافظات السورية.

عقبات وإيجابيات

لكن هذه الخطوة قد تواجه تحديات متعددة، من أبرزها البيئة القانونية غير المستقرة في سوريا، وغياب إطار تشريعي موحّد يضمن عمل المؤسسات المصرفية الأجنبية بشكل آمن، إضافة إلى مخاطر التعرض للعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وفق مراقبين.

وأكد المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن الحديث عن افتتاح فرع لبنك “زراعات” التركي في سوريا لا يزال ضمن إطار إبداء الرغبة، دون وجود أي إعلان رسمي من البنك أو من وزارة المالية التركية، مشيرًا إلى أن تنفيذ مثل هذا المشروع يواجه عقبات جوهرية عديدة.

وقال الكريم، في حديثه للجزيرة نت، إن العقوبات الدولية المفروضة على البنك المركزي السوري تمثّل عائقا رئيسيا أمام أي نشاط مصرفي خارجي، إذ قد يتعرض أي بنك يدخل السوق السورية لعقوبات أو غرامات مالية جسيمة.

وأضاف أن البيئة الاقتصادية في سوريا لا تزال غير مستقرة، مع استمرار النزاعات الداخلية في مناطق متعددة، وهو ما يجعل من الصعب تأسيس نشاط مصرفي مستدام وآمن.

ومع ذلك، رأى الكريم أن إعلان الرغبة من الجانب التركي لا يخلو من إشارات إيجابية، إذ يعكس وجود دعم سياسي واقتصادي واضح من أنقرة للحكومة السورية، كما يمكن أن يشكل عامل طمأنة للمستثمرين الأتراك والعرب والأجانب، باعتبار أن تركيا لا تُقدم على مثل هذه الخطوات إلا إذا كانت لديها قناعة بأن الأمور تتجه نحو قدر من الاستقرار.

وأشار أيضًا إلى أن هذه الخطوة ستفيد عند تنفيذها شريحة واسعة من التجار السوريين المقيمين في تركيا، لا سيما أولئك الذين يملكون حسابات مصرفية قائمة في بنك “زراعات”، إذ يمكن أن تفتح أمامهم آفاقًا لتوسيع نشاطهم التجاري بين البلدين بسهولة أكبر وبتكاليف تحويلات أقل.

لكن الاستعداد التركي لافتتاح البنوك يطرح تساؤلات متعددة بشأن الجاهزية القانونية والمصرفية المطلوبة لضمان نجاح هذه الخطوة، في ظل غياب استقرار قانوني ومؤسسي واضح لدى سوريا.

ويرى الخبير المالي والمصرفي الدكتور فراس شعبو أن فتح بنوك تركية في سوريا لا يتم بهذه السهولة، إذ يتطلب الأمر حزمة من التشريعات والتنظيمات، إضافة إلى وقت كافٍ لتأسيس بنية قانونية مصرفية سليمة.

وأوضح شعبو، في حديثه للجزيرة نت، أن النظام المصرفي السوري ما زال هشًّا ويعاني من فوضى تشريعية، وهو بحاجة ماسة إلى إطار قانوني واضح ومنظّم لضمان عمل المؤسسات المالية بشكل فعّال.

وتساءل شعبو عن استعداد البنوك التركية للتعامل بالعملة المحلية، أو حتى عن رغبتها في ذلك، وهو ما يضع علامات استفهام حول آلية عملها المحتملة، إضافة إلى ضرورة توضيح ما إذا كانت ستعمل كجهة رديفة للمصرف المركزي السوري، أو ضمن منظومة مالية مستقلة.

تقدم مراكز البريد التركية شمال سوريا خدمات مالية محدودة للأهالي. (الجزيرة)

فاعلية نظام “سويفت”

ويربط محللون بين عمل البنوك التركية في سوريا وضرورة تفعيل نظام “سويفت” المالي العالمي المتوقف في سوريا نتيجة العقوبات الاقتصادية المستمرة على دمشق، رغم سقوط نظام الأسد.

ويعتقد المحلل والباحث التركي عبد الله سليمان أوغلو أن إنشاء بنك تركي في سوريا في الوقت الراهن “لن يكون ذا جدوى”، نظرا لاستمرار العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، وعدم فاعلية نظام التحويل المالي العالمي “سويفت” داخل الأراضي السورية.

وقال سليمان أوغلو، في حديثه لموقع الجزيرة نت، إن “الاستثمار في بنك تركي داخل سوريا لا يبدو مجديًا حاليا، رغم حماسة المستثمرين الأتراك للدخول إلى السوق السورية، خصوصًا في مجالات الطاقة والنقل”، مشيرًا إلى أن وجود بنك يمكن أن يسهّل على هؤلاء المستثمرين تحويل الأموال إلى الداخل السوري.

وأكد أن السوريين المقيمين في تركيا الذين يملكون حسابات مصرفية يمكن أن يستفيدوا أيضًا من تسهيل تحويل أموالهم من تركيا إلى سوريا، بما قد يسهم في تنشيط الحركة التجارية والصناعية داخل البلاد. لكنه استدرك بالقول إن هناك “عوائق قانونية وأمنية” لا تزال قائمة.

وأما البدائل، فرأى الباحث التركي أن تجربة مؤسسة “البي تي تي” التركية في شمال سوريا كانت ناجحة إلى حد كبير، إذ أسهمت في حل كثير من مشكلات التحويلات المالية لدى المنظمات الإنسانية والشركات، رغم الإشارة إلى أن تمويل المشاريع عبر تركيا لا يزال مكلفًا.

شاركها.
Exit mobile version