الأذان الجماعي عادة دمشقية وطقس لا تخطئه الأذن في شوارع دمشق القديمة، وطريقة لطيفة يتميز بها الجامع الأموي عن سائر المساجد في العالم الإسلامي اليوم، وله عمق في الوجدان الجمعي السوري لا سيما في شهر رمضان، إذ إن إفطارهم ارتبط به لعقود طويلة ولا يزال.

يجتمع 6 مؤذنين أمام مكبر للصوت داخل غرفة صغيرة في الجامع الأموي الكبير وسط دمشق القديمة، وما إن يحين موعد الصلاة حتى تصدح حناجرهم جماعيا بالأذان، وتقوم هذه العادة على اجتماع 6 مؤذنين عادة، وقد يصل العدد إلى أكثر من ذلك في بعض الأحيان، حيث يبدأ مؤذن بجملة “الله أكبر.. الله أكبر”، ويردد المؤذنون الخمسة خلفه الجملة ذاتها معا بأصواتهم الشجية.

وهؤلاء المؤذنون الستة أعضاء من ضمن 25 مؤذنا يتناوبون ضمن مجموعات على رفع الأذان من الجامع الذي يعد من أبرز المساجد الإسلامية في العالم وشاهدا على عدة حقب دينية وتاريخية.

نشأة الأذان الجماعي

ينسب العديد من الباحثين والكتاب نشأة الأذان الجماعي وإطلاقه في جامع بني أمية إلى شيخ الشام في زمانه عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1731م، لكن نسبة إنشاء الأذان الجماعي إلى الشيخ عبد الغني النابلسي -رحمه الله تعالى- هي نسبة غير دقيقة، فالأذان الجماعي موجود قبله، وهناك من الباحثين من أعاده إلى العهد الأموي، ومنهم من جعله مرتبطا ببدايات الحقبة العثمانية.

وأما ما قام به الشيخ النابلسي هو إضفاء نظام إداري وضوابط فنية على الأذان الجماعي، فهو الذي ألزم المؤذنين بالتزام مقام موسيقي للأذان الجماعي في كل يوم مختلف عن الآخر، فلكل يوم من أيام الأسبوع مقامه الموسيقي الخاص الذي يؤذن به الأذان الجماعي.

وقد أخذ الشيخ النابلسي هذه الفكرة من قانون الأذان العثماني الذي يلزم المؤذنين أن يكون كل أذان من الأوقات الخمسة بمقام موسيقي محدد مختلف عن الآخر، وذلك ليعرف المكفوفون أوقات الأذان ونوع الصلاة التي يؤذن لها، ولا يزال هذا القانون مستمرا في الأذان إلى اليوم في عموم تركيا، بيد أن الشيخ عبد الغني النابلسي جعل المقام الموسيقي لكل يوم مختلفا عن اليوم الآخر ليمايز المستمعون بين أيام الأسبوع من خلال المقامات الموسيقية للأذان.

الخلط بين أذان الجوق والأذان الجماعي

يقع كثير من الإعلاميين والباحثين في خلط كبير تتبناه أقلام كتاب كثر وينتشر في كثير من المواقع الإلكترونية، وهذا الخلط هو إطلاق وصف “أذان الجوق” على “الأذان الجماعي” الذي يتم أداؤه في الجامع الأموي بدمشق، وهنا يتوجب التفريق بين المفهومين، لأن الخلط بهما له أبعاد تاريخية وأبعاد شرعية أيضا.

أما “أذان الجوق” أو ما بات يعرف بعد ذلك “بالأذان السلطاني” فقد بدأ العمل به من عهد الأمويين، كما ذكر السيوطي وابن عساكر وغيرهما، وتحديدا من عهد هشام بن عبد الملك.

و”أذان الجوق” أو “الأذان السلطاني” لا يقوم على فكرة أن يقوم المؤذن بذكر العبارة ثم تقوم جوقة بإعادتها وراءه كما يظن كثيرون، وقادهم هذا إلى توهم أن الأذان الجماعي في الجامع الأموي هو ذاته أذان الجوق.

بل إن “أذان الجوق” يقوم على فكرة أن يقوم 4 أو 5 مؤذنين بأداء أذان واحد بحيث يؤدي كل واحد منهم جزءا من الأذان، فيقول الأول مثلا: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فيقول الثاني: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ويتابع الثالث العبارة التي تليها ثم الرابع وهكذا، فيلقي كل واحد منهم جزءا من الأذان فحسب، فكل واحد من المؤذنين يقول عبارة واحدة من الأذان ليس أكثر، فلا يؤذن أي مؤذن الأذان كاملا بمفرده.

وهذا الأذان بقي مستمرا في عدد من البلدان الإسلامية إلى وقت متأخر، ومنع في بعضها في أوقات مبكرة، وكانت آخر البلاد التي منع فيها “أذان الجوق” هي مصر في عهد الملك فاروق الأول، إذ منع بفتوى من الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر المتوفى سنة 1945م رحمه الله تعالى، وهو القائل: “إن الأذان السلطاني لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

أما الأذان الجماعي فهو أن يقوم المؤذن بذكر العبارة من الأذان، وتقوم مجموعة من ورائه بإعادتها وترديدها بحيث يؤذن كل واحد منهم الأذان كاملا وليس جزءا من الأذان، وقد كان هذا الأذان موجودا من بدايات العصر العثماني في إسطنبول، ثم انتشر إلى عدد من المساجد الكبرى، فكان يؤدى في المسجد الحرام والمسجد النبوي كما كان يؤدى في الجامع الأموي في دمشق، وتوقف في عموم المساجد والبلدان، لكنه بقي مستمرا في جامع بني أمية بدمشق.

ويكمن الإشكال في إطلاق اسم “أذان الجوق” على “الأذان الجماعي” في التباس الحكم الفقهي، فلو رجعنا إلى كتب الفقه لوجدنا عموم المذاهب الفقهية تذهب إلى عدم مشروعية “أذان الجوق” الذي يؤدي فيه كل مؤذن جزءا من الأذان، بينما تقول غالب المذاهب الفقهية بجواز “الأذان الجماعي” الذي يتم تأديته في الجامع الأموي، واليوم يكرر كثيرون عدم مشروعية الأذان الذي يؤدى في الجامع الأموي لأنه “أذان الجوق” الذي ذكره الفقهاء في كتبهم، وهذا غير صحيح، فالإشكال يكمن في تنزيل الحكم على واقعة لا تشبهه وهو نتيجة غياب التصور الصحيح للواقعة وتوصيفها.

ولا يزال الأذان الجماعي يصدح من مآذن جامع بني أمية، فيثير في القلوب حنينا وشجنا رمضانيا غير مسبوق فالأذان الجماعي في الأموي سيبقى علامة فارقة على رمضان مختلف في سوريا على اختلاف مراحل تاريخها من الاضطهاد إلى الحرية.

شاركها.
Exit mobile version