كابل – جمعت حكومة أفغانستان ملايين الدولارات من رسوم عبور الطائرات في مجالها الجوي لأنها صارت ممرًا بديلًا للطيران الدولي إثر التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025.
ويبرز هذا الأمر قدرة كابل على استغلال موقعها الجغرافي لتخفيف وطأة الأزمة المالية التي تعانيها البلاد مع عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021 وتجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني وفرض عقوبات دولية.
ارتفاع غير مسبوق
قفز عدد الرحلات العابرة عبر الأجواء الأفغانية منذ 13 يونيو/حزيران 2025 من 50 إلى 280 رحلة يوميًا، بنسبة زيادة 500%، وفقًا لبيانات موقع “فلايت رادار 24″، مع توقعات بالوصول إلى 350 رحلة يوميًا.
وقال المتحدث باسم وزارة النقل والطيران المدني، حكمت الله آصفي: “في الفترة الماضية، وصل عدد الرحلات العابرة إلى نحو 300 رحلة يوميًا، وقد شهد هذا العدد انخفاضًا طفيفًا أخيرًا، وثمة احتمال كبير بزيادة مرة أخرى مع استمرار التوترات الإقليمية”.
وأضاف في تصريح لـ (الجزيرة نت): “المجال الجوي الأفغاني يُعد اليوم من أكثر الأجواء أمانًا في المنطقة، وقد أصبح ممرًا جويًا مهمًا للطائرات المدنية الدولية”.
وهذا التحول ناتج عن إغلاق أجواء دول مثل إيران والعراق وسوريا ولبنان والأردن بسبب الصراع الإقليمي، ما دفع شركات الطيران إلى إعادة توجيه رحلاتها عبر أفغانستان والسعودية.
وكانت الأجواء الأفغانية محدودة الاستخدام بعد 2021، إذ علّقت العديد من شركات الطيران الكبرى رحلاتها العابرة بسبب الوضع الأمني، لكن آصفي أوضح لـ (الجزيرة نت) أن “التحسن الكبير في الاستقرار الداخلي ساهم في إعادة إدراج الأجواء الأفغانية ضمن خطوط الرحلات الدولية، مع جاهزية كاملة لتقديم التسهيلات الفنية والملاحية”.
في 2024، سجلت أفغانستان نحو 100-120 رحلة يوميًا، وفقًا لتقديرات الوزارة، ما يعكس زيادة تدريجية بدأت مع تخفيف القيود في 2023.
كيف تجمع الحكومة العائدات؟
تفرض الحكومة الأفغانية رسوم عبور ثابتة قدرها 700 دولار لكل طائرة، وفقًا لمصادر مطلعة في وزارة النقل والطيران، وبسبب العقوبات الدولية وتجميد الحسابات الحكومية، تُجمع هذه الرسوم عبر وسطاء دوليين، وتُودع في حسابات وسيطة قبل تحويلها إلى أفغانستان.
قال آصفي لـ (الجزيرة نت): “سهّلنا الإجراءات لتشجيع شركات الطيران على استخدام مجالنا الجوي، وتُوجه العائدات لتطوير البنية التحتية للطيران المدني ودعم الاقتصاد الوطني”.
وتشمل التسهيلات التنسيق مع المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO)، وتُستخدم مسارات جوية محددة مثل بي 500 -P500 وجي 500 -G500 على ارتفاعات عالية (30 ألف إلى 40 ألف قدم) لتجنب التضاريس الجبلية، ويتم الاعتماد على الاتصال عبر الأقمار الصناعية والتنسيق مع أجواء الدول المجاورة (باكستان، تركمانستان) لإدارة حركة الطائرات، في ظل غياب أنظمة مراقبة جوية مركزية حديثة منذ 2021.
وأشار آصفي إلى أن “شركتين محليتين وسبع شركات طيران أجنبية تُسيّر رحلات مباشرة من وإلى أفغانستان، ما يعزز مكانتها كمركز طيران إقليمي”.
ويرى مراقبون أن استخدام شركات طيران دولية للمجال الجوي الأفغاني يُمثّل في حد ذاته اعترافًا عمليًا باستقرار الوضع الأمني والمؤسسي في أفغانستان، حتى في ظل غياب الاعتراف الدبلوماسي الرسمي بالحكومة الحالية، ويُظهر هذا التحول كيف يمكن للمصالح الاقتصادية أن تتجاوز الحساسيات السياسية في بعض الحالات.
التأثير المالي
وحسب تقديرات الوزارة، بلغت الإيرادات من مرور 100-120 رحلة يوميًا في 2024 نحو 17.5 مليون دولار سنويا، وفي يونيو/حزيران 2025 بلغت إيرادات 280-350 رحلة يوميًا ما بين 1.37-1.72 مليون دولار أسبوعيًا، مع توقعات بإيرادات سنوية تتراوح بين 30 و35 مليون دولار.
وأكد آصفي، أن هذه العائدات “تُعد مصدرًا مهمًا للدخل في ظل التحديات الاقتصادية، لكنها محدودة مقارنة بالاحتياجات الكلية”.
توفر هذه الأموال عملة صعبة لتمويل الواردات الأساسية (الغذاء، والوقود، والأدوية)، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأفغاني من انخفاض الناتج المحلي بنسبة 26% منذ 2021، وفقًا للبنك الدولي، مع عيش 21 مليون شخص تحت خط الفقر.
ويفاقم تجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني (7 مليارات دولار) الأزمة، ما يجعل هذه العائدات حيوية لتخفيف الضغط المالي.
وقال خبير الملاحة الجوية عبد السلام عزيز: “تُشكل هذه العائدات أكسجينًا اقتصاديًا مؤقتًا، لكنها لا تعالج الأزمة الهيكلية الناتجة عن نقص الاستثمارات، انهيار القطاع المصرفي، وغياب الاعتراف الدولي”.
وأوصى في تعليق لـ (الجزيرة نت) باستثمار الأموال في تحسين البنية التحتية، مثل تركيب أنظمة رادار حديثة وتطوير مطار كابل الدولي، لتعزيز القدرة التنافسية.

تحديات الاستدامة
تظل العائدات مرهونة بالصراع الإقليمي، إذ يُحذر عزيز من أن “تحسن أجواء دول مثل إيران سيُقلل من أهمية أفغانستان كمسار جوي. الاعتماد على الصراع ليس إستراتيجية مستدامة”.
ويدعو الخبير الاقتصادي، أحمد فردوس بهغزين إلى تحديث المطارات وفق المعايير الدولية، قائلا إن “برنامجا تجاريا دقيقا مع الدول الأخرى يمكن أن يزيد الإيرادات”.
وأوضح في تعليق لـ (الجزيرة نت) أن تطوير مطاري كابل وقندهار وتدريب الكوادر الفنية قد يُحول المجال الجوي إلى مصدر دخل دائم.
وإداريًا، أشار عزيز إلى تأخر الفواتير 6-8 أشهر بسبب الوسطاء، والقيود المصرفية التي تُعيق استثمار الأموال.
ومن الناحية التشغيلية فإن غياب المراقبة الجوية يزيد المخاطر، إذ يعتمد الطيارون على التنسيق الذاتي.
وتدير أفغانستان 27 مطارًا، منها 5 دولية هي كابل وهرات ومزار الشريف وقندهار وجلال آباد، ما يدعم القدرات التشغيلية.