ولد الشيخ الإثيوبي أمين إبرو سعيد عام 1963 في منطقة هرر الغربية في إثيوبيا. درس علوم القرآن والسنة والأصول واللغة على يد عدد من كبار المشايخ في الحلقات العلمية، مثل: الشيخ إبراهيم خليل، الشيخ أحمد شرف، الشيخ بكري، الشيخ محمد سراج، والشيخ آدم الكاف.

لأكثر من 25 عاما عمل الشيخ في مجال الدعوة، فشغل عدة مناصب مهمة، من بينها مسؤول “الشباب المسلم” في فرعي مدينتي دير دوا وهرر، وإماما وخطيبا للجامع الكبير في دير دوا. كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في فرع مدينة دير دوا، ومسؤول الدعوة والدعاة في إقليم أوروميا. وفي الوقت الحالي، يشغل منصب مسؤول قسم الدعوة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا.

وللشيخ أمين دور في حل الخلافات بين القوميات والقبائل في البلاد وكذلك بين الجاليات الإثيوبية في الخارج. فقد شارك في مئات المحاضرات العامة والدورات العلمية الشرعية، وقدم العديد من البرامج التدريبية في تطوير الذات والحياة الأسرية وفنون التعامل مع الآخرين. كما يتمتع الشيخ بحضور بارز في القنوات الفضائية الإثيوبية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشتهر بحكمته وفصاحته باللغة الأورومية وسرعة بديهته.

إعلان

ويعرف الشيخ بتأثيره في أوساط المسلمين في إثيوبيا، لا سيما في مناطق أوروميا. كما سافر إلى عدة دول حول العالم، وكان حديثنا مع الشيخ أمين بالجزيرة نت فرصة لمعرفة تاريخ الإسلام في إثيوبيا، خاصة في محل نشأته في منطقة هرر، وتقديم فهم أعمق حول كيفية تعزيز التعليم الإسلامي في إثيوبيا ودور الإسلام في التعايش بين الأديان، فإلى الحوار:

  • نبدأ من محل نشأتكم في إقليم “هرر”.. حدثنا عن تاريخ المدينة وتأثيرها الثقافي على توجهكم العلمي والدعوي وفي مسيرتكم الطويلة بالعمل الإسلامي؟

مدينة هرر كانت ولا تزال واحدة من أهم المدن الإسلامية في إثيوبيا، وتاريخها حافل بكونها مركزا علميا ودينيا بارزا في المنطقة. في الماضي، كانت مدينتا “هرر” و”ولو” منبع العلم آنذاك. وخرج من هرر العديد من الدعاة الذين نشروا العلم والدعوة في المناطق الشرقية من إثيوبيا والدول المجاورة. وكانت المدينة تحتوي على العديد من المدارس الإسلامية التي يتدرب فيها الطلاب على علوم الشريعة واللغة العربية.

هرر الإثيوبية.. مدينة تاريخية ما زال إرثها صامدا

وقبل فترة من الزمن، كانت هرر تحت حكم سلطنة إسلامية كبيرة، وتعتبر من أهم وأكبر المناطق الإسلامية في إثيوبيا. لكن مع بداية الحرب العالمية الأولى، تعرضت المنطقة للعديد من التحديات، حيث استولى الأحباش على هذه المنطقة، مما أدى إلى تدمير بعض المعالم الإسلامية المهمة في المدينة. ولكن على الرغم من ذلك، استطاعت هرر الحفاظ على هويتها الإسلامية، ومع مرور الوقت بدأت المدينة تستعيد مكانتها الدينية والثقافية.

وتعرف هرر بالتعايش السلمي بين مختلف المكونات الاجتماعية. حيث يسكن في المدينة المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب في تناغم تام. وهذا التعايش بين الأديان والأعراق يعد سمة مميزة للمدينة، وهي مثال حقيقي على العيش المشترك بين مختلف الطوائف في إثيوبيا.

إعلان

أما عن التعليم في هرر، فلا يقتصر فقط على التعليم الأكاديمي الحديث، بل يمتد ليشمل التعليم التقليدي الذي يتم في حلقات علمية قديمة. يتم تدريس العديد من العلوم الإسلامية مثل الفقه والحديث والشعر العربي في هذه الحلقات، التي تستقطب آلاف الطلاب من مختلف المناطق. إذ يقدر أن أكثر من 20 ألف طالب يتابعون الدراسة في هذه الحلقات في مختلف المناطق. والمدارس التقليدية في هرر مثل “دردوة” و”وادي هارمايا” تهتم بتعليم الطلاب بشكل أكاديمي مع التركيز على تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية (السيرة والفقه)، وهذه المدارس معترف بها من قبل الدولة.

