على مساحة 117 فدانا بإطلالة كبيرة على أهرامات الجيزة الشهيرة، يعد المتحف المصري الكبير تحفة فنية معمارية وأثرية فريدة، إذ يعد أحد أكبر المتاحف العالمية مساحة، ويضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية متنوعة الحجم والشكل متصلة بالحضارة المصرية القديمة وحدها، يشمل عرض مقتنيات الملك توت عنغ آمون بشكل كامل لأول مرة منذ اكتشافها منذ مئة عام.

والمتحف تبلغ مساحته حوالي 500 ألف متر مربع، ويتضمن عددا من قاعات العرض، تعدّ الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية في مصر، ويعد المتحف صرحًا حضاريا وثقافيا وترفيهيا عالميا متكاملاً بوصفه أكبر متحف يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة بقصد جذب ما لا يقل عن 6 ملايين سائح في العام الواحد.

ويحتوي المتحف على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنغ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر/تشرين الثاني 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مُشيد الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلا عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.

الدرج العظيم بالمتحف الكبير وعليه يقف كبار الملوك وعظمائهم

بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليُشيَّد في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة الخالدة.

ويقول مدير مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير المهندس أيمن هيكل “بدأنا العمل في المشروع في مارس/آذار 2012 واستمر العمل حتى الآن، وخلال 12 عاما من العمل المستمر استطعنا الإعلان عن مولد أكبر متحف في العالم خاص بالحضارة المصرية القديمة، والمتحف ليس متحفا أثريا فقط، بل راعينا في التخطيط والتنفيذ الجانب الاجتماعي في المشروع، ولهذا سيجد زائر المتحف عند الدخول من الباب الرئيسي، الذي يشبه الهرم الكبير، مكانا معدا لقضاء وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء”.

ويضيف المهندس هيكل: قسمنا المبنى إلى جزءين، الجزء الأيسر خاص بالمتحف وكل ما يتعلق بالمكتبات ومتحف الطفل وقاعات العرض ومراكز البحث والترميم، وقاعات الواقع الافتراضي.

وقاعات العرض الدائمة قسمناها قسمين، قسم خاص بالملك توت عنخ آمون حيث سيفتتح قريبا بعد أن نستكمل كل مقتنياته الموزعة على عدد من المتاحف الأخرى، والقسم الثاني يضم القاعات الخاصة بالحقب المختلفة للتاريخ المصري القديم، وعددها 12 قاعة مقسمة على ثلاث حقب تاريخية.

وقاعات العرض التي تم افتتاحها فيها عرض كامل للتاريخ المصري، ويُنتظر افتتاح قاعة الملك توت ومبنى مراكب الشمس، وهو مبنى مستقل يحوي مراكب الشمس التي كانت موجودة في الهرم.

أما الجانب الأيمن من المتحف فهو مبنى الخدمات يضم قاعة مؤتمرات كبيرة جدا والمسرح والمطاعم والكافتيريات حتى يستطيع الزائر أن يقضي يوما كاملا في المتحف.

وأما عن التكلفة الكلية للمتحف فقد تعدت المليار دولار، كلها دعم مصري وبعض المساعدات اليابانية، ويعد المتحف المصري أكبر متحف على مستوى العالم يعرض آثارا فرعونية فقط، بحسب أيمن هيكل.

وحول طبيعة العرض المتحفي التي يتميز بها المتحف المصري الكبير، تقول منسقة العرض المتحفي للمتحف المصري الكبير المهندسة منة هيكل: ما يميز المتحف المصري عن كل متاحف العالم أنه مخصص لحضارة واحدة على مساحة 117 فدانا، وهو ليس متحفا فقط، بل هو متحف ومركز حضاري، حيث توجد المكتبات والمعامل، بالإضافة لمركز الترميمات كجزء من المشروع، وأيضا مبنى كبير للمؤتمرات.

وتضيف أن العرض في المتحف الكبير لم يقصد فقط عرض الآثار، بل قصدنا أن تحكي معروضات المتحف قصة الحضارة المصرية على مر العصور والحقب المختلفة. ولتسهيل تفاعل الزائر مع العرض، يتم سرد أدق التفاصيل، وعرض المعلومات عبر الشاشات التفاعلية التي تنتقل بالزوار من حقبة حضارية لأخرى.

