استمرت تقلبات أسعار النفط الخام في بداية الأسبوع الجاري مع ميل إلى المكاسب بسبب عودة التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط جراء حدة الحرب في غزة، كما أن نمو الطلب العالمي على الوقود يلقي بظلاله على النظرة المستقبلية للسوق النفطية. وبسبب تخفيضات “أوبك+” تتهيأ سوق النفط الخام لعجز بسيط في الربع الأول من عام 2024، حيث ترى بنوك استثمارية دولية أن ذلك سيضفي بعض الارتفاع على أسعار النفط الخام.
ويقول لـ”الاقتصادية” محللون نفطيون: إن قرارات وزراء الطاقة في اجتماع “أوبك+” أدت إلى تخفيضات “طوعية” إضافية بين أعضاء المجموعة، وقد بدأ الوضع في السوق النفطية يهدأ مع حدوث تقلبات طفيفة في الأسعار.
وأوضح المحللون، أن التخفيضات الإنتاجية الطوعية الجديدة تعني أن الفائض الذي توقعه الجميع للربع الأول من عام 2024 قد اختفى حاليا، وسيكون هناك عجز وإن كان صغيرا. ورجح المحللون أن يكون هناك بالفعل اتجاه صعودي للأسعار يعتمد إلى حد كبير على كيفية قيام “أوبك+” بإلغاء التخفيضات الطوعية، كما يتابع السوق كيفية تطور بيانات الطلب في العام المقبل. وفي هذا الإطار، يقول روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية: إن بيانات الاقتصادات الكبرى هي المؤثر الأكبر على حركة الأسعار في الفترة المقبلة خاصة النشاط الصناعي في الصين وبيانات الوظائف في الولايات المتحدة وقدرة الصادرات النفطية الروسية على التغلب على العقوبات الغربية.
وأشار إلى أن البرازيل تعد إضافة قوية لتكتل المنتجين، ولكن لن تحد من إنتاجها النفطي على المدى القصير رغم انضمامها لمجموعة “أوبك+”، وستظل تقود زيادات مؤثرة من خارج التحالف جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة وجيانا، مشيرا إلى أن الطبيعة الطوعية لخفض الإنتاج الذي قام به تحالف “أوبك+” في اجتماعه الأخير جعل تأثيره على الأسعار محدودا.
من جانبه، يقول ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة: إن “أوبك+” اتفقت في الاجتماع الأخير الافتراضي على تخفيضات طوعية ولكنها قادرة على إجراء تدخلات أكثر حزما في الاجتماعات المقبلة، مشيرا إلى تأكيد شركة “آي إن جي” على أنه إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات في المستقبل فسيتدخل تحالف “أوبك+” بطريقة ناجزة وناجحة كما حدث في فترات سابقة خاصة أزمة كوفيد قبل ثلاثة أعوام.
وأشار إلى أن “أوبك+” هو تحالف قوي، لافتا إلى أن الاتفاقات الودية أو الطوعية تكون مناسبة للصناعة في بعض الفترات، وقد يكون أو لا يكون له أي تأثير على الأسواق ولكن لا يقلل ذلك من أهميتها ومردودها حتى وإن لم يكن فوريا.
من ناحيته، يقول ماثيو جونسون المحلل في شركة “أوكسيرا” الدولية للاستشارات: إن الاستثمارات في السوق النفطية تنتعش مجددا في عديد من الدول المنتجة بالنظر إلى احتياجات الطلب المستقبلي المتنامية، مشيرا إلى أن بيانات رسمية أظهرت أن صناعات استخراج النفط والغاز في كندا وظفت 10.6 مليار دولار كندي (7.85 مليار دولار) من رأس المال خلال الربع الثالث بزيادة 1.68 في المائة عن فترة الثلاثة الأشهر السابقة و12.76 في المائة عن الربع نفسه من العام الماضي.
ونقل عن هيئة الإحصاء الكندية أخيرا أن إجمالي النفقات الرأسمالية لصناعات استخراج النفط والغاز للأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 ارتفع بنسبة 20 في المائة على أساس سنوي، مشيرا إلى أن كندا مثال بارز في هذا الصدد، ولكن هناك انتعاش مواز في استثمارات نفطية في عدد من الدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة وجيانا والبرازيل وفنزويلا والأخيرة تم تخفيف العقوبات الأمريكية عليها لتعزيز الإنتاج وخفض الأسعار.
بدورها، تقول مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة “أجركرافت” الدولية: إن الضغوط الهبوطية اتسعت على العقود الآجلة للنفط الخام بعدما تنامت المخاوف بشأن العرض على أثر اتفاق “أوبك+” الطوعي لخفض الإنتاج، موضحا أنه في المقابل ذكر “ساكسو آسيا والمحيط الهادي” أن “السوق لا تزال مرتاحة لأن العرض سيكون كافيا على الرغم من تخفيضات الإنتاج التي أعلنها “أوبك+” بعد اختتام الاجتماع الوزاري”. وذكرت أن التأثير المتتالي لتباطؤ النشاط الاقتصادي الصيني على الاقتصادات الآسيوية الأخرى أثار قلق المستثمرين أيضا، مشيرة إلى ارتفاع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصيني العام إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، ومع ذلك فإن التوقعات بالنسبة لقطاع الصناعات التحويلية كثيفة الاستهلاك للطاقة كانت مثيرة للقلق.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، عكست العقود الآجلة للنفط مسارها بعد ارتفاع لفترة وجيزة أمس وسط ضغوط مستمرة جراء عدم اليقين بشأن نمو الطلب العالمي على الوقود، لكن مخاطر تعطل الإمدادات بسبب الصراع في الشرق الأوسط حد من الخسائر.
وانخفض خام برنت دولارا إلى 77.88 دولار للبرميل، في حين بلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 73.43 دولار للبرميل منخفضة 64 سنتا، أو 0.8 في المائة.
وهبطت أسعار النفط أكثر من 2 في المائة الأسبوع الماضي بفعل شكوك المستثمرين بشأن مدى تخفيضات الإمدادات التي تنفذها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بما في ذلك روسيا، في إطار مجموعة “أوبك+”، والمخاوف بشأن تباطؤ نشاط التصنيع العالمي.
وكانت تخفيضات “أوبك+” التي أعلنت الخميس الماضي طوعية بطبيعتها، ما أثار الشكوك حول ما إذا كان المنتجون سيعملون بها بالكامل أم لا. والمستثمرون غير متأكدين أيضا من كيفية قياس هذه التخفيضات.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 82.59 دولار للبرميل الجمعة مقابل 85 دولارا للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” الإثنين: إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول تراجع عقب ارتفاعات سابقة على التوالي وأن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 84.16 دولار للبرميل.

شاركها.
Exit mobile version