تراجعت أسعار النفط 5 في المائة إلى أدنى مستوى لها في خمسة أسابيع أمس، بسبب توقعات رفع الفائدة الأمريكية، إلى جانب تأثير البيانات الاقتصادية الضعيفة القادمة من الصين، حيث أشارت البيانات إلى انكماش مفاجئ في نشاط التصنيع، ما أثار مخاوف بشأن الطلب على النفط.

وتزايدت المخاوف الهبوطية خاصة في الولايات المتحدة بعد أن أدى انهيار بنك رئيس ثالث في شهرين فقط إلى جانب توقع رفع أسعار الفائدة مرة أخرى من مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى التأثير في توقعات الطلب.

ويقول لـ”الاقتصادية” محللون نفطيون، إن تباطؤ تعافي الصين وحدوث ثاني أكبر انهيار مصرفي في الولايات المتحدة منذ أزمة عام 2008 ألقى بظلال قاتمة على توقعات نمو الاقتصاد العالمي وامتدت التداعيات إلى سوق الطاقة خاصة النفط الخام وسط إشارات إلى أن نمو الطلب على النفط قد يتعثر في أكبر مستورد في العالم.

وأوضح المحللون، أن انهيار “فيرست ريبابليك بنك” ووضعه في الحراسة القضائية قبل بيع أصوله إلى “جي بي مورجان” عزز المخاوف في السوق من أن الأزمة المصرفية الدولية التي حدثت في مارس الماضي لم تنته بعد عقب تدخلات الإدارة الأمريكية، حيث وقع انهيار جديد لبنك وهو ثالث انهيار كبير خلال شهرين فقط وكان ناتجا عن انخفاض ثقة المودعين، ما أدى إلى تدفقات هائلة من هروب الودائع.

وفي هذا الإطار، يقول سيفين شيميل مدير شركة “في جي إندستري” الألمانية، إن السوق النفطية تجتاز أزمة جديدة في ظل عدد من الضغوط والأزمات المتلاحقة خلال الشهور الأخيرة، حيث عادت إلى واجهة الأحداث أزمة ثقة المستهلك في النظام المصرفي الأمريكي وذلك رغم التأكيدات المتكررة من المسؤولين الحكوميين أن النظام مستقر، لافتا إلى ترقب السوق النفطية لقرار رفع جديد لأسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي وهو ما سيكون له آثار سلبية في حالة الاقتصاد الأمريكي وبالتالي في الطلب على النفط.

وأضاف أن ليس كل العوامل سلبية أو هبوطية في سوق النفط الخام الذي يتمتع بأساسيات جيدة رغم وجود أجواء من مخاطر جيوسياسية واسعة، مشيرا إلى أن أسعار النفط تواصل تلقي بعض الدعم من انخفاض إنتاج “أوبك+” ومن التوقعات أن مخزونات النفط الأمريكية ستسجل سحبا آخر وذلك للأسبوع الثالث على التوالي.

من جانبه، يقول روبين نوبل مدير شركة “أوكسيرا” الدولية للاستشارات، إن وضع الاقتصاد والطلب الصيني يمكن القول إنهما إجمالا في وضع صحي وجيد رغم وجود عدد من العوامل السلبية التي تقاوم العوامل الإيجابية وتحد من مكاسب النمو، موضحا أنه لا تزال بيانات السفر الصينية قوية، ما يشير إلى أنه رغم الانكماش في نشاط التصنيع فإن الطلب على النفط في مكان أفضل مما كان عليه قبل عام.

وذكر أن الطلب على الديزل في الولايات المتحدة انخفض في الأشهر الأخيرة، حيث يشير الانخفاض في الطلب على الديزل إلى تباطؤ في النشاط الصناعي والشحن وزيادة المخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة بعدما تحدثت شركات النقل والخدمات اللوجستية بالفعل عن ركود في الشحن وحذرت من ركود صناعي.

