الرباط- وجه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الشكر لكل من المغرب وفرنسا على تزويدهما جنوب وشمال إسبانيا بالكهرباء، خلال الأزمة التي شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية يوم الاثنين، وأكد سانشيز في ندوة صحفية أن إعادة الكهرباء إلى عدد من مناطق البلاد كان “بفضل الترابطات بين فرنسا والمغرب، البلدين اللذين أود أن أشكرهما على تضامنهما في هذه اللحظة”.
ولعب المغرب دورا أساسيا في تزويد الشبكة الإسبانية بالكهرباء خلال الأزمة، وأسهم بإعادة الكهرباء التي انقطعت على نطاق واسع في إسبانيا والبرتغال وجزء من فرنسا، وأدى ذلك إلى تعطل شبكات الهاتف والإنترنت وتوقف القطارات وحركة الطيران قبل أن يعود التيار إلى بعض المناطق بعد ساعات.
وقالت صحيفة “إلباييس” الإسبانية إن المغرب حشد ما يصل إلى 38% من قدرته الإنتاجية لإرسال الطاقة بعد ظهر يوم الاثنين، من أجل إعادة تشغيل تنشيط الإمدادات التي تعطلت بسبب انقطاع التيار الكهربائي في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية.
وقامت الشركة الوطنية للكهرباء المغربية بربط شبكتها بإسبانيا عبر خطوط الربط القائمة في مضيق جبل طارق، وذلك بناء على طلب شركة الكهرباء الإسبانية.
وأكد البرلماني وعضو لجنة الصداقة البرلمانية المغربية الإسبانية عبد العالي بروكي أن العلاقات المغربية الإسبانية ليست وليدة اليوم، بل هي ثمرة مسار طويل من التعاون والتضامن بين البلدين في مختلف المجالات، وقال للجزيرة نت “لقد وقف المغرب إلى جانب إسبانيا في عدة أزمات، سواء في مواجهة الحرائق، أو أثناء الفيضانات الأخيرة، أو حتى خلال أزمة الكهرباء الأخيرة”.
كيف زود المغرب إسبانيا بالتيار الكهربائي؟
يجمع المغرب وإسبانيا مشروع للربط الكهربائي، بدأ عام 1997 بتشغيل أول خط كهربائي بحري، يمر عبر جبل طارق، بسعة 400 ميغاواط وطول 26 كيلومترا، يربط بين محطة فرديوة بالقصر الصغير بالمغرب ومحطة طريفة بإسبانيا.
وتم تحديث هذا المشروع عام 2006 بإضافة خط ثان ضمن ما يعرف بمشروع “ريمو”، ووفق الخبير في الطاقة عبد الصمد الملاوي فإن الطاقة الإجمالية لهذين الخطين البحريين تبلغ 1400 ميغاواط.
وأكد الخبير للجزيرة نت أن التحضيرات جارية حاليا لإطلاق خط ثالث، بهدف تعزيز قدرة الربط وتحقيق تبادل طاقيّ أكثر فاعلية، خاصة في ظل الفائض الكهربائي الذي يسجله المغرب بفعل مشاريع الطاقات المتجددة، والذي يصعب تخزينه محليا.
وأضاف أن المغرب يستفيد بدوره من الكهرباء الإسبانية في فترات الذروة، ما يقلل اعتماده على المحطات الحرارية التي تستهلك الغاز والوقود الأحفوري.
واتفق المغرب وإسبانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على تفعيل تنفيذ مذكرة تفاهم، من أجل إقامة ربط كهربائي ثالث بين البلدين عبر مضيق جبل طارق في أفق 2026.
كم تبلغ قوة مشاريع الطاقة الكهربائية المغربية؟
صدّر المغرب في عام 2021 حوالي 851 غيغاواط/ساعة من الكهرباء نحو أوروبا، وكان معظمها إلى إسبانيا، ما مكن من تحقيق مداخيل بلغت حوالي 565 مليون درهم (حوالي 61 مليون دولار).
وتتجه حوالي 76% من صادرات المغرب من الكهرباء نحو إسبانيا وفق الخبير الملاوي، في وقت توقّف فيه الربط الكهربائي مع الجزائر، بينما لم يدخل الربط مع موريتانيا حيز التشغيل بعد.
ويقول إن هذه الأرقام تؤكد قوة التبادل الطاقي بين المغرب وإسبانيا، الذي أثبت فعاليته خلال الأزمة الأخيرة، إذ تم تزويد الشبكة الإسبانية بالكهرباء عبر الكميات القادمة من المغرب، خصوصا نحو المناطق الجنوبية لإسبانيا.
ويعتمد المغرب في إنتاج الطاقة على مشاريع ضخمة في مجال الطاقات المتجددة، مثل محطة نور ورزازات ومحطة ميدلت، إضافة إلى عدد من محطات الطاقة الكهرومائية، ما يجعله في كثير من الأحيان يسجل فائضا في الإنتاج لا يُستهلك محليا بسبب محدودية التخزين، ليتم تصديره إلى السوق الأوروبية عبر الشبكة الإسبانية، خاصة في لحظات الطلب المرتفع أو الطوارئ.

ما المصلحة التي يحققها البلدان المتجاوران في تبادل الطاقة؟
أوضح الخبير الطاقي أمين بنونة أن العلاقات الكهربائية بين المغرب وإسبانيا قائمة على أسس تجارية، مشيرا إلى أن المكتب الوطني للكهرباء بالمغرب يُعد عضوا في السوق الأوروبية للكهرباء، ويتمتع بصفة تتيح له بيع وشراء الكهرباء داخل هذه السوق.
