كشف وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج أن وزارته ستقدم شكوى جديدة ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي تتعلق بتعرض لبنان لقصف بالفوسفور المحرم دوليا.

وقال في حوار شامل مع الجزيرة نت إن هذه الشكوى جاءت “لنقول مرة جديدة إن هذا العدو الإسرائيلي، رغم أنه يضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية والأعراف، نحن كدولة لبنانية نعتصم بالقانون الدولي”، وأضاف “هذا الفوسفور يؤثر على البيئة، وعلى الطبيعة وعلى الإنسان”.

وأضاف الحاج أن ما تقوم به إسرائيل هو محاولة إشعال أكبر قدر ممكن من الحرائق حتى تجعل هذه المساحة الفاصلة ما بين لبنان والجنوب اللبناني وفلسطين المحتلة منطقة خالية ومعزولة وعازلة.

وتابع “لدينا 2400 دونم احترقت بشكل كامل، و6500 دونم احترقت بشكل جزئي” ، مؤكدا وجود تعويضات لفائدة كل المتضررين والمزارعين.

 وفيما يلي نص الحوار كاملا:

  • كيف تقيّمون حجم الأضرار التي لحقت بالمزارعين والأراضي الزراعية في جنوب لبنان جراء الاعتداءات الإسرائيلية؟

لا شك أن الأضرار الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيلية كبيرة جدا. اليوم، هذه العدوانية والبربرية تطال الحجر والبشر، والأرواح.

وبالتالي، لا يمكن لنا أن نعطي أرقاما دقيقة لسبب بسيط، وهو أننا اليوم مهددون حتى في بيروت، وحتى في بعلبك، وحتى في الشمال، نتيجة للاعتداءات المتكررة. وهذا يشكل خرقا للقانون والمواثيق الدولية.

لكي أكون دقيقا، اليوم الواقع الزراعي في الجنوب لا شك أنه تضرر وتأذى. ولكن، هل هذا يعني أن الأمور توقفت؟ بالطبع لا. نحن اليوم نصدر من الجنوب، ونضع أولوية قصوى بالنسبة للمنتج الزراعي في الجنوب وأيضا للتصدير من الجنوب اللبناني.

  • هل لديكم تقديرات أولية لمساحة الأراضي الزراعية المتضررة وعدد المزارعين المتأثرين؟

نحن في وزارة الزراعة وضعنا خريطة منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الغاشم والبربري والهمجي على جنوب لبنان، بعد العدوانية والبربرية التي مورست على قطاع غزة وما زالت تمارس حتى هذه اللحظة. لدينا 2400 دونم احترقت بشكل كامل، و6500 دونم احترقت بشكل جزئي.

لدينا 2400 دونم احترقت بشكل كامل، و6500 دونم احترقت بشكل جزئي.

عندما نتحدث عن حرق كامل، نتحدث عن قطاع بكامله من الزيتون، أشجار معمرة يصل عمرها إلى 100 سنة، وقطاع اللوزيات، وقطاع الحمضيات، وقطاع الأشجار الأخرى الحديثة، وأيضا مساحات شاسعة جدا من الغابات، نتحدث عن 6500 دونم، وهو رقم كبير لا شك.

هذه الأرقام دون ذكر أعداد المزارعين الكبيرة جدا. لو علمنا أو سلطنا الضوء على أن 20% من المنتج اللبناني كان يخرج من الجنوب اللبناني، نجد أن الضرر كبير. ويقابله صمود وصبر، وإيمان مطلق بالله تعالى أننا منتصرون، كما انتصرنا في عام 2000 وفي عام 2006.

  • ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه المزارعين في المناطق الحدودية في ظل التصعيد؟

أبرز التحديات اليوم غياب إمكانية الوصول إلى المساحات الشاسعة التي كانت مزروعة. وقد وصلني من سهولنا المتاخمة لفلسطين المحتلة أن المزارعين يحصدون القمح. حصاد القمح كان وافرا هذا العام رغم الحرائق ورغم الأضرار.

وأحد المزارعين حادثته هاتفيا فقال لي: “يا أيها الوزير، اسمع جيدا، لو كل العالم تركنا سنبقى في الجنوب. لو كل الدنيا تخلت عنا، لا يمكن أن يكون الله إلا معنا”.

هذا الكلام، أكبر وأعمق من أي فلسفة تُوضَع، سواء كانت أممية أو إقليمية أو دولية، وهو أهم بكثير من أي مبادرة تطرح اليوم في المنطقة. هذا الأمر يعكس إلى أي مدى نحن اليوم متجذرون ومتأصلون في أرضنا.

فيما يتعلق بإمكانية مساعدة مزارعينا، الهم كبير جدا، خاصة مع عدم الوصول إلى المساحات الزراعية اليوم وعدم إمكانية تحضير الأرض للمواسم القادمة. هذا هو أكبر ما يعترضنا، ولكن أعود وأكرر أننا وضعنا خطة متدرجة، متوسطة وبعيدة المدى، للعودة مباشرة إلى الأرض وإلى القطاع الزراعي في المنطقة الجنوبية التي تمتد على مساحة 210 كيلومترات.

