لطالما امتدح الروائيون العزلة باعتبارها شرطا رئيسا للإبداع، كما اعتبروا العملية الإبداعية عملية فردية خالصة، بل ذهب بعضهم إلى وجوب اختراع العزلة حتى في قلب الصخب لأنها الطريق الوحيدة السالكة نحو ذواتنا وتأكيدها في العالم، فيروى أن الروائي صامويل باركلي بيكيت كان يجلس إلى صديق عمره الروائي جيمس جويس ليتبادلا الصمت.
ومع ذلك، حفظ تاريخ الأدب والكتابة تقليدا عالميا سمي بالكتابة الثنائية أو كما يسميه الفرنسيون بالكتابة “بأربعة أيد”، وهو الأسلوب الذي يظهر بوضوح في مجال الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي. وقد عرفت هذه الحقول الإبداعية العديد من الثنائيات مثل الثنائي بيير بوالو وتوماس نارسيجاك. ويرجع البعض ذلك إلى أن هذه الحقول تعتمد أساسا على الصنعة من ناحية وعلى القوالب المتكررة من ناحية أخرى.
حفظ تاريخ الأدب والكتابة تقليدا عالميا سمي بالكتابة الثنائية أو كما يسميه الفرنسيون بالكتابة “بأربعة أيد”، وهو الأسلوب الذي يظهر بوضوح في مجال الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي
ولكن ظاهرة الكتابة الثنائية تجاوزت الرواية لتحل في فن العزلة نفسه وهو ما يتمثل في “اليوميات”، لنكون أمام تجربة يوميات “الإخوة غونكور”، وعبرت عالم الأدب إلى الفكر والفلسفة والسينما، ونحسب أن تجربة الفيلسوفين الفرنسيين فيليكس غواتاري وجيل دولوز أهمها في عالم الفلسفة، بينما ظلت التجارب في مجال الكتابة الروائية الفنية نادرة أو تأتي في الغالب على هامش مدونة أو تلوينا عليها.
أما في العالم العربي فنستحضر رواية “عالم بلا خرائط” لعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا إذ نجح الكاتبان في أن ينجزا عملا مميزا بقلمين مختلفين، في حين ظلت تجربة طه حسين وتوفيق الحكيم في رواية “القصر المسحور” غائمة ولم تأخذ حظها من التحليل والفهم، بينما باءت محاولة محمد شكري ومحمد برادة بالفشل وأجهض العمل في مرحلته الجنينية فذهب محمد برادة إلى كتابة روايته الخاصة “الضوء الهارب” التي قال عنها محمد شكري إن نواتها كانت بالأساس فكرة الرواية المشتركة التي لم تنجز.
فاجأت دار الشروق المصرية المشهد الأدبي برواية قصيرة بعنوان “صدى يوم أخير” كان قد ألفها الروائي والناقد المصري الراحل إدوار خراط والروائية والأكاديمية مي التلمساني بين 2002 و2003
ظلت رواية منيف وجبرا المشتركة مثالا لكل من أراد أن يخوض هذه المغامرة حتى فاجأت دار الشروق المصرية المشهد الأدبي برواية قصيرة بعنوان “صدى يوم أخير” كان قد ألفها الروائي والناقد المصري الراحل إدوار خراط والروائية والأكاديمية مي التلمساني بين 2002 و2003، فهل تكون نموذجا جديدا يحتذى بعد خيبات كثيرة عرفتها الكتابات الثنائية العربية؟
اتفاق أم اختيار؟
تكشف الكاتبة مي التلمساني في مقدمتها للرواية أن العمل لم يكن ثمرة نقاش بينها وبين الخراط انتهى بمشروع كتابة مشتركة، بل كان مشروعا لإدوار خراط اختار له شريكا. وهذا التصريح يجعل منه عملا مختلفا عن الكتابات المشتركة، على الأقل في البداية، بل إن إدوار خراط رغم علاقته القوية بمي التلمساني لم يعرض عليها المشروع بل جعل جهة أخرى محايدة تتصل بها وتعرض عليها الموضوع وهي مديرة تحرير مجلة “سيدتي”.
