“السارق لا يقرأ، والقارئ لا يسرق”.. ربما هذه المقولة الخالدة التي لا يعرف صاحبها، قد أصبحت في ذمة الماضي الآن. ففي مشهد صادم للمهتمين بالثقافة والكتب، تعرضت أكبر دار للكتب في السودان للسرقة والتخريب، بعدما فقدت كتب نادرة تجاوز عمرها 100 عام.
فـ”الدار السودانية للكتب”، التي تأسست عام 1969 على يد عبد الرحيم مكاوي في مبنى من 3 طوابق بشارع البلدية وسط الخرطوم، وتضم أكثر من مليوني كتاب و55 ألف عنوان في مختلف التخصصات الأكاديمية والدينية والتعليمية، أصبحت هدفا للعبث والسرقة في ظل الفوضى التي تشهدها العاصمة.
وفي حديث للجزيرة نت، كشف مدير الدار السودانية للكتب، أحمد مكاوي، أن المخزن الرئيسي للكتب تعرض لسرقة كمية ضخمة من الكتب المعدّة لتسليمها لأصحابها، مشيرا إلى مفارقة مؤلمة بقوله ساخرا: “الغريب أن اللصوص سرقوا المصاحف والكتب الإسلامية”، مقدرا الخسائر بنحو 300 ألف دولار على أقل تقدير.
وفي يوليو/تموز 2023، انتشر على مواقع التواصل خبر مفاده أن قوات الدعم السريع أحرقت الدار، مما أثار موجة حزن وغضب، وقد تفاعل الكثيرون مع هذه الخسارة العلمية الكبيرة للبلاد، قبل أن يتضح لاحقا أن الحريق أصاب مبنى مجاورا، وأن الدار لم تتضرر حينها.
رغم ذلك، كتبت حينها، ابنة مؤسس الدار “سعاد عبد الرحيم مكاوي”، منشورا لها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، قالت فيه: “حرقوا الدار التي أسسها والدي على مدى عقود، الآن تصل إلينا الأنباء أن التتر قاموا بحرقها، كنا نحبها ونفخر بها، وكان الوالد يكرس لها وقته وجهده”.

كتب من كل العلوم
وقد أضاف مكاوي في حديثه، أن الدار السودانية للكتب تتكون من 3 طوابق، تتوزع على النحو التالي:
- الطابق الأرضي: كتب سودانية، تاريخ، معاجم.
- الطابق الأول: الكتب الإسلامية بأنواعها.
- الطابق الثاني: مراجع أكاديمية في الطب والصيدلة والهندسة والدراسات الإنسانية.
- الطابق الثالث: كتب الأطفال والوسائل التعليمية.
ويقول أحمد مكاوي إن الدار شهدت تخريبا شاملا قبل شهرين، حيث وُجدت الكتب مبعثرة في جميع الطوابق، كما تعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة، شملت تدمير النظام الكهربائي بالكامل، وسرقة المولدات والمكيفات والكوابل. وبدأت الإدارة منذ ذلك الحين أعمال التنظيف وإعادة الترتيب، متوقعة استئناف العمل في غضون أسبوعين.
الواقع القاسي لم يقتصر على دار واحدة، فمعظم دور النشر والمكتبات الكبرى تقع في وسط الخرطوم، المنطقة التي تكبدت خسائر فادحة خلال الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023. وبين التدهور الاقتصادي الذي يجعل الكتاب أقل أولوية للمواطنين وارتفاع تكاليف الطباعة والورق وتفشي ظاهرة تزوير الكتب، باتت دور النشر في السودان تواجه خطر الانهيار.
دار عزة للنشر: خسائرنا لا تعوض
ومن بين الدور المتضررة، دار عزة للنشر التي تأسست عام 1998 بشارع الجامعة، والتي قال مديرها العام، نور الهدى محمد، للجزيرة نت إن الخسائر التي لحقت بهم لا تُقدر بثمن، بعد فقدان كتب ظل يجمع فيها منذ خمسينيات القرن الماضي، بعد سرقة بعضها وتلف البعض الآخر بفعل الأمطار.
وهي كتب نادرة لا يمكن استردادها أو تعويضها، من بينها ديوان شعري للبنا الكبير طُبع عام 1922 في مطبعة حضارة السودان، ولا توجد منه نسخة حتى في دار الوثائق السودانية.
وأضاف نور الهدى أن الدار فقدت أيضا مئات الأصول الرقمية للكتب، والتي كانت مصممة وجاهزة على حواسيبها، كما سُرقت منها آلات الطباعة المتطورة والأثاث، حتى الفرش الأرضي لم يسلم من السرقة.
كما عبر عن ألمه العميق لفقدان نسخ خاصة بالدار، موقّعة ومهداة من كبار الأدباء والمفكرين مثل نزار قباني ومحمود درويش، وكتاب لسكرتير الحزب الشيوعي السوداني الراحل محمد إبراهيم نقد، وكتاب آخر للراحلة فاطمة أحمد إبراهيم مؤسسة الاتحاد النسائي وأول برلمانية في السودان والوطن العربي.
جدير بالذكر أن “دار عزة للنشر” تمتلك رصيدا يزيد على 500 عنوان، إلى جانب شراكات واسعة مع عدد من دور النشر الدولية.