القاهرة– في خطوة رآها مراقبون متوقعة بالنظر إلى ملف الاستدانة المصري، أعلنت الحكومة المصرية خطتها لرفع الدعم كاملا عن المحروقات بحلول نهاية عام 2025.

وأكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقد الأربعاء الماضي، أن الخطة الحكومية تراعي الإبقاء على دعم السولار وأسطوانات الغاز بجزء كبير.

ووفق مدبولي، فإن الحكومة تدير ملف الوقود بحرص شديد بما يضمن استقرار السوق المحلية ويحقق التوازن بين توفير الموارد المالية للدولة وحماية المواطنين من أي تأثيرات سلبية.

ويتعارض هذا التوجه الحكومي مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين استبعد زيادة أسعار الوقود إذا استقرت أسعار النفط العالمية عند 70 دولارا.

ويتراوح متوسط أسعار النفط حاليا بين 67 و69 دولارا، في حين حددت الموازنة العامة، للعام المالي الحالي، السعر بنحو 82 دولارا.

يأتي الإعلان الحكومي بعد يوم واحد فقط من موافقة صندوق النقد الدولي، على صرف 1.2 مليار دولار، قيمة الشريحة الرابعة من قرض طلبته مصر تبلغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار.

ومنذ عام 2014، رفعت السلطات أسعار الوقود 12 مرة آخرها، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد شهد العام الفائت وحده ارتفاع أسعار المنتجات البترولية 3 مرات.

وتقدر حصة الدعم المقدمة للمواد البترولية وفق الموازنة العامة للدولة، للسنة المالية الحالية، بنحو 155 مليار جنيه (3 مليارات دولار).

السر في الصندوق

يقول المدير التنفيذي لمركز الدراسات التنموية، مصطفى يوسف، إن الخطوة الحكومية لرفع الدعم عن المحروقات، كانت متوقعة بالنظر إلى كون رفع الدعم كاملا، هو أحد اشتراطات صندوق النقد الدولي للموافقة على صرف شرائح القرض الأخير.

ويضيف، أن الخطوة تأخرت نحو عامين “بموجب الاتفاق مع صندوق النقد، حين رفع الدعم كليا، وكان مقررا له عام 2023، ولكن الحرب على قطاع غزة وتداعياتها الاقتصادية أحدثت مرونة لدى المؤسسة الدولية مع مصر وسمحت بالتأجيل”.

خلال مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، قالت رئيسة بعثة صندوق النقد لمصر إيفانا فلادكوفا، إن السلطات المصرية التزمت بخفض أسعار منتجات الوقود إلى مستويات استرداد التكلفة بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2025.

وتتضمن اشتراطات المؤسسة المالية الدولية لصرف قروض لمصر إعادة هيكلة الدعم لضمان كفاءة توزيع الموارد المالية.

ويضيف يوسف لـ (الجزيرة نت)، أن الحكومة المصرية عموما تستجيب لاشتراطات صندوق النقد في مسألة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد على فترات وليس فورا، تجنبا للغضب الشعبي، وهو ما يتفهمه المسؤولون بالصندوق.

ويتوقع أن يؤدي رفع الدعم عن المحروقات إلى زيادة بالتبعية في أسعار السلع والخدمات بنسب تتراوح بين 30 إلى 35%، مرجحا مزيدا من انخفاض القوى الشرائية للمواطنين جراء القرار.

وعن العوامل التي ستحدد الأسعار الجديدة للمحروقات بعد رفع الدعم عنها، يعلق المدير التنفيذي لمركز الدراسات التنموية، بأن السعر العالمي من المفترض أن يكون هو المعيار الذي يحدد عليه السعر المحلي.

آلية تحديد الأسعار

ويتفق الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، مع يوسف بشأن اعتبار رفع الدعم عن المحروقات خطوة متوقعة، مشيرا إلى أن التخلص من دعم الوقود هو أحد أهم التوصيات التي يقدمها صندوق النقد الدولي لكل الاقتصادات التي تلجأ إليه لطلب المشورة والدعم.

وأكّد أن التوجه الحكومي الأخير يرتبط بتعهدات مصر أمام صندوق النقد للحصول على القرض الأخير بـ 8 مليارات دولار.

ووفق بيانات البنك المركزي المصري تبلغ قيمة الدين الخارجي المصري نحو 155 مليار دولار.