تقول مي التلمساني “ذات صباح رن الهاتف في بيتي بمدينة مونتريال الكندية رنين المكالمات الدولية. وجدت على الطرف الآخر صوتا كنت أسمعه للمرة الأولى، صوت الصديقة هادية سعيد التي كانت آنذاك رئيسة تحرير مجلة سيدتي اللندنية”.
قالت هادية إن إدوار خراط يرغب في نشر رواية مسلسلة بالمجلة، على أن يكتبها اثنان من الكتّاب بالتناوب. قالت إن اختياره قد وقع عليّ لخوض تجربة الكتابة المشتركة معه. وقالت إنه أرسل الفصل الأول وإنها “تتوقع نشر الفصول تباعا بالمجلة في الأشهر القادمة”.
إن هذا الخبر الذي تورده مي عن كواليس إنتاج الرواية في مقدمتها يجعلنا نتساءل: هل كان خراط يتجنّب الإحراج بتكليف هادية سعيد بإخبار مي حتى يترك لها المجال لكي تقبل أو ترفض، أم إن الأمر راجع إلى الطبيعة الاحترافية للكاتب؟
الرواية وعالم الفن والنذالة
تتنزل الرواية منذ فصلها الافتتاحي الذي كتبه خراط في عالم الفن والنحت تحديدا، وهنا نستحضر ما أشارت إليه مي في مقدمتها من أن الخراط كتب عن مجموعتها القصصية الأولى “نحت متكرر” وأبدى إعجابه بأسلوبها وعوالمها. وذلك يجعلنا نفكر أنه السبب وراء اختيار مي للمشاركة معه في الرواية الأخيرة، والذي قد يكون نابعا من قراءته لعملها القصصي، فهذا يجعل اختياره واقعيا، فهو يخوض مغامرة روايته مع كاتبة يعرف جيدا قدرتها في هذه العوالم.
وبالعودة إلى المجموعة القصصية “نحت متكرر” وقراءتها في ضوء الرواية الجديدة، تجعلنا تلك القراءة نكتشف أن مي التلمساني كانت في قصصها تنحت الأجساد وتشيد الأبنية والشوارع وتطلق الأرصفة وترسم النوافذ، لتدخل الضوء وتوزعه في الفضاء، وهذا ما يجعلها مرشحة قوية لهذه المغامرة السردية.
كل ذلك إلى جانب الطابع التجريبي الذي ظهرت عليه قصص مي التلمساني التي قرأها خراط، والتي كتب عنها مقاله “نحت متكرر في كتابة سينمائية” بمجلة “نور” سنة 1996، إذ يقول الخراط “مي التلمساني كاتبة مغامرة لا تتردد في اتخاذ تقنيات تجريبية وغير مألوفة تماما”، ويضيف “على ما يبدو في كتاب مي التلمساني من عناية باليومي المبتذل (The banal)، حزن مضمر غير مفصح عنه تماما يسري في العمل كله، لكنني أحسسته بوضوح، ويمكن بسهولة أن نستقرئه وأن نستدل عليه بأكثر من شاهد نصي، ولعلني أسميه حزن الشعر المضاد للرومانسية”.
كل هذا يجعلنا نصل إلى سبب مقنع للاختيار الذي كان مدروسا من خلال معاشرة الخراط لأعمال مي، خاصة أن الدعوة جاءت إثر صدور رواية مي “هليوبوليس” وتكرس اسمها ككاتبة مرموقة.
فصول روائية أم جولات ملاكمة؟
بدت الكتابة في الرواية ومنذ البداية بصرية منشغلة بالتفاصيل عبر حضور النحات إدريس، كأنما الخراط نفسه يزاوج بين خصوصية النحت والسرد عبر اهتمامه بالتفاصيل بصريا؛ فكلما توغلنا أكثر في الرواية اكتشفنا أسبابا أخرى للخراط ليختار مي من دون بقية الكتاب.
