خاص

حذر مقدمو الخدمات في المملكة المتحدة من أن حزب العمال لن يتمكن من تحقيق هدفه المتمثل في توفير 1.5 مليون منزل جديد خلال فترة هذا البرلمان دون تقديم دعم نقدي طارئ في قطاع الإسكان بأسعار معقولة.

وأرسلت جمعيات الإسكان والمجالس رسالة إلى نائبة رئيس الوزراء أنغيلا راينر، قائلة إن وعدها بتقديم “أكبر دفعة للإسكان بأسعار معقولة في جيل واحد” سيكون مستحيلاً ما لم تكن هناك تدخلات عاجلة لإصلاح الضغوط المالية التي يواجهها مقدمو الخدمات.

ويأتي هذا التحذير في الوقت الذي تظهر فيه أرقام جديدة، نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، أن جمعيات الإسكان (أكبر مطوري الإسكان الاجتماعي) بدأت في بناء 32705 منزل فقط في عامي 2023 و2024.

وهذا أقل بنسبة 30 بالمئة عن أرقام عامي 2022 و2023.

وجاء في الرسالة – التي وقعها الاتحاد الوطني للإسكان (NHF)، الذي يمثل 600 جمعية إسكان، ورابطة الحكومة المحلية (LGA) أن الدخل المحدد والتخفيضات المرهقة والتكاليف المرتفعة “عوامل أدت إلى تقليص ميزانيات مقدمي الخدمات، مما قلل من عدد المنازل التي يمكنهم بناءها”.

وقالت إن دخل الإيجار أصبح الآن أقل بنسبة 15 بالمئة من حيث القيمة الحقيقية مقارنة بالعام 2015، وهذا من شأنه أن يسهم في مواجهة المجالس لعجز بقيمة 2.2 مليار جنيه إسترليني في ميزانيات الإسكان بحلول العام 2028.

وجاء في الرسالة: “في مراجعة الإنفاق المقبلة، نحتاج إلى خطة طويلة الأجل للمساكن الاجتماعية الجديدة والقائمة، مدعومة بنموذج مالي عادل ومستدام يتم تطويره جنباً إلى جنب مع المجالس وجمعيات الإسكان”.

“بدون هذا، لن نتمكن من تحقيق طموحنا المشترك لبناء 1.5 مليون منزل جديد خلال هذا البرلمان.. لقد تم بالفعل تأجيل وإلغاء مشاريع البناء الجديدة في جميع أنحاء البلاد بسبب الضغوط المالية الكبيرة وعدم اليقين”.

وفي المؤتمر الأخير للحزب، تعهدت راينر، التي تشغل الآن منصب وزير الإسكان، بأن حزب العمال عندما يتولى الحكومة سوف يعمل على تحقيق أكبر دفعة في مجال الإسكان الاجتماعي وبأسعار معقولة لجيل كامل ، مع توفير الاستقرار واليقين لسوق الإسكان الاجتماعي وبأسعار معقولة.

وأكدت مستشارة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز هذا الأمر يوم الاثنين الماضي، حيث قالت إن التغييرات الجديدة التي أدخلتها على قواعد التخطيط ستسمح للبلاد ببناء آلاف المنازل بأسعار معقولة.

ويشار إلى أن عدد المنازل التي تم البدء في تشييدها بأسعار معقولة انخفض بنسبة 22 بالمئة إلى 30.631 منزلاً خلال الاثني عشر شهراً حتى مارس 2024، وفقاً لأحدث مسح للإمدادات الذي أجرته مؤسسة الإسكان الوطنية. ويشمل هذا 7.179 منزلاً فقط للإيجار الاجتماعي، وهو نموذج الحيازة الأكثر تكلفة، حيث يدفع المستأجرون حوالي نصف قيمة الإيجار في السوق.

وقال بول هاكيت، الرئيس التنفيذي لشركة Southern Housing، وهي جمعية سكنية مقرها لندن وتملك 70 ألف منزل، إن الشركة توقفت عن شراء مواقع جديدة لأن الأموال النقدية من الإيجارات لم تعد كافية لتغطية تكاليفها في الوقت الحالي.

وأضاف: “لقد عملت في مجال الإسكان لمدة 35 عاماً، ولم تكن هناك فترة من الزمن كانت فيها قدرة جمعيات الإسكان منخفضة إلى هذا الحد”.

وقد امتدت مشكلات التنمية إلى القطاع الخاص. فقد أعلنت شركة بارات، أكبر شركة خاصة لبناء المساكن في البلاد، يوم الأربعاء عن أنها تتوقع انخفاض عدد المساكن التي أكملت بناءها هذا العام بنسبة 7 بالمئة ، وألقت باللوم على حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وبالإضافة إلى النقص في الإيجارات، تواجه السلطات المحلية وجمعيات الإسكان والمجالس ارتفاع التكاليف للحفاظ على منازلها في حالة جيدة وآمنة.

وجاء في الرسالة المذكورة أن جمعيات الإسكان تتوقع أن تدفع أكثر من 6 مليارات جنيه إسترليني لتكاليف سلامة المباني بعد حريق برج غرينفيل.

ويتوقعون أيضاً أنه سيتعين إنفاق 50 ألف جنيه إسترليني، في المتوسط، على كل منزل اجتماعي على مدى العقود الثلاثة المقبلة لتلبية متطلبات إزالة الكربون وتوفير المساكن اللائقة.

