في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تتحوّل مدينة الشارقة بالإمارات إلى مقصد لمئات الآلاف من عشاق الكلمة المقرؤة والكتاب والأدباء والمثقفين من مختلف دول العالم.

في هذا الشهر يقام معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يحتفي بدورته الـ43 وبحفاظه على المركز الأول عالميا للعام الرابع على التوالي على مستوى بيع وشراء حقوق النشر.

وعلى مدى أربعة عقود، أصبح المعرض منصة رائدة لتعزيز التبادل الثقافي والفكري على مستوى العالم، إذ يتجاوز حجم المبيعات في كل دورة حاجز 50 مليون دولار، وهو بمثابة احتفالية ثقافية وأدبية تتيح لعشاق الكتب استكشاف ملايين الكتب وشراءها بأسعار مميزة.

ويوفر المعرض بيئة حيوية تجمع إنتاجا أدبيا متنوعا من مختلف أنحاء العالم، وينظم فعاليات مميزة تشمل توقيعات الكتب وندوات نقاشية وورش عمل، بالإضافة إلى مساحات واسعة لعرض الإصدارات الجديدة.

ويعد المعرض فرصة لالتقاء المؤلفين والناشرين من جميع أنحاء العالم، حيث يعقد جلسات لمناقشة الاتجاهات الحالية في مجال صناعة النشر وإمكانيات التعاون المشترك.

وينظم المعرض العديد من المبادرات المهمة لدعم القراء، ومنها مبادرات تعليمية، ومؤتمر للناشرين، وجوائز لكتاب الإمارات، وجائزة أفضل رواية عربية، وجوائز أفضل كتاب دولي، وجائزة الشارقة للكتاب وجائزة أفضل ناشر، وتهدف هذه الجوائز إلى تشجيع الابتكار في مجال النشر.

ويكرم المعرض كتّابا ومؤلفين وناشرين ممن ساهموا بشكل ملحوظ في إثراء الأدب والثقافة.

وشهد معرض الشارقة الدولي للكتاب تطورا كبيرا منذ تأسيسه على يد حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عام 1982، من حيث اتساع مساحته، مرورا بارتفاع عدد العارضين والناشرين المشاركين، إلى إطلاق العديد من المبادرات والجوائز الثقافية وارتفاع أعداد الزوار لأكثر من مليون شخص في كل دورة.

ويكتسب المعرض أهمية كبيرة في تعزيز القراءة ونشر المعرفة بين جميع الفئات العمرية، في وقت تشهد فيه الثقافة العالمية تحولا نحو الوسائط الرقمية.

جمهور واسع

ومن خلال توفير مئات الآلاف من الكتب من مختلف التخصصات، يلبي المعرض احتياجات القراء من الأدب والفكر والعلوم والتكنولوجيا والفنون، كما يعزز التبادل الثقافي بين الدول، وتغطي ورش العمل التفاعلية والمحاضرات -التي ينظمها المعرض- موضوعات متعددة تشمل الأدب والكتابة والتصميم والابتكار، ويشارك في هذه الفعاليات كتاب وروائيون بارزون، مما يوفر فرصة للجمهور للاستفادة من خبراتهم.

ويتيح المعرض للمؤلفين والكتُاب فرصة لقاء قرائهم وتوقيع نسخ من كتبهم، مما يعزز التواصل المباشر بين الكاتب والقارئ.

ويخصص المعرض جزءا كبيرا من فعالياته للأطفال، حيث ينظم ورشا تعليمية وأنشطة ترفيهية تشجع الصغار على القراءة وتنمي مهاراتهم الفكرية والإبداعية، ويسهم هذا البرنامج في غرس حب القراءة في نفوس الجيل الجديد.

وإلى جانب دوره الثقافي، يلعب معرض الشارقة الدولي للكتاب دورا اقتصاديا مهما، حيث يعزز صناعة النشر ويسهم في تحفيز الاقتصاد المعرفي من خلال زيادة المبيعات والترويج للكتب، كما يسهم في دعم الناشرين والمكتبات والمؤلفين عبر توفير منصة لعرض وبيع منتجاتهم لجمهور واسع.