كان النص عبر ما يوحي به فصله الأول بحاجة إلى شجن وصوت أنثوي حقيقي، يعرف كيف يبوح الجسد الأنثوي وكيف يناور، وما كان لكاتب رجل أن يتوغل في كيان الأنثى كما فعلت مي، وهي تقلب مشاعر البطلة ليلى، بعد ليلتها مع الفنان الفظ الذي كسر قلبها ولفظها بكل نذالة ووقاحة، عندما دعته لإكمال المشوار معا ولكنها لم تكن في ذهنه سوى نزوة عابرة.
في الفصل الثاني فككت مي التلمساني شخصية الفنان وخلقت شخصيتين هما ليلى وناهد، وكسرت أفق الانتظار الذي يتجاوز أزمة الطرد والتخلّي، واجترحت صوتا وأسلوبا للشخصية وغمسته في الأسلوب الذاتي الخالص، في إشارة إلى مرجعياتها السينمائية، عبر استحضار محمود ياسين في فيلم “الخيط الرفيع” لوصف الفنان إدريس وتشبيه بطلتها ليلى الصحفية بفاتن حمامة.
لقد توغلت مي الخراط في عالم السينما وكواليسها في الفصل الأول فأربكت النظرة الذكورية الكلاسيكية التي فرضها الخراط في فصله الأول عندما جعل ليلى صحفية تبحث عن سبق صحفي مع فنان شهير، بينما جاءت مي لتورطه في صحفية بملامح نفسية وثقافة مختلفة عن الكليشيه (الشيء المعتاد أو المتكرر).
لقد صحّحت مي في فصلها الأول كل ما يمكن أن توحي به الشخصية كما رسمها الخراط، لتكشف أنها لم تكن الأضعف حتى في اللحظة الحسية، بل كان هو الهش الجريح، وأنها تجاوزت ذلك العجز وغطته بقدرتها الفنية.
تنهي مي التلمساني الفصل الثاني بالإعلان عن راو مصاحب مجهول، يروي الحكاية التي ترويها ناهد عن قصة إدريس وليلى، بتوريط الخراط في فصل جديد، إذ عليه أن ينطلق من ناهد وليس من أحد غيرها. تقول في آخر الفصل “لم تكن تقص حكاية ليلى لمجرد الثرثرة وإجلاء غموض قصة قديمة كدنا ننساها تماما. كانت الدعوة لغرض في نفس ناهد، وها هي الأن تستعد لفتح سرداب حكايتها. هاتي ما عندك يا ناهد!”.
مي التلمساني قد حسمت أمر شرعية وجودها في هذه الرواية كمؤلفة، فهي وإن اختيرت لأداء هذا الدور، فإنها لن تبقى خارج لعبة التأليف بتتبّع خطوات صاحب المشروع إدوار خراط ولم تؤخر ذلك الحضور إلى فصل لاحق، وصارت هي من يضع قوانين السرد
بهذا الفصل تبدو مي التلمساني قد حسمت أمر شرعية وجودها في هذه الرواية كمؤلفة، فهي وإن اختيرت لأداء هذا الدور، فإنها لن تبقى خارج لعبة التأليف بتتبّع خطوات صاحب المشروع إدوار خراط ولم تؤخر ذلك الحضور إلى فصل لاحق، وصارت هي من يضع قوانين السرد.
فكما لو أنها أطلقت لعبة التباري الشعري القديم، تلك التي يبدأ اللاعب اللاحق بآخر حرف من البيت الذي قاله السابق، ليبدأ الخراط بناهد التي تحكي فيستحوذ على أحقية إعلان المكان الذي هو بيت ليلى بالهرم، وعلى الزمان بأن ينزل الأحداث في نوفمبر/تشرين الثاني، والأجواء في حفل عيد ميلاد ليلى الذي يحضره إدريس كآخر الضيوف، كاشفا عن هدية خاصة عبارة عن بورتريه رسمه لليلى، ليفتح الخراط الرواية على أسئلتها الفلسفية بكل وضوح، إن لم نقل بفجاجة.