  • ما هي المعطيات المتوفرة لديكم حول استخدام القوات الإسرائيلية للفوسفور الأبيض في عمليات القصف، لاسيما أن لبنان قدم شكوى ضد إسرائيل أمام مجلس الأمن بخصوص استخدامها الفوسفور؟

نحن تقدمنا كحكومة لبنانية وتحديدا كوزارة الزراعة عبر وزارة الخارجية، بأول شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكل من يعنيهم الأمر بأننا نتعرض لقصف بالفوسفور المحرم دوليا.

هذا الفوسفور يؤثر على البيئة، وعلى الطبيعة وعلى الإنسان. لا يمكن الإجابة اليوم عن مدى التأثير قبل أن يكون هناك سحب لعينات تمثيلية من كافة الأراضي التي تعرضت لعمليات القصف، وهي 55 قرية ومدينة.

ويوم الجمعة القادم (غد)، ستكون هناك جلسة لمجلس الوزراء، وسأقدم شكوى أخرى للحكومة اللبنانية عبر وزارة الخارجية اللبنانية إلى مجلس الأمن الدولي والهيئة العامة للأمم المتحدة، لنقول مرة جديدة إن هذا العدو الإسرائيلي، رغم أنه يضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية والأعراف، نحن كدولة لبنانية نعتصم بالقانون الدولي وسنقدم هذه الشكوى مع علمنا أنها لن تقدم ولن تؤخر.

ولكن نحن، يحكمنا منطق قانوني، ونتمنى على دول العالم كلها، أن تقف إلى جانب حقوق الإنسان وحقوق المجتمعات وحقوق الدولة اللبنانية كما الحقوق الفلسطينية لمرة واحدة في هذا التاريخ.

  • كيف أثر استخدام الفوسفور الأبيض على السكان والمزارعين والمحاصيل الزراعية والنظام الإيكولوجي؟

أعود وأكرر هناك نظريات علمية كثيرة طرحت وستطرح. ولكن، أنا كوزير اليوم أدير هذا الملف، وهذا الأمر يلحظ عناية كبرى من كافة القيادات، القيادة المركزية في الدولة اللبنانية وأيضا القيادات اليوم على الأرض. يستدعي أن نواكب ونتابع بشكل علمي.

لا يمكن اليوم الحديث عن مدى إمكانية الضرر ومدى فعالية هذا الأمر ومدى تأثيره على الإنسان أو على الأشجار أو على الثمار أو على التربة أو على المياه الجوفية أو السطحية أو المياه السائلة أو المياه المتجمدة أو التي ضمن البحيرات إلا من خلال الفحوصات التي ستجرى فور انتهاء العمليات العدائية الإسرائيلية من قبل الخبراء اللبنانيين والمختبرات اللبنانية المعتمدة، سواء كان المركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS)، أو مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، أو باقي المختبرات التابعة للحكومة اللبنانية والجهات اللبنانية أو الجهات الخاصة. وبالتالي يُبنى على شيء وفق مقتضاه ويكون الجواب علميا حقيقيا.

  • ما هي الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة تداعيات التلوث البيئي الناجم عن استخدام الفوسفور الأبيض؟

اليوم، عندما نتحدث عن التكامل بين الوزارات، أعتقد أنها قد تكون الحكومة الوحيدة في لبنان التي نعيش فيها اليوم حيث تتناغم وزاراتها بالمطلق فيما بينها. هناك خط ساخن بيني وبين معالي وزير البيئة، الدكتور ناصر ياسين، بشكل يومي، سواء كان لمسح الأضرار أو لتحديث المعلومات والمعطيات، أو لتحفيز المواطنين، أو لمواكبة الحرائق التي تحدث كل يوم جراء الاعتداءات الإسرائيلية.

وبالتالي، نعم، هناك ضرر بيئي لا شك كبير، ولن يكون تأثيره فقط على لبنان بل على دول المنطقة، لأن لبنان هو الرئة التي يتنفس منها المتوسط. هذه الرئة كان لدينا غطاء نباتي كبير جدا احترق جزء لا بأس به. لذلك نضع هذا الأمر أيضا أمام الرأي العام العالمي، وأمام التجمعات والجماهير الدولية التي تضع نصب أعينها موضوع الاحتباس الحراري وموضوع التصحر وموضوع كيفية المواكبة والمواءمة، وكان آخرها آخر إرهاصاتها في المنطقة عندنا.

ما يقوم به العدو الإسرائيلي هو جريمة تطال الدولة اللبنانية وتطال باقي دول المنطقة.

وبالتالي، الصرخة ستكون كبيرة جدا، تبدأ من لبنان ولا تنتهي في كل دول المنطقة. أعود وأكرر، ما يقوم به العدو الإسرائيلي هو جريمة تطال الدولة اللبنانية وتطال باقي دول المنطقة.