من ناحيته، يقول ماركوس كروج كبير محللي شركة “أيه كنترول” لأبحاث النفط والغاز، إن تحالف “أوبك+” بدأ مطلع الشهر الجاري في تطبيق خفض إضافي في الإنتاج بهدف امتصاص تداعيات الأزمة المصرفية ومخاوف الركود العالمي وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، لافتا إلى تحذير “أوبك” مرارا من خطر تقويض الاستثمار في صناعة النفط ولذا خفضت الإنتاج لضمان استمرار بقاء أسعار النفط الخام في مستويات صحية ومعززة للاستثمارات خاصة في مشاريع المنبع. وأضاف أن كبار المستهلكين يسعون حثيثا لبقاء أسعار النفط منخفضة خوفا من الضغوط التضخمية، ولذا حاولت الولايات المتحدة بصرامة إبقاء أسعار النفط متراجعة من أجل الحفاظ على أسعار الوقود في مستويات ملائمة للمستهلكين والحماية من التضخم، وذلك من خلال تحفيز شركات الطاقة الأمريكية وتخفيف العقوبات على فنزويلا، لافتا إلى أن روسيا في المقابل تكافح من أجل الحصول على حصتها في السوق رغم تخفيضها الإنتاج 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام الجاري وذلك من خلال المساعدة على دفع الأسعار للأعلى مع بيع نفطها بخصم كبير.

وبدورها، تقول ليز إكسوي المحللة الصينية ومختص شؤون الطاقة، إن الحظر الأوروبي على الإمدادات النفطية الروسية لا يعمل بالكفاءة المخطط لها، حيث أشارت تقارير إلى دخول الإمدادات الروسية إلى أوروبا من خلال المصافي الهندية التي تستورده بكميات أكبر من السابق وتعيد تصديره إلى أوروبا فيما اصطلحت السوق على تسميته “إعادة غسيل النفط الروسي”.

وأشارت إلى أن بيانات دون التوقعات من الصين أعادت إشعال المخاوف بشأن التعافي غير المنتظم في أكبر مستورد للخام في العالم، كما تقلص نشاط التصنيع في الصين بشكل غير متوقع، ما ضغط هبوطيا على الخام الأمريكي، لافتة إلى أزمة التعثر المصرفي الجديدة وهي الثالثة خلال شهرين جددت التوترات في السوق خاصة مع محاول مجموعة “جي بي مورجان” الاستحواذ على البنك المتعثر، لكن إجمالا يمكن التأكد من عودة حالة التوتر بعد اشتعال المخاوف بشأن استقرار المقرضين والسلامة الاقتصادية العامة في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، هوت أسعار النفط نحو 5 في المائة عند الإغلاق أمس بفعل مخاوف اقتصادية في الوقت الذي يناقش فيه الساسة الأمريكيون طرق تفادي التخلف عن سداد ديون، بينما يستعد المستثمرون لمزيد من إجراءات رفع الفائدة هذا الأسبوع.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 3.99 دولار، أو 5 في المائة، إلى 75.32 دولار للبرميل عند التسوية، كما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أربعة دولارات، أو 5.3 في المائة، إلى 71.66 دولار للبرميل.

وهذا هو أدنى مستوى إغلاق لكلا الخامين منذ 24 مارس الماضي كما أنها أكبر خسارة يومية لهما بالنسبة المئوية منذ مطلع يناير.

ولم تتأثر السوق بتقارير عن تراجع إنتاج منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” في أبريل، إذ واصلت روسيا وإيران إيجاد منافذ لصادراتهما من النفط رغم العقوبات.

كما تعرضت أسعار النفط لضغوط بعد أن أظهرت بيانات رسمية الأحد أن نشاط قطاع الصناعات التحويلية في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، انخفض بشكل غير متوقع في أبريل. ويمثل هذا أول هبوط لمؤشر مديري المشتريات بالقطاع منذ ديسمبر. وقال محللون إن عدم وضوح التوقعات الاقتصادية في مناطق أخرى من العالم أثر أيضا في أسعار النفط. وقال تاماس فارجا المحلل لدى بي.في.إم للسمسرة في النفط “الإجراءات التي لا يمكن التنبؤ بها من جانب البنوك المركزية في إطار محاولاتها لترويض أسعار المستهلكين والمنتجين المرتفعة، إلى جانب بيانات وخطوات الدول المستهلكة والمنتجة، ألقت جميعها بظلال طويلة من الشك على الآفاق المستقبلية”.

ومن المتوقع أن يرفع الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى اليوم.

كما يتوقع أن يرفع المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في اجتماعه العادي حول السياسة النقدية غدا. وقد يؤثر هذا الرفع الذي تقوم به البنوك المركزية لمكافحة التضخم في النفط من خلال تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الطلب على الطاقة.

من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 80.03 دولار للبرميل يوم الإثنين مقابل 79.98 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء حقق ثاني ارتفاع له على التوالي وإن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 82.30 دولار للبرميل.

شاركها.
Exit mobile version