الفن والأخلاق
يخرجنا الخراط من نمط روائي معين هو الرومانسية الواقعية إلى الرواية الأطروحة التي تناقش فكرة الفن والأخلاق والعلاقة الملتبسة بينهما. فيطلق في الفصل الثالث من الرواية أسئلة من نحو: “كيف استطاع الفنان، وهو الذي بلا أخلاق ولا تورّع، أن يخطّها بتلك المعرفة التي لا يصل إليها الفن؟ كأن الفن يتجاوز الإنسان ولا يعيره أدنى قيمة، كأن الفن وحده، من غير الإنسان، هو القيمة الوحيدة. هل حساسية الفن تنفي وحشية السلوك؟ هل عري الصدق الفني يمحو سفالة العري الخلقي؟”.
يخرجنا الخراط من نمط روائي معين هو الرومانسية الواقعية إلى الرواية الأطروحة التي تناقش فكرة الفن والأخلاق والعلاقة الملتبسة بينهما
يستعين الراوي بقاموس أكاديمي ونقدي صريح كاستعماله لكلمات من نحو “بطريركية” و”ماترياركية” مما يطرح السؤال التالي: إلى أي متلق يتوجه الخراط بنصه؟ ألا يمكن أن يترك القارئ ليصل وحده إلى طرح تلك الأسئلة بأسلوبه وحسب فهمه، دون هذا التدخل السافر للمؤلف متقنعا بشخصية الصحفي؟ هل كان الخراط بذلك الحشد للأسئلة التي تردد أطروحة الرواية يذكر شريكته في العمل بضرورة استحضار ذلك في فصلها التالي؟
لا يمكن أن نغفل في هذا الفصل عن تفصيل صغير، كأن بالخراط يريد أن ينزع الطهورية التي استرجعتها مي لشخصيتها، عندما يكتب ملمحا لمشهد إيروسي خاطف لليلى في عيد ميلادها مع عشيق آخر، هو زميلها حسني، قبيل وصول إدريس بلوحته، وكأنه يعدل الشخصية الروائية، فيقول “في ركن غرفة الجلوس، رأيتها تعتدل فجأة، كان حسني مرتميا نصف مضطجع على الأريكة، كانت قامته المنحنية تنتصب في ولدنة”.
بهذا التعديل المستمر والانحراف المستمر والشطب نكون أمام حقيقة المغامرة الروائية بيدين مختفيتين. إنها مناورة معلنة، خاصة أنه خلافا للكتابات المشتركة التي تصمت على هوية المقاطع ونسبها إلى كاتب دون غيره، فقد فضحت مي التلمساني هوية الفصول الستة منذ البداية، وبتنا نعرف قبل القراءة من يكتب، وصرنا نترصد هذه المناورة الفنية.
في الفصل الرابع تبادر مي التلمساني بتغيير المكان واقتحام فضاء العمل، وترحل بالشخصيات إلى مقر الجريدة، مؤكدة زمن الأحداث التي وضعها الخراط في نوفمبر/تشرين الثاني، لتحاول محاورة هذا الزمن الخريفي سرديا.
ثم تعود بالأحداث إلى ما بعد حادثة الفندق مع الفنان، وكيف استأنفت ليلى حياتها العملية وشروعها في كتابة عمود أسبوعي لصفحة الفن التشكيلي بعنوان “الفنان والصحفية”، وكيف نجح العمود بين أوساط الفن، بما تطرحه فيه من أسئلة متعلقة بالفن، وهي خطوة سردية ناجحة، واجابة إبداعية لتلك الأسئلة الصريحة التي ضخّها الخراط في فصله السابق.
فالحديث عن العمود الصحفي المختص يعطي مجالا للحديث في الفن نقديا، غير أن مي التلمساني لم تغرق في ذلك العالم وحافظت بذكاء على الخيط الحكائي الناظم عندما ترمي جملة مثل “كانت ليلى تنوي عبر هذا العمود أن تفضح إدريس تحديدا، وأن تسخر منه وتعرّي ممارساته الوحشية التي تفوق توقعات الإنسان العادي في ما يخص الفن والفنانين، لكنها بعد نجاح العمود وقرار رئيس التحرير بتثبيته لدورتين متعاقبتين، بدلا من أن تفضح إدريس، فضحت عشقها الصارخ له ولأعماله”.