إضافة إلى ذلك فإن هرر من المدن المتحضرة، فقد كان لليمنيين حضور كبير فيها بالعصور السابقة، حيث استقروا في المنطقة وشاركوا في الحركة التجارية والدينية. وقد أسهموا بشكل كبير في الحفاظ على التراث الإسلامي في المدينة. ويذكر أن العديد من المعالم التاريخية والمقابر التي تعود للمسلمين القدامى تظهر تأثيرهم الثقافي والديني في المدينة.

أما اللغة العربية فتعد واحدة من اللغات الأساسية في هرر، حيث يتم تدريسها بشكل مكثف في المدارس والجامعات التقليدية. وكانت العربية أكثر استخداما من اللغات الأخرى في المدينة ويمثل تعلم الخط العربي وفنونه جزءا من العملية التعليمية، حيث يتم تدريس الخطوط المختلفة مثل خط الرقعة وخط النسخ في معاهد هرر.

تمكنت المدينة من الحفاظ على تراثها الإسلامي رغم التحديات التاريخية الكثيرة التي واجهتها، وحافظت على اللغة العربية. ومن أبرز المعالم التي تعكس هذا التراث الإسلامي، المساجد القديمة التي بنيت منذ أكثر من مئتي عام، والتي تميزت بالعمارة الإسلامية العريقة. حتى حينما كانت المدينة تحت سلطة الاحتلال الإيطالي، استمرت في الحفاظ على بعض معالمها الإسلامية. ولا يزال هذا التراث محفوظا حتى اليوم، وتستمر المدينة في التوسع بشكل يتماشى مع الحفاظ على هويتها الإسلامية.

إعلان

وتعتبر هرر مركزا علميا مهما ليس فقط في إثيوبيا، بل في منطقة القرن الأفريقي بأسرها. فهناك العديد من الحلقات العلمية التي يتجمع فيها الطلاب من مختلف أنحاء إثيوبيا وكذلك من الصومال والدول المجاورة، وقد تجد عند الشيخ الواحد أكثر من ألفي طالب أو أكثر. في هذه الحلقات، يدرس الطلاب علوم الدين المختلفة، بما في ذلك الفقه، الحديث، والشعر العربي. وتعد هذه الحلقات مركزا مهما لتعلم اللغة العربية وتدريس الفنون الإسلامية.

  • كيف ترى التعليم الإسلامي في إثيوبيا بشكل عام، بما في ذلك التعليم التقليدي والتعليم الحديث؟

التعليم الإسلامي في إثيوبيا يعكس حياة ثقافية مزدهرة، حيث يعتبر من أقدم الأنظمة التعليمية في المنطقة. ليس فقط في منطقة هرر، بل في أنحاء إثيوبيا ككل، هناك اهتمام كبير بالتعليم الديني والعلمي. وإثيوبيا تحظى بتاريخ طويل في مجال المخطوطات الإسلامية، حيث تحتوي على العديد من المخطوطات القيمة المكتوبة باللغة العربية وكذلك باللغة الإثيوبية المحلية مثل الأمهرية. هذه المخطوطات تشهد على عمق المعرفة الإسلامية وتاريخها في المنطقة، وهي موجودة بكثرة في مكتبات ومعاهد مختلفة في أنحاء إثيوبيا.

ورغم أن إثيوبيا ليست مثل بعض الدول التي تتمتع بطباعة الكتب بشكل واسع، فإن المخطوطات التي كتبها العلماء والباحثون بأيديهم كانت تستخدم في التدريس وكتابة الكتب الدينية والعلمية، وقد أضيفت تعليقات وتحقيقات على العديد من هذه المخطوطات. لا تزال هذه الطريقة التقليدية في الكتابة باقية في مناطق مثل هرر، حيث تكتب المخطوطات يدويا في مدارس دينية ومعاهد علمية.