ويشارك في المعرض مئات الناشرين من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز من التبادل الثقافي بين الدول، وتتنوع دور النشر المشاركة بين الكبيرة والصغيرة، والتي تعرض بدورها كتبا بلغات متعددة، منها العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، مما يجعله ملتقى دوليا للتنوع اللغوي.

 

منصة رقمية ومؤتمر للناشرين

ويحرص معرض الشارقة للكتاب على مواكبة التطورات التكنولوجية في عالم النشر، حيث تم إدراج تقنيات الواقع المعزز والافتراضي في فعالياته.

كما يوفر منصة رقمية للكتب تتيح للزوار الحصول على الكتب إلكترونيا والاستفادة من العروض الرقمية، ويسهم هذا التحول نحو الرقمنة في نشر المعرفة وإتاحتها بشكل أوسع.

وشهد المعرض في دورته الحالية تنظيم الدورة الـ14 من “مؤتمر الناشرين” بمشاركة 1065 ناشرا وخبيرا في صناعة النشر العالمية ومجموعة من الوكلاء الأدبيين وقادة الفكر من 108 دول.

وتحدث في جلسات المؤتمر 74 متحدثا دوليا حول توجهات وابتكارات قطاع النشر، والتحديات التي تواجهه وسبل التغلب عليها، وتسويق المحتوى الصوتي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في النشر، وإستراتيجيات التوزيع الرقمي.

ونظم الحدث ورش عمل متخصصة غطت أبرز موضوعات قطاع النشر، كتسويق المحتوى وإنتاج الكتب الصوتية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وإستراتيجيات التوزيع الرقمي، والاستدامة.

كما نظم المؤتمر الدورة الثالثة من “جائزة الشارقة لحقوق النشر”، التي كرمت المساهمات المتميزة في مجال شراء وبيع حقوق النشر والترجمة، وتعزيز الشركات الدولية في قطاع النشر.

المغرب ضيف شرف

وفي دورة هذا العام من المعرض، يشارك المغرب ضيف شرف، وتقدم برنامجا ثقافيا متنوعا يتضمن 107 فعاليات، يقدمها 100 مشارك من الكتّاب والأدباء والناشرين، منها 17 فعالية ثقافية و36 فعالية فنية و44 فعالية مخصصة للأطفال، إلى جانب عروض مسرحية وأدائية.

ويوفر المعرض للجمهور فرصة استكشاف النتاج الثقافي المغربي وكنوز الأدب المغربي وتاريخه وثقافته وحضارته من خلال الفعاليات الثقافية المتنوعة، والتعرف على الأدباء والمفكرين المغاربة على المستوى العربي والعالمي، إلى جانب الاستمتاع بمجموعة من الأنشطة مثل الندوات والحلقات النقاشية والعروض المسرحية التي تغطي مختلف المجالات الثقافية، بالإضافة إلى 4 آلاف عنوان تعرضها 22 دار نشر مغربية.

ويشكل المعرض منصة لتبادل الخبرات والمعارف بين كبار الفلاسفة والأدباء والمفكرين المغاربة ونظرائهم من مختلف الدول العربية والأجنبية، مما يفتح آفاقا جديدة للتبادل الثقافي، إلى جانب دعم صناعة النشر والتوزيع في المغرب من خلال استعراض الكتب المغربية وتسويقها وتعزيز حضورها في السوق العربية والعالمية.

ويخصص المعرض رواقا بمساحة 189 مترا مربعا لفعاليات المغرب، وعرض مجموعة من المخطوطات النفيسة والمقتنيات المتحفية ولافتات عروض إلكترونية جدارية للتعريف بأبرز معالم المملكة المغربية.