إن هذه الحركة الفنية خلصت الأسلوب والمصطلحات الأكاديمية من وضعية الإسقاط، وأجابت عن سؤال التلقي وهوية المتلقي، فالرواية في وجه من وجوهها تتوجه إلى فئة معينة، هي ما يمكن أن نسميه “النخبة” التي ستتفاعل مع ذلك الطرح.
ولكنها أيضا تتوجه إلى عامة القراء، وهذا بمحافظتها على سرديتها وحكائيتها التي لم تتخلّ عنها، رغم كل أنواع التجريب التي اختبرت في الرواية، وصارت فكرة العمود تشرع لمثل هذه الأسئلة التي طرحتها مي عبر بطلتها ليلى الصحفية المختصة؛ فتتساءل: “هل الفنان يتجاوز الإنسان ويصبح وحده القيمة العظمى والغاية الأسمى؟ هل حساسية الفن تنفي وحشية السلوك؟ هل بالفن نحيا ونغفر للحياة قسوتها؟ هل الكتابة عن الفن درجة أدنى من مقاربة الإنسان للفن نفسه؟”.
تنهض الرواية على لعب في كل الاتجاهات بالأزمنة والشخصيات والأحداث والمواقف والمصائر. تبدو أحيانا كمقابلة تنس بين غريمين، وأحيانا جولات ملاكمة عنيفة بين خيالين، ومرة لعبة شطرنج بين عقلين حادين
لقد أدخلت مي التلمساني بسؤالها الأخير الرواية في حقل تجريبي آخر هو الحقل “الميتاروائي” وهي تتساءل عن الكتابة عن الفن. وفي هذا الفصل أيضا تناولت مراجعة الخراط لشخصية ليلى في ما يخص علاقتها بحسني، وتسللت إليها من خلال تحليل طبيعة العلاقات الإنسانية والثنائية بين الشخصيات (إدريس وناهد وليلى وحسني).
وحاولت توضيح الفرق بين علاقة ليلى بإدريس الفنان الطائر المنفلت، وحسني الثابت والممل، وهذا ما جعل ليلى المرتبطة أبديا بالفن تصرّ على الاقتراب من إدريس، بينما ذاتها كأنثى تحتاج إلى شخص مثل حسني.
تنازع سري عن أحقية انتساب الرواية
ما يمكن رصده من خلال هذا التناوب بين يد الخراط ويد مي أن مي التلمساني كانت تتلاعب بالزمن أكثر، وتقلب الشخصيات وتجعلها تتشابك وتشتبك مع بعضها أكثر، فأضفى ذلك على الرواية تلك الحركية في الأحداث والعواطف، وهذا ما يشرع لطول فصول مي مقارنة بقصر فصول الخراط الذي كان كأنما ينصب الفخاخ لها في كل فصل.
تنهض الرواية على لعب في كل الاتجاهات بالأزمنة والشخصيات والأحداث والمواقف والمصائر. تبدو أحيانا كمقابلة تنس بين غريمين، وأحيانا جولات ملاكمة عنيفة بين خيالين، ومرة لعبة شطرنج بين عقلين حادين.
كاتب وكاتبة في مواجهة بعضهما بكل جرأة، كل واحد ينصب فخاخا للآخر وهو يتقدم بالسرد. تنازع سري طوال الرواية عن أحقية انتساب الرواية، هل هي رواية إدوار أم رواية مي؟
إنها لعبة خطرة وجارحة، فمع كل فصل يجهز كاتب على آخر أو يدفع به إلى الزاوية. يترنح، يتحمل اللكمة، يستند إلى حبل الحلبة، ثم يعود للنزال؛ لتتابع لأول مرة في الحلبة امرأة ورجل يتلاكمان ولا حكم بينهما.
إنه ذلك المؤجل إلى وقت ما بعد نهاية المباراة التي حدد عدد جولاتها سلفا “القارئ”. ذلك القارئ الذي سيقرأ الرواية اليوم بعد أكثر من 20 عاما من كتابتها، وبعد أن رحل أحد أبطال المقابلة ومهندسها صاحب الحساسية الجديدة إدوار خراط.