وتضيف المهندسة منة: وزرعنا الآثار في أماكن مختلفة من المتحف. خارج المتحف تقف المسلة المعلقة بارتفاعها الشاهق لجذب أنظار الزائرين قبل دخولهم إلى المتحف، وما إن يطأ الزائر بوابة المتحف حتى يجد نفسه وجها لوجه مع الملك رمسيس الثاني العظيم بهيبته وضخامته وطوله الفارع الذي يبلغ 11 مترا، ليكون الملك في استقبال الزائرين، وبعد المدخل يكون العنصر الانتقالي للدرج العظيم الذي يصحب الزائرين حتى قاعات العرض الرئيسية.

يمتاز الدرج العظيم بوجود التماثيل الضخمة التي تزن مئات الأطنان، بل يصل وزن بعضها إلى 35 طنا، وكان المهم لنا نحن المهندسين أن نعمل على أن يحمل الدرج كل هذه الأوزان الثقيلة.

وتستمر القصة والحكاية من خلال الصورة الملكية، حيث يتم سرد قصة الحضارة على الدرج مع مصاحبة الملوك العظام والآلهة والرحلة إلى الحياة الأبدية، وعلى الدرج أيضا تحكي الآثار قصة أهم الملوك في كل دولة (القديمة والوسطى والحديثة)، وتستمر الحكاية من خلال تسلسل عرض الملوك العظام، ومع صعود الدرج يظهر تمثالان من العصر البطلمي، يرجح أنهما للملك وزوجته الملكة.

ويوصف الدرج بالعظمة نسبة لأهمية الملوك الموجودين عليه وعددهم الكبير وعظمة أوزان هذه التماثيل، فضلا عن أنه يقود الزائرين إلى قاعات العرض للحضارات المصرية المختلفة، ومع نهاية الدرج يبدو المشهد العظيم للأهرامات الثلاثة التي تقف شامخة في مواجهة المتحف.

وتحكي المهندسة منة عن الصعوبات التي واجهتهم في عرض هؤلاء الملوك، وتقول: كانت الأوزان الضخمة هي التحدي الكبير الذي واجه فريق العمل، هل تعلم أن تمثال الملك رمسيس الثاني وحده بلغ أكثر من 83 طنا؟ وتتراوح الأوزان بين 4 أطنان و35 طنا للمجموعة التي تشمل الأعمدة والعتب والبوابات.

والقاعات تعرض عصر ما قبل الأسرات إلى العصر الغغريقي والروماني، والتي تشمل الحقبة الزمنية لمصر القديمة كلها، ومع نهاية الدرج تظهر القاعة المخصصة للملك توت عنخ آمون على اليمين حيث يتم التجهيز لعرض المجموعة الملكية لهذا الملك بالكامل لأول مرة ويبلغ عددها 5 آلاف قطعة. ومع العرض المتحفي يتم سرد وعرض قصة هذا الملك، ومعظم الآثار داخل أوعية زجاجية لحمايتها لحساسيتها الشديدة لدرجة الحرارة والرطوبة والإضاءة. ومع التوغل في القاعة الملكية للملك الذهبي، تحكي القطع قصة الملك وعلاقته بالملوك الآخرين، وقصة اكتشاف المقبرة، وحياته القصيرة ووفاته ورحلة البعث، مع عرض الآثار الخاصة بهذا الملك.

ونصعد مع الملوك إلى الدور المقدسة، حيث كان المصريون القدماء يقدسون ما بعد الحياة، والحياة الأبدية والبعث واهتمامهم بالتوابيت والنواميس، ونبلغ مرحلة الملوك والآلهة أو المعبودات الملوك، ويتم عرض صورة الملك التي تتساوى مع مرتبة الإله، حيث نرى تمثال رمسيس الثاني يقف جنبا إلى جنب مع الإله بتاح.

وكذلك نرى صورة سنوسرت الأول في هيئة أوزوريس الإله (هيئة أوزيرية) حيث الملك مرتبط بالآلهة، ويوجد متحف الطفل حيث يحكي قصة الحضارة بشكل تفاعلي يناسب الأطفال.

وإذا انتقلنا لقاعات العرض الرئيسية التي تم افتتاحها للجمهور يوم الأربعاء الماضي لأول مرة، نجد أن هذه القاعات مقسمة تقسيما زمنيا: دولة قديمة ودولة حديثة ودولة وسطى، وعلى القواعد وداخل الفتارين يتم عرض آثار كل مرحلة تاريخية من حقبة ما قبل الأسرات مرورا بتاريخ الفراعنة حتى تاريخ الرومان واليونان، وكل حقبة ومرحلة تاريخية قسمت لأقسام: المجتمع وهم حياة الشعب، والحياة الملكية التي تخص الحكم، والمعتقدات والديانة القديمة.