وتضم قائمة الضيوف المشاركين في البرنامج 100 شخصية مغربية مؤثرة، من بينها الدكتور أحمد شوقي بنبين محافظ الخزانة الحسنية بالقصر الملكي، والمؤرخ ومدير مؤسسة أرشيف المغرب الدكتور جامع بيضا، وعميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الدكتور أحمد بوكوس، والباحث ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج إدريس اليزمي، وعالمة الاجتماع والوزيرة السابقة عائشة بلعربي، ومحمد نور الدين أفاية، والأكاديمية والباحثة في السوسيولوجيا الدكتورة رحمة بورقية.

كما يشهد البرنامج مشاركة الروائي محمد الأشعري وزير الثقافة الأسبق والفائز بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، والمفكر عبد الإله بلقزيز، والكاتب عبد السلام بنعبد العالي الفائز بجائزة سلطان العويس للدراسات الإنسانية، إلى جانب أسماء لامعة في مجال البحث الأكاديمي والإبداع الأدبي.

يتناول البرنامج الثقافي موضوعات متنوعة تغطي تاريخ المملكة المغربية وتراثها، وحاضر الثقافة المغربية ومستقبلها، ومنها “المدرسة الفلسفية المغربية والفكر العربي المعاصر”، و”الأندلس المغربية”، و”صناعة الكتاب في المغرب”، و”تجارب قصصية من المغرب”.

برنامج فني

ويتضمن البرنامج الفني مجموعة من العروض الموسيقية والمسرحية والسينمائية، ففي مجال الموسيقى، يقدم الجناح عروضا فنية تنتمي لمناطق جغرافية مختلفة، ومنها عرض فرقة عيساوة التي تقدم أهازيج صوفية في المدح النبوي ذات منشأ مغربي، وعرض فن كناوة ورقصة تاسكيوين، وهما من الفنون ذات جذور أفريقية صنفتهما منظمة اليونسكو ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي.

وعلى صعيد المسرح، تقدم فرقة كواليس الفن والثقافة مجموعة من العروض التي توظف التقنيات المسرحية لتقديم مادة تاريخية تتناول تاريخ التراث والفنون المغربية في جو غنائي وشعري.

وضمن المعرض أيضا، تقام فعاليات الدورة 11 من مؤتمر الشارقة الدولي للمكتبات، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع جمعية المكتبات الأميركية.

ويجمع المؤتمر نخبة من أمناء المكتبات والخبراء والمتخصصين في قطاع المكتبات من جميع أنحاء العالم، تحت شعار “دمج الذكاء الاصطناعي بخدمات المكتبات”، و”تعزيز محو أمية الذكاء الاصطناعي”، ويناقش الدور المركزي الذي تلعبه المكتبات في تعزيز الصناعات الإبداعية والاقتصاد المعرفي.

ويشارك في المؤتمر أكثر من 400 خبير وأمين مكتبة من المكتبات الأكاديمية والعامة والمدرسية والحكومية والخاصة من أكثر من 30 دولة، إلى جانب أكثر من 100 مشارك من المكتبيين الإماراتيين.

ويقول الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري لوكالة الأنباء الألمانية “تعيش الشارقة في هذه الأيام حدثا سنويا عالميا يجمع صناع الكتاب والأدباء والقراء تحت سقف واحد، ليسهموا في تعزيز الثقافة والمعرفة العربية والعالمية”.

وأضاف “يعد معرض الشارقة الدولي للكتاب نموذجا ملهما للتفاعل الثقافي والبشري، وهو جسر يربط بين الثقافات والشعوب من خلال الكتاب والكلمة”.

وتابع بالقول “في كل عام، يجدد المعرض التزامه بتعزيز الثقافة والابتكار، مما يجعله حدثا بارزا على الساحة الثقافية لكل محبي الأدب والفكر، ويسهم في تعزيز القيم الإنسانية وبناء مجتمعات مثقفة تعي أهمية المعرفة في بناء المستقبل”.

شاركها.
Exit mobile version