تلقت أسعار النفط الخام دعما من تجاهل الأسواق المؤشرات الانكماشية في الصين وبحثها عن مزيد من الدلائل على قوة الطلب، علاوة على المخاطر الجيوسياسية التي تحيط بأمن الطاقة في ظل استمرار الحرب في الشرق الأوسط.
ويستعد منتجو تحالف “أوبك +” لاجتماع وزاري موسع نهاية الشهر الجاري لمناقشة وضع السوق النفطية وتحديد سياسات الإنتاج المناسبة، وقد بادرت السعودية بالإعلان عن أنها ستمدد تخفيضاتها الطوعية للإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا من الخام حتى نهاية العام، كما اتخذت روسيا قرارا مشابها.
وتواصل “أوبك” تأكيد الثقة بصحة الطلب على النفط الخام وهو أمر ذو مصداقية كبيرة، حيث إن تحالف “أوبك +” يمثل نحو 40 في المائة من إنتاج النفط العالمي، كما أن الطلب على النفط في طريقه الآن إلى مستوى قياسي سنوي آخر وليس أقل من ذلك، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
ويقول لـ”الاقتصادية” محللون نفطيون “إن صادرات دول أوبك من النفط الخام شهدت ارتفاعا في الشهر الماضي ما ضغط على الأسعار وسط إشارات إلى وجود إمدادات نفطية كافية لاحتياجات المستهلكين”.
وذكر المختصون أن شركات التكرير الصينية تقوم حاليا بتخفيض معدلات تشغيلها بسبب انخفاض هوامش الربح ولأن الحكومة لم تصدر حصصا إضافية لتصدير الوقود، بينما تجري فنزويلا محادثات مع شركات خدمات حقول النفط لإنعاش إنتاج النفط الخام.
واعتبروا أن هناك كثيرا من الشكوك تحيط بقوة الطلب على النفط في المستقبل، مشيرين إلى أن تمديد التخفيض الإضافي بمقدار مليون برميل يوميا ربما يكون اعترافا ضمنيا بأن الطلب على النفط الخام ليس قويا كما توقعت السوق النفطية مسبقا.
وأفاد المحللون بأن الصين تتجه إلى التخلي عن مكانتها في أسواق النفط العالمية للهند، التي أصبحت بسرعة المحرك الرئيس لنمو الطلب العالمي، معتبرين انهيار الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا أدى إلى إيجاد مشهد غامض للطاقة.
وفي هذا الإطار، يقول هيرويوكي كينوشيتا المحلل الياباني ومختص شؤون المصارف والطاقة “إن حالة عدم اليقين هي السائدة بقوة في أسواق الطاقة وتقود إلى تذبذب الأسعار”، مشيرا إلى أن البيانات الاقتصادية الصينية تعد من أبرز العوامل تأثيرا في حركة الأسعار.
وأوضح أنه من الصعب على أي منتج كبيرا كان أو صغيرا السيطرة على جميع العوامل المؤثرة في الأسعار، مشيرا إلى أن تراجع المخاوف من اتساع الصراع في الشرق الأوسط منح أسعار النفط الخام حالة من الهدوء النسبي.
ويشير أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات إلى أن الطفرة السعرية أو علاوة المخاطر في سوق النفط الخام هدأت وسط ضعف الشكوك حول انقطاع الإمدادات في الشرق الأوسط بسبب الحرب في المنطقة، موضحا أنه في البداية أضافت الأسعار بضعة دولارات إلى المؤشرات تحت اسم علاوة الحرب، لكن مع مرور الوقت وعدم حدوث أي انقطاع بدأت هذه العلاوة في النفاد.
ولفت إلى تحول أنظار السوق وتركيبها الواسع إلى البيانات الاقتصادية الصينية، حيث انخفضت الأسعار عندما أعلنت بكين عن انكماش في الصادرات في أكتوبر، منوها بأن هذه البيانات جعلت تجار النفط الخام يعتقدون أن اقتصاد الصين يتباطأ ومن ثم توسعوا في صفقات بيع النفط.
من ناحيته، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة إل إم إف النمساوية للطاقة “إن استمرار الانخفاض في التوقعات الاقتصادية الصينية قد يؤدي إلى تدهور بيانات الطلب ولا سيما مع توقعات صادرة عن صندوق النقد الدولي ترجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 5.4 في المائة ارتفاعا من 5 في المائة في التوقعات السابقة”.
وأضاف أنه “فيما يتعلق بالطلب على النفط في الغرب فقد عقد الاتحاد الأوروبي أخيرا اجتماعا طارئا لمناقشة الوضع الحرج لمخزونات الوقود لديه وإمكانية إنشاء ما يشبه الاحتياطي الاستراتيجي من الديزل”، معتبرا هذا لا يشير إلى انخفاض الطلب على النفط ومنتجاته بل يشير إلى عرض أقل من المطلوب.
وتتفق ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة أفريكان إنجنيرينج الدولية مع أن أساسيات السوق جيدة وحجم الإمدادات يلائم احتياجات المستهلكين -بحسب بيانات أوبك- التي تؤكد أن صادرات “أوبك” آخذة في الارتفاع، وهو الأمر الذي يضغط على الأسعار لأنه يشير إلى وجود إمدادات كافية، ما يبدد المخاوف بشأن النقص في المعروض النفطي.
وأشارت إلى أن صادرات “أوبك” من الخام ارتفعت بنحو مليون برميل يوميا منذ أدنى مستوياتها في أغسطس نتيجة لانخفاض الطلب المحلي موسميا في الشرق الأوسط، حيث يبدو أن الدول المستهلكة للنفط هي أكبر من أن تتمكن من استيعاب هذه الإمدادات.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط، خلال تعاملات أمس، في محاولة لتعويض بعض الخسائر التي لحقت بها خلال الجلستين السابقتين، مع تجاهل الأسواق المؤشرات الانكماشية في الصين وبحثها عن مزيد من الدلائل على وضع الطلب من أكبر مستهلكين للنفط في العالم.
وبحلول الساعة 07:01 صباحا بتوقيت جرينتش “10:01 صباحا بتوقيت مكة المكرمة”، ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم يناير 2024- بنسبة 0.67 في المائة، لتصل إلى 80.07 دولار للبرميل. في الوقت نفسه، زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي -تسليم ديسمبر- بنسبة 0.56 في المائة لتصل إلى 75.75 دولار للبرميل.
يأتي ارتفاع أسعار النفط بعد أن انخفض الخامان القياسيان أكثر من 2 في المائة إلى أدنى مستوياتهما منذ منتصف يوليو الأربعاء مع انحسار المخاوف بشأن تعطل محتمل للإمدادات في الشرق الأوسط وتزايد المخاوف بشأن الطلب الأمريكي والصيني.
وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات التضخم الصينية، الصادرة أمس، أن مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر انخفض بنسبة 0.2 في المائة على أساس سنوي في حين انخفضت بيانات مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 2.6 في المائة على أساس سنوي.
وكان هذا متسقا إلى حد كبير مع استطلاع أجرته “رويترز” توقع انخفاض مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1 في المائة ومؤشر أسعار المنتجين بنسبة 2.7 في المائة.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 84.27 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 86.50 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك أمس، “إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث انخفاض على التوالي، وإن السلة خسرت نحو أربعة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 88.54 دولار للبرميل”.

شاركها.
Exit mobile version