أما فيما يتعلق بالتعليم الحديث، فقد بدأ يشهد تطورا كبيرا في إثيوبيا، حيث ظهرت العديد من المدارس الحديثة في المدن الكبرى. هناك مدارس حكومية وأهلية تزداد بشكل مستمر، بدءا من مرحلة الروضة للأطفال إلى الجامعات. التعليم الإسلامي في إثيوبيا يعكس تزايدا ملحوظا في الاهتمام بالعلوم الشرعية واللغة العربية، ويترافق ذلك مع إنشاء معاهد ومدارس أهلية متخصصة.

إعلان

من الناحية القانونية، حصل مجلس الشؤون الإسلامية في إثيوبيا على وضع قانوني في النظام الدستوري للبلاد قبل عدة سنوات، مما جعله هيئة رسمية مسؤولة عن شؤون المسلمين في إثيوبيا. هذا التغيير يعتبر انتصارا للمجتمع المسلم، حيث استجاب آبي أحمد رئيس الحكومة لعدد من المطالب التي كان يطالب بها المسلمون منذ فترة طويلة. فقد كانت هناك مظاهرات في الماضي تطالب باعتراف الحكومة بالأعياد الإسلامية ومنح المسلمين عطلة رسمية في أيام مثل عيد المولد، وهو ما تحقق الآن.

بالإضافة إلى ذلك، تم أخيرا الاعتراف بإجازات العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) كإجازات رسمية في إثيوبيا، وكان ذلك مطلبا للمسلمين لأكثر من 40 عاما. كما تدخلت الهيئة الرسمية في قضايا قانونية أخرى تخص المسلمين، مثل الوقائع المتعلقة بالمساجد أو قضايا تتعلق بحرية الملبس مثل قضية حظر الحجاب في تيغراي وبعض المناطق الأخرى. تم التدخل لإيقاف هذه الممارسات ضد حقوق المسلمين، مما يبرز دور الهيئة الرسمية في حماية حقوق المسلمين القانونية والدينية.

  • هل هناك جدل بين التيارات السلفية والصوفية في إثيوبيا، خاصة عند تشكيل المجلس الإسلامي؟ وكيف كان تأثيره على العلاقات بين المسلمين؟

نعم، كان هناك جدل موجود في بعض المناطق الإسلامية في إثيوبيا، حول العلاقة بين التيارات السلفية والصوفية. هذا الجدل كان واضحا خاصة عند تشكيل المجلس الإسلامي. وفي البداية، كانت الصوفية في إثيوبيا متواجدة منذ زمن طويل، وكان مشايخها وعلماؤها من الفقهاء. وفي الفترة الماضية، لم يكن هناك خلاف أو جدل كبير بين التيارات المختلفة، ولكن الأمور تغيرت مع وصول الحكومة الإثيوبية.

فالحكومة الإثيوبية بدأت في تأجيج هذه الخلافات عن عمد، وذلك بتوجيهها لدعم التيار الأحباشي المرشد والأب الروحي لجماعة “الأحباش” من لبنان، الذي كان له تأثير كبير على الصوفية التقليدية في البلاد، مما تسبب في خلق صراع داخل المجتمع المسلم. كان هذا الصراع يعود في جزء كبير منه إلى محاولة محاربة الوهابية التي اعتبرت في ذلك الوقت تهديدا للصوفية التقليدية، وهذا أجج الصراع بين المذاهب المختلفة.

إعلان

ومع تأسيس مجلس الفقه الإسلامي الجديد، تم التأكيد على ضرورة تجاوز هذه الخلافات بين المسلمين. المجلس الحالي يعترف بكل المذاهب الإسلامية ويسعى للوحدة، حيث لا يسمح باستخدام كلمات مثل “وهابي” أو “صوفي” من أجل تفريق المسلمين. يعتبر المجلس الآن مرجعية موحدة تشمل كل الطوائف الإسلامية، مع العلم أن نائب الرئيس الحالي للمجلس ينتمي إلى التيار الصوفي المعتدل.

في الماضي، كان المجلس السابق يميل إلى دعم التيار الأحباشي، ولكن مع التغيير في الهيكل القيادي، انسحب التيار الأحباشي تماما، وأصبح المجلس يركز على تعزيز الوحدة بين المسلمين. ومنذ ذلك الحين، بدأ المسلمون في إثيوبيا في تجاوز هذه التفرقة والتصالح بشكل أكبر، مع توافق في الرؤى بين جميع الأطراف، مما يؤدي إلى توافق أكثر في المستقبل.

