باريس- في تقريره السنوي الجديد كشف مجلس المحاسبة في أكثر من 70 صفحة عن جوانب الإنفاق في قصر الرئاسة الإليزيه، والتي تكثر بشأنها التساؤلات، خاصة زيادة نفقات الرئاسة بشكل غير مسبوق، إذ وصلت إلى 125.5 مليون يورو (136.98 مليون دولار) في عام 2023، مما أدى إلى عجز قدره 8.3 ملايين يورو، على عكس السنة المالية السابقة التي شهدت فائضا قدره 300 ألف يورو (327 ألف دولار).

وكما في كل عام منذ 2009 يقوم المجلس بالتسلل خلف كواليس القصر الرئاسي للتعمق في إنفاقه ومراجعة الحسابات وإدارة المصالح.

وبينما شدد التقرير الأخير على “تدهور الوضع المالي لدوائر الرئاسة” دعا في الوقت ذاته إلى ضرورة “مواصلة بذل الجهود” لاستعادة التوازن المالي والحفاظ عليه.

ويتمثل الجزء الأكبر من العجز في حفلات الاستقبال والرحلات التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي بلغت 112 مرة، منها 69 بالطائرة، خاصة إلى الخارج.

حفلات بالملايين

وقد أدت حفلات الاستقبال التي أشرف عليها قصر الإليزيه إلى تضخم الفواتير التي قدرت بـ4 ملايين يورو (4.37 ملايين دولار) في عام 2023 من خلال تنظيم 171 حفل استقبال بتكلفة 35 يوروا (39 دولارا) لكل ضيف، مقارنة بـ29 يوروا (32 دولارا) في عام 2022.

ويأتي العشاء الرسمي على شرف ملك بريطانيا تشارلز الثالث على رأس قائمة الولائم الأغلى سعرا بمبلغ وصل إلى 475 ألف يورو (519 ألف دولار)، إذ تميز بالديكور الملكي وأفضل أنواع النبيذ وأطباق جراد البحر، يليه حفل تكريم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في متحف اللوفر في 15 يوليو/تموز 2023، والذي كلف القصر الرئاسي 412 ألف يورو (450 ألف دولار).

وخلال الأمسية التي تم فيها استضافة الملك البريطاني في قصر فرساي في سبتمبر/أيلول الماضي استعانت رئاسة الجمهورية بجهات خارجية لتوفير جميع الخدمات، بما في ذلك استئجار “الإضافات” للخدمة مقابل 100 ألف يورو (110 آلاف دولار) وتقديم الطعام من طباخين مشهورين بدل مطابخ الإليزيه بتكلفة تجاوزت 42 ألف يورو (45 ألف دولار)، فضلا عن أنواع النبيذ الفاخرة التي وصلت إلى 42 ألف يورو (45 ألف دولار).

وأشار تقرير المجلس أيضا إلى رسوم إلغاء الزيارة الأولى لتشارلز الثالث، والتي تم تأجيلها بسبب الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا ضد إصلاح نظام التقاعد، حيث بلغت 80 ألف يورو (88 ألف دولار)، فضلا عن باقي النفقات الأخرى التي يتطلبها البروتوكول الرسمي لزيارة الدولة، والتي استغرقت 3 أيام.

ومن بين البنود الأخرى التي تستنزف الميزانية هي تكلفة تنظيم حفلات الاستقبال، إذ بلغت الميزانية السنوية 31 مليون يورو (34 مليون دولار)، أي بزيادة قدرها 45% في عام واحد.

رحلات باهظة

وانتقد القضاة الماليون الارتفاع الحاد في نفقات رئيس الدولة التي تثقل كاهل دافعي الضرائب، خاصة الزيادة الواضحة في الإنفاق المرتبط برحلات ماكرون، إذ ارتفعت تكاليف السفر الرئاسي بنسبة 7% على مدار عام واحد ووصلت إلى 23.2 مليون يورو (25.5 مليون دولار).

وفي مقارنة سريعة بين ماكرون والرئيس السابق فرانسوا هولاند، يوضح مجلس المحاسبة أن هولاند سافر 142 مرة خلال العام الأخير من ولايته في عام 2016، بميزانية إجمالية قدرها 17.7 مليون يورو (20 مليون دولار)، مما يعني ارتفاع متوسط تكلفة الرحلة الرئاسية من 125 ألف يورو (137 ألف دولار) إلى 207 آلاف يورو (226 ألف دولار) خلال 7 سنوات.

وزار الرئيس الفرنسي ماكرون الصين وأوقيانوسيا واليابان لحضور قمة مجموعة السبع، والهند لحضور قمة مجموعة الـ20، ومنغوليا، وبنغلاديش.

ويعتبر السفر إلى أوقيانوسيا الأعلى تكلفة، إذ بلغ 3.1 ملايين يورو (3.4 ملايين دولار)، تليها جولته في أفريقيا بـ1.9 مليون يورو (2.1 مليون دولار)، ثم الصين بـ1.8 مليون يورو (مليونا دولار).

ويعتبر مجلس المحاسبة أن رحلات ماكرون الداخلية “باهظة الثمن بشكل خاص”، مشيرا إلى الأيام الثلاثة التي قضاها رئيس الجمهورية في مارسيليا في نهاية يونيو/حزيران الماضي بتكلفة تجاوزت 243 ألف يورو (265 ألف دولار)، فضلا عن سفره إلى كورسيكا في سبتمبر/أيلول 278 ألف يورو (304 آلاف دولار)، وزيارته لمقر شركة إيرباص في مدينة تولوز في ديسمبر/كانون الأول 205 ألف يورو (224 ألف دولار).

تضخم رئاسي

ودعا القضاة الماليون إلى ضرورة “زيادة اليقظة” اعتبارا من هذا العام ومواجهة “العوامل الداخلية” التي أدت إلى “هذا الانزلاق” المرتبط جزئيا بالقرارات التي يتخذها الإليزيه.

وأضافوا أنه “إذا كانت هناك عوامل خارجية عدة تفسر هذا المستوى غير المتوقع من النفقات فإنه يجب أيضا أخذ العوامل الداخلية في الاعتبار”.

كما أدت زيادة إلغاءات الرحلات الرئاسية إلى تضخم فاتورة القصر الرئاسي على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في فترات عدة، خاصة المتعلقة بمشروع الحكومة لتعديل نظام التقاعد.

وفي التفاصيل، أشار مجلس المحاسبة إلى أن إلغاء رحلة ماكرون إلى ألمانيا في يوليو/تموز 2023 كلف الدولة 492 ألف يورو (537 ألف يورو)، في حين تجاوزت خسائر إلغاء زيارة السويد في فبراير/شباط 180 ألف يورو (197 ألف دولار).

وتجنبا لهذه التكاليف الإضافية أوصى المجلس بتحديد حجم الوفود في الخارج، وتنظيم جدول الأعمال الرئاسي بشكل أفضل، وأخذ “المشاكل التنظيمية الداخلية” في الاعتبار، إذ تسبب إلغاء 12 رحلة في اللحظات الأخيرة العام الماضي بخسارة إجمالية تقدر بـ832 ألف يورو (910 آلاف دولار) بسبب عدم سداد تكاليف الفنادق وتذاكر الطيران.

وردا على أرقام التقرير التي أثارت موجة من الغضب في الشارع الفرنسي نفى الإليزيه في بيان صحفي هذا العجز، مبررا ذلك بالقول إن الميزانية “في حالة توازن”، والفجوة “تم سدها بالأموال المتاحة للرئاسة”، وإنه اعتمد على احتياطياته لتغطية النفقات.

شاركها.
Exit mobile version