  • إلى أي مدى يؤثر القصف الإسرائيلي في زيادة وتيرة الحرائق في المناطق الجنوبية وما هو التأثير البيئي طويل الأمد للحرائق المتكررة؟

هذه الفترة من الصيف وارتفاع درجات الحرارة تتسبب في حدوث حرائق. ولكن اليوم، ما تقوم به إسرائيل هو محاولة إشعال أكبر قدر ممكن من الحرائق حتى تجعل هذه المساحة الفاصلة ما بين لبنان والجنوب اللبناني وفلسطين المحتلة منطقة خالية ومعزولة وعازلة.

هذا الأمر لن يحصل، لأني أؤكد أن ما يحدث اليوم من حرائق لا شك أنه مخيف بالنسبة للمواطنين والمزارعين، ولكن نحن بقوتنا وصبرنا وجلدنا ولأننا نعي ونعرف هذا العدو منذ 40 إلى 50 عاما وخبرناه جيدا، وهو خبر أيضا قوتنا وصلابتنا ومقاومتنا.

وبالتالي، أقول نعم، اليوم ما افتعلته إسرائيل من حرائق يتجاوز المئات والآلاف من الدونمات، لا لشيء إلا لأنها تعتقد واهمة أنها قادرة على إحراق الأخضر واليابس، وبالتالي وضع رؤية جديدة أو إستراتيجية جديدة أو واقع عسكري جديد في المنطقة.

  • هل هناك خطط حكومية لتعويض المزارعين عن الخسائر التي تكبدها بسبب القصف الإسرائيلي؟

رغم الأزمة المالية التي تعانيها الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية بشكل عام، اليوم واجب أساسي ومنطقي أن تقف الحكومة إلى جانب أهلنا في الجنوب اللبناني. هذا واجب مقدس، نعم، واجب مقدس، لأنه إذا لم تقف الحكومة اليوم إلى جانب الشعب اللبناني، فمتى ستقف؟ هذا أولا.

ثانيا، الأصل في الأمور أن يقف كل اللبنانيين إلى جانب المتضررين في الجنوب، لا لشيء إلا لأن العدو واحد، وهذا العدو لا يميز بين منطقة وأخرى، بين طائفة وأخرى، بين دين وآخر، بين مذهب وآخر.

بدليل، عندما قتل العدو الصحفيين بدم بارد في الجنوب لم يكن يميز إن كان هذا الصحفي تابعا لقناة معينة أو لوكالة معينة. وأيضا عندما يقتل الأبرياء، فهو يقتل بدم بارد.

وبالتالي، نعم، التعويض موجود وفق بآلية معينة وضعناها أولا من خلال مسح الأضرار وتخمينها، وبعد ذلك يتم التواصل مع الهيئات المانحة التي تواصلنا مع بعضها وهي مستعدة لهذا الأمر.

أعود وأقول، اليوم ليس الموضوع سياسيا بل إنساني محض، وبالتالي، هذه الدول ستقف إلى جانب لبنان كما وقفت وعودتنا في السابق.

  • كيف تتعامل الحكومة مع تأثيرات هذه الأزمة على الإنتاج الزراعي اللبناني بشكل عام؟

الجنوب اللبناني يقدم 20% من المحاصيل الزراعية للبنان، وهذا الرقم كبير. لا شك أنه تأثر خلال الأحداث والاعتداءات الصهيونية، مما أثر سلبا على المنتجات وأسعارها. ومع ذلك، استمرت المحاصيل في الإنتاج، كما استمرت عمليات تصديرها، حتى من الجنوب اللبناني.

اليوم نعاني بلا شك من العودة إلى معظم الأراضي، على الرغم من وجود بعض المزارعين والفلاحين المتمسكين بأراضيهم، وما زالوا يزرعون، سواءً كان ذلك لزراعة التبغ، أو زراعة القمح، أو للإنتاج الصيفي، مثل سهول الوزاني والسهول الخيام وباقي السهول. لم تعد الأراضي تُستغل بكامل طاقتها بسبب الأسباب التي ذكرناها سابقا.

  • هل هناك أي تعاون دولي أو دعم تقني متوقع للمساعدة في إعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتضررة؟

يتبادر إلى الذهن اليوم ما إذا كان هناك اصطفاف دولي، وما إذا كانت هناك هبة إنسانية وجدانية شعبية تجاه القضية الفلسطينية.

ما يحدث اليوم في قطاع غزة ولبنان سينعكس على المساعدات، وأعتقد أنه من المهم أن ينظر الجميع من منظار إنساني بعد انتهاء الحرب، لأنه لن تنتهي الأمور عندما تقف الحرب.

أعتقد اليوم، نحن نتحدث عن الدول العربية، ستقف إلى جانب لبنان، سواءً في إعادة الإعمار أو فيما يتعلق بالقطاع الزراعي.

أتحدث بالتحديد عن القطاع الزراعي، ستكون هناك مبادرة لبنانية، قريبًا جدًا، لن أكشف عنها لأنها في طور التنضيج. والهيئات المانحة أيضا والدول التي تواصلنا معها مستعدة لتقديم الدعم التقني وتوجيهه لصالح الحكومة اللبنانية والوزارات المختصة، بالإضافة إلى المساعدات العينية المباشرة.

شاركها.
Exit mobile version