وأشار بنونة إلى أن المغرب يستورد من إسبانيا كميات من الكهرباء تفوق ما يصدّره إليها، وأن عملية التبادل الكهربائي تتم شهريا وفقا للاحتياجات وبناء على الأسعار المتغيرة على مدار اليوم.
وبلغت حصيلة المبادلات مع الشبكة الإسبانية 1397 غيغاواط/ساعة عام 2022، موزعة على 1868 بالنسبة للواردات، و471 بالنسبة للصادرات.
وفي 2023، سجلت الحصيلة 1849 غيغاواط/ساعة، منها 2311 غيغاواط بالنسبة للواردات، و462 بالنسبة للصادرات وفق بيانات تقرير مجلس المنافسة.
وعزا التقرير تجاوز مستوى الواردات إلى توقف محطتي عين بني مطهر وتهدارت الحراريتين عن العمل سنة 2022، بسبب إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، قبل أن تستعيدا نشاطهما العادي بفضل التدفق العكسي للغاز القادم من إسبانيا بواسطة الأنبوب ذاته.

لماذا لم تتأثر الشبكة المغربية بالأزمة؟
رغم أن البلدين تربطهما خطوط كهربائية، فإن المغرب لم يتأثر بالأزمة التي شهدتها إسبانيا، ويرجع أمين بنونة ذلك بكون الربط بين الشبكتين المغربية والإسبانية يتم عبر التيار الكهربائي المستمر وليس المتناوب، مما يوفر نوعا من الحماية، ويحول دون انتقال الأزمات الكهربائية من بلد إلى آخر.
وفي حديثه عن لحظة انقطاع الكهرباء في إسبانيا، أكد الخبير أن “المغرب كان حينها يتزود بكميات من الكهرباء من إسبانيا، وقد تم في نفس اللحظة وقف التزويد بالكهرباء، دون أن يكون لذلك تأثير مباشر على الشبكة المغربية، بفضل الإجراءات الاستباقية”.
وأوضح أن المكتب الوطني للكهرباء يعتمد على مولدات كهربائية سريعة الاستجابة يمكن تشغيلها خلال دقائق لتأمين التوازن في العرض، بالإضافة إلى آليات إدارة الطلب عبر تقليص الاستهلاك في بعض الأحياء إذا دعت الحاجة، “ما ساعد في تفادي أي انعكاسات للأزمة الإسبانية على المنظومة الكهربائية الوطنية” وفق تعبيره.
ما أهمية الربط الكهربائي الإقليمي؟
أبرزت هذه الأزمة التي تعرضت لها إسبانيا والبرتغال، أهمية تعزيز الربط الكهربائي الإقليمي لضمان الأمن الكهربائي والاستمرارية، لا سيما مع تعاظم الاعتماد على الكهرباء في مجالات حيوية مثل المستشفيات والمطارات والنقل والمرافق العامة.
ويرى عبد الصمد ملاوي أن هذه الأهمية تزداد بالنسبة للمغرب وإسبانيا والبرتغال مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030، مما يفرض تحديات كبيرة على صعيد استقرار الشبكة الكهربائية وتأمينها لاستيعاب الضغط المتزايد خلال هذا الحدث الدولي.
وأكد على ضرورة تطوير البنية التحتية الكهربائية المغربية، لا سيما في ظل مشاريع الربط مع البرتغال وإسبانيا، ما يفتح آفاقا لتعزيز شبكة كهربائية متوسطية قوية وفعالة.
وكان المغرب والبرتغال قد وقعا في ديسمبر/كانون الأول 2023 تصريحا مشتركا للربط الكهربائي بين البلدين، وذلك على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ويهدف هذا التصريح إلى تعزيز إستراتيجيات تنمية الطاقات المتجددة بين البلدين، بالإضافة إلى إمكانات تبادل الطاقة بين القارتين الأفريقية والأوروبية.
ما الدروس المستخلصة من أزمة إسبانيا؟
سلطت أزمة إسبانيا الضوء على ضعف بعض خطط الطوارئ، إذ يرى الخبير الطاقيّ عبد الصمد ملاوي أن المحركات الاحتياطية لا تكفي لتغطية العجز، خصوصا في المرافق الحساسة كمراكز البيانات والمستشفيات والبنوك؛ لذلك، يؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية لتقوية أنظمة الطوارئ والتنسيق مع الدول المجاورة لتبادل الخبرات.
وأشار إلى الجهود المتواصلة في المغرب لتعزيز شبكته الداخلية، كما هو الحال مع مشروع الربط بين الجنوب والوسط، وأيضا مشروع الربط الكهربائي مع موريتانيا، ضمن إستراتيجية أوسع لتأمين مرونة التزود بالطاقة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتكامل الإقليمي في آن واحد.
بدوره، أكد البرلماني عبد العالي بروكي أن هذه الأزمة أظهرت مرة أخرى أهمية الربط الكهربائي الإقليمي بين الدول المتجاورة، والدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه في مواجهة الطوارئ.
وقال للجزيرة نت إن مثل هذه الأعطال “تذكرنا بأن أي بلد قد يكون عرضة لها، وهو ما يستدعي التفكير بجدية في حلول تقنية احترازية وإستراتيجيات بديلة”.