وعن تداعيات القرار، يتوقع الخبير الاقتصادي، أن ترتفع أسعار المحروقات بنسب تتراوح بين 10 إلى 15% وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف إنتاج السلع والخدمات بنسب تتراوح بين 20 إلى 25%.

يستطرد “بالطبع سيتحمل المستهلك تلك الزيادات، ما سيشكل عبئا على الطبقات الفقيرة وذات الدخل المنخفض”.

وفق المؤشرات الرسمية، تراجع معدل التضخم السنوي إلى 12.8% في فبراير/شباط الماضي، مقارنة بـ23.2% في يناير/كانون الثاني من نفس العام.

وعلى خلاف يوسف، استبعد عبد المطلب أن يكون السعر العالمي هو المحدد لأسعار المحروقات بعد رفع الدعم الكلي عنها، يضيف “لن تتمكن الدولة من التعامل مع أسعار المحروقات، طبقا للأسعار العالمية خاصة لو انخفضت تلك الأسعار”.

ويتوقع الخبير الاقتصادي، أن تستحدث الحكومة آلية معينة لإدارة التسعير، لكنه في الوقت نفسه رجح أن تلجأ الحكومة للاستعانة بالسعر العالمي مع إضافة هامش ربح لها.

الحكومة سترفع الدعم كليا عن المحروقات بنهاية 2025-تصوير المراسل

غلاء وكساد

زاوية أخرى يشير إليها أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، مصطفى شاهين، وهي تحرير سعر صرف العملة المحلية وتأثيره على أسعار المنتجات البترولية.

في مارس/آذار من العام الماضي، أعلن البنك المركزي تحرير سعر الصرف، وهو ما أدى إلى انخفاض الجنيه مقابل الدولار من 30 جنيها إلى نحو 50 جنيها.

ويبيّن شاهين لـ (الجزيرة نت)، أن أسعار المحروقات انخفضت عالميا، لكن السوق المحلية لم تتأثر بهذا الانخفاض وظل السعر في طريقه إلى الارتفاع بفعل تعويم الجنيه، معتبرا غلاء الأسعار بمثابة ضريبة غير مباشرة على المواطنين.

ويدلل على ذلك بحجم الدعم المقرر للمنتجات البترولية بالموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي، ويضيف: “رغم أن حجم الدعم المقرر كبير ورغم انخفاض الأسعار عالميا إلا أن الغلاء يزداد على المستوى المحلي”.

ويتوقع أستاذ الاقتصاد، أن يتأثر المستهلكون تأثرا كبيرا بسبب رفع الدعم عن الوقود، خاصة مع انخفاض الدخول، وهو ما سيؤدي إلى كساد اقتصادي، حسب قوله.

حيرة الشارع

وكان للقرار الحكومي بخصوص أسعار المحروقات في الشارع المصري صداه لدى الطرفين، البائع والمشتري.

يقول مسعد، بائع فواكه إن أسعار المحروقات تؤثر تأثيرا مباشرا على سعر المنتج الذي يبيعه، ويوضح لـ (الجزيرة نت): “بعض الآلات المستخدمة في الزراعة تستخدم الوقود، فضلا عن استخدام السيارات لنقل المحصول من المزرعة إلى محل البيع”.

ولا يتصور البائع، كيف ستكون الأمور مع الوضع الجديد بعد تطبيق القرار الحكومي، ويضيف: “الأسعار مرتفعة فعلا ونعاني كتجار من قلة إقبال الزبائن”.

وتراود الحيرة نفسها المستهلك، فتقول سامية أمين، موظفة، إنها تعاني كل شهر من عبء التوفيق بين نفقات الأسرة ودخل زوجها إضافة إلى راتبها.

وتضيف لـ (الجزيرة نت): “صحيح الرواتب زادت أكثر من مرة بقرارات حكومية خلال السنوات الأخيرة، لكنها زيادات لا تواكب القفزات المتتالية في الأسعار”.

ومع الزيادة المرتقبة في الأسعار ستواجه الموظفة المصرية عبئا أكبر لتدبير النفقات الشهرية لأسرتها، تقول “لا أرغب في التفكير في كيفية مواجهة مستقبل الأسعار.. إنني أواجه أزمة حاليا ولا قدرة عندي على مزيد من التفكير”.

شاركها.
Exit mobile version