  • كيف ترى تطور نضال المسلمين في إثيوبيا من أجل المساواة والتعايش والتنوع في المجتمع الإثيوبي؟ وكيف كان التاريخ السياسي يؤثر على ذلك؟

تاريخ المسلمين في إثيوبيا طويل ومعقد فيما يتعلق بالمطالبة بالمساواة والحقوق، حيث كانت هناك مراحل في التاريخ الحديث شهدت توجها من بعض النخب الحاكمة في إثيوبيا لاعتبار الدولة كمجتمع مسيحي، مما كان يتسبب في تقليص حقوق المسلمين.

في حقبة الإمبراطور هيلاسلاسي (التي امتدت لقرابة 6 عقود)، كان هناك توجه نحو سياسة “دولة واحدة، لغة واحدة، دين واحد”، حيث كان يتم ترويج فكرة أن الدولة الإثيوبية هي دولة مسيحية أرثوذكسية تمثل الكنيسة واللغة الأمهارية. كان هذا التوجه يعكس رؤية أن اللغة الأمهرية والدين المسيحي الأرثوذكسي هما الأساس في الهوية الوطنية الإثيوبية. كانت هذه الرؤية تتجاهل التنوع الديني والعرقي في البلاد، مما أثر سلبا على المسلمين الذين كانوا يشعرون بأنهم مستبعدون في هذه الرؤية الموحدة.

وفي حقبة -الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية (1974 – 1991) وزعيم الطغمة العسكرية الشيوعية منغستو هيلا مريام الذي أشرف على ما عرف بحقبة “الإرهاب الأحمر الإثيوبي”، تغيرت الأمور بشكل كبير، حيث انخفضت هيمنة الكنيسة الأرثوذكسية إلى حد ما، رغم أن الدولة الشيوعية كانت لا تفضل الدين بشكل عام. ومع ذلك، بقيت فكرة إثيوبيا كدولة مسيحية عالقة في أذهان بعض الأشخاص في الكنيسة وفي بعض السياسيين.

إعلان

لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الأمور تتغير. اليوم، يعتبر إثيوبيا مجتمعا متنوعا عرقيا ودينيا، ويعترف بحقوق جميع الأديان والقوميات. كما أن هناك هيئة تسمى هيئة الأديان التي تضم ممثلين عن المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس والطوائف الأخرى، وهي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأديان وضمان التعايش السلمي. هذه الهيئة يتم إرشادها من قبل رئيس المجلس الإسلامي، وتعتبر منصة للتشاور بين الأديان في إثيوبيا.

بالرغم من أن بعض المشاكل السياسية قد تنشأ بين مختلف الجماعات العرقية والدينية في بعض المناطق بسبب النزاعات على الأرض أو الحدود، فإن الفكرة السائدة الآن هي أن جميع الأديان والقوميات متساوية في الحقوق، ولا يوجد دين يرغب في استبعاد أو إقصاء الآخر.

  • هل تتواجد الآن حركة ثقافية وإعلامية باللغة العربية في إثيوبيا؟

نعم، هناك حركة ثقافية وإعلامية باللغة العربية في إثيوبيا، وقد شهدت هذه الحركة تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة. على سبيل المثال، تلفزيون إثيوبيا كان قد خصص قسما للغة العربية منذ فترة طويلة، وقد توسع هذا القسم في السنوات الأخيرة ليشمل المزيد من الصحفيين المتخصصين في اللغة العربية درسوا بالسودان والسعودية وليبيا في كل القنوات الإثيوبية ويوجد قسم للغة العربية في أغلب القنوات.

بالإضافة إلى ذلك، توجد دور نشر وصحف ومجلات تنشر باللغة العربية في إثيوبيا، من أبرزها جريدة “العلم” التي تصدر باللغة العربية وتغطي مواضيع متنوعة. وهناك أيضا صحف أخرى تصدر بشكل دوري وتتناول أخبار المجتمع العربي والإسلامي في إثيوبيا.

وأصبحت اللغة العربية إحدى اللغات المعترف بها في المناهج وفي الجامعات مثل جامعة أديس أبابا، وأصبح هناك قسم للغة العربية بها، وبعض الشباب كونوا هيئة مثل رابطة الصحفيين العرب وصار هناك توسع أكبر في الحضور الثقافي العربي في الساحة.

إعلان

شاركها.
Exit mobile version