كما تطالب رابطة الحكومات المحلية ومؤسسة الإسكان الوطنية الحكومة بفتح صندوق سلامة المباني، الذي يدفع تكاليف إزالة الكسوة الخطرة، أمام مقدمي خدمات الإسكان الاجتماعي. كما تطالب بإضافة تمويل طارئ إلى برنامج الحكومة الحالي للمساكن بأسعار معقولة والذي تبلغ قيمته 11.5 مليار جنيه إسترليني.

وقال متحدث باسم وزارة الإسكان والمجتمعات المحلية والحكومة المحلية: “نحن ملتزمون بتسليم 1.5 مليون منزل جديد بحلول نهاية هذا البرلمان، مع أكبر زيادة في الإسكان الاجتماعي وبناء المساكن بأسعار معقولة في جيل واحد”.

وأضاف: “ستعمل هذه الحكومة أيضاً بالشراكة مع المجالس وجمعيات الإسكان والقطاع الأوسع لضمان تحقيق هدفنا الطموح وبناء المنازل التي تحتاجها بريطانيا”.

تفاؤل.. ولكن!

في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال خبير العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند:

  • الهدف الذي وضعه حزب العمال البريطاني والمتعلق ببناء 1.5 مليون منزل جديد أمر جيد في المجمل.
  • هناك شعور بأن أزمة الإسكان في المملكة المتحدة يتم أخذها على محمل الجد أخيراً من قبل أشخاص لا يتأثرون بالعقيدة السياسية.
  • لكن في الوقت نفسه لن يكون الأمر بالسهولة أو السرعة التي يتوقعها البعض.

وعدد رولاند الخطوات التي يتعين على حزب العمال اتباعها لتحقيق هذا الهدف وتشمل:

  • إعادة تحديد المستهدف السنوي للبناء.
  • إصلاح قوانين التخطيط التي توقف عديداً من عمليات التطوير العقاري المستهدف؛ نظراً لاعتراض الكثير من المواطنين لأسباب واهية.
  • حكومة حزب العمال تأمل في استقرار سوق العقارات في بريطانيا بعد سنوات من الاضطرابات، وهذا ما سيشجع المطورين على البناء لإعادة البيع والتأجير.

أبرز العقبات

ومن لندن، رصد الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أبرز التحديات والعراقيل التي تواجه تحقيق هدف العمال، وتشمل:

  • عملية إصدار تصاريح وأذون البناء بطيئة ومعقدة بسبب البيروقراطية وشروط تتعلق بالبيئة وعدم تواجد أراضٍ كافية في المواقع المناسبة.
  • مسألة توفير التمويل والميزانيات الكافية لمشاريع البناء.
  • منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تعاني الدولة من نقص حاد في عمالة البناء الماهرة.

وتابع إسماعيل: “الإحصاءات الرسمية الآن تشير إلى أن معدل عدد  المنازل التي تم بناؤها سنوياً لا يزيد عن 160 ألف منزل سنوياً..  ووعود حكومة حزب العمال  بتوفير  1.5 مليون منزل خلال خمس سنوات أي فترة البرلمان القانونية أي بمعدل 300 ألف منزل سنوياً تعد أمراً غير واقعي وغير قابل للتحقيق، علما بأن المعدل منذ الثمانينات أقل من ذلك بكثير، ربما بين 160 و 180 ألف منزل سنوياً في أحسن الأحوال”.

واستطرد: حال تمكن الحزب من تبسيط الأنظمة وشروط إصدار رخص البناء فهذا لن يحل أزمة نقص العمالة والتمويل دون تخصيص ميزانيات كافية واستيراد عشرات الآلاف من عمال البناء المهرة وبتكلفة باهظة وأجور عالية.

كما أكد إسماعيل أن الحكومة تعلم جيداً أنها تواجه صعوبات  بالغة في توفير مأوى للمهاجرين غير النظاميين الذين يصل عددهم إلى 40 الف لاجيء سنويا.

هدف شعبوي

وإلى ذلك، ذكر الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن وعد حزب العمال يشبه إلى حد كبير وعود الحكومات السابقة، والتي لم تقترب حتى من التحقق، فهو هدف شعبوي في المقام الأول.

وتناول الشعار الأسباب التي تعيق تحقيق هذا الهدف وتتضمن:

  • عدم توافر مهندسي التخطيط العمراني المطلوبين لتحديد أفضل مناطق البناء في بريطانيا وأميز سبل التنفيذ.
  • عدم وجود آلية قانونية خاصة تمنع المستثمرين الأجانب من الاستفادة بهذه الوحدات، حتى تتوفر للمستحقين من الشعب البريطاني.
  • لا توجد آلية متكاملة للحصول على المسكن والمحافظة عليه في ظل التقلبات الاقتصادية التي لا تدعم موقف المواطن في الحصول على السكن والحفاظ عليه.
  • الطرح الحالي يعتمد في المقام الأول على توفير المسكن للمحتاج إليه ولا يركز بشكل كبير على مدى القدرة الائتمانية لمن سيمنح هذه الوحدات.
  • النظام المصرفي غير مؤهل لتمويل هذه الخطة الكبيرة.

قطاع الإسكان البريطاني يتصدر مشهد الانتخابات البرلمانية

شاركها.
Exit mobile version