وعن بداية الكتابة، تحكي عنها عروض مختلفة تؤرخ لتاريخ الثقافة في العالم. وإذا انتقلنا إلى الدولة الوسطى الملكية، تحكي المعروضات قصة المجتمع وأدواته من مأكل وملبس ومشرب وأدوات الزينة للمرأة، والمعتقدات، وأسلوب الحياة بشكل عام، ثم يأتي دور الدولة الحديثة، حيث تظهر في كل دولة فروق في طريقة الدفن والنحت والحياة.

ويدعم كل هذا شاشات عرض تفاعلية، تحكي قصصا مختلفة لكل حقبة تاريخية محلية ودولية أيضا، مثل حكاية التجارة الفرعونية خلال حكم الملكة حتشبسوت مع بلاد بونت.

وفي قسم المجتمع في الدولة الحديثة، يتم عرض أدوات الأكل وجرار المياه والخمر ووسائل الترفيه والألعاب والأدوات الموسيقية وعروض الأزياء وأدوات التجميل للنساء.

وتتكرر المشاهد أو تتشابه في الحقبة الإغريقية والرومانية، حيث يتم عرض حياة الشعب والملوك، وتبرز العملات كأداة حضارية بعد تطور نظام المعاملات ونظام الكتابة على أوراق البردي.

ويبدو الإبهار في القسم الخاص بالحياة الملكية في عصر الإغريق والرومان حيث يوجد عنصر الغرافيك والشاشات التفاعلية التي تجذب انتباه الزائرين، وهي تتغير من شكل لآخر حسب كل حقبة تاريخية، وعروض عن التأثيرات الأجنبية في الدولة المصرية.

وتشير إلى أنه رغم تحكم الرومان والإغريق في الحياة المصرية القديمة، فإنهم كانوا يحترمون الشعب ويحاولون التقرب منه والتشبه به في بناء المعابد والمقابر.

وحول أهمية المتحف الأثرية والحضارية والتاريخية، التقينا الآثاري محمد جمال عضو اللجنة الهندسية بالمتحف المصري الكبير ومنسق متابعة أعمال العرض المتحفي ونقل الآثار، إذ قال إن “مساحة العرض المتحفي تتجاوز 80 ألف متر، وهو معد بطريقة فنية حديثة، فمع بداية دخولنا للمتحف يقابلنا الملك رمسيس العظيم والملك مرنبتاح، وتمثالان من العصر البطلمي يرجح أنهما للملك بطليموس الثاني وزوجته أرسانوي، ولكي نصل للقاعات لا بد من المرور من الدرج العظيم”.

ويتابع جمال “ندلف من الدرج الذي يعد فريدا في نوعه حيث يعرض عليه آثار ملكية مقسمة إلى أربع حقب تاريخية مقسمة إلى ثلاثة مراحل، وهي: الهيئة الملكية، والدور المقدسة، والملك والمعبودات، ورحلة إلى الأبدية والخلود، وكل هذه المعروضات تعرض بترتيب تصاعدي من بداية الدولة القديمة إلى نهاية العصرين الروماني واليوناني، والملوك على الدرج يقفون وكأنهم في استقبال زوار المعرض وضيوف مصر من السائحين”.

ويردف “وفي نهاية الدرج حيث الارتفاع يزيد عن 10 أمتار، تبرز نافذة زجاجية نرى منها إطلالة المتحف على قمم الأهرامات الثلاثة. ويقصد هذا التصميم الفريد للمتحف المصري لربط المتحف بأهم وأعظم الآثار التي شهدتها البشرية في العالم”.

ويضيف “وعلى اليسار ندلف لقاعة العرض الرئيسية للجمهور، وتتكون القاعات من 12 قاعة عرض بمساحة حوالي 18 ألف متر، وإذا قدرناها للمشاهد فهي تساوي في مساحتها 4 ملاعب لكرة القدم جنبا إلى جنب، تستطيع أن تستقبل في اليوم الواحد ما لا يقل عن 4 آلاف زائر، وتم توزيع الآثار طبقا لقدمها وحتى نهاية العصر الروماني على الأراضي المصرية من خلال التقسيم المتبع، أولا للشعب ثم الملوك وأخيرا المعتقدات والآلهة”.

ويشرح المعرض المتحفي قائلا “الآثار متعددة الأحجام والأشكال، والعرض شامل متكامل استخدمنا فيه أحدث وسائل التكنولوجيا، لوحات وبطاقات شارحة لكل قطعة باللغتين العربية والإنجليزية، لوحات غرافيك وعروض تفاعلية من خلال الملتيميديا بين قاعات العرض والقاعات الأخرى، فضلا عن توفير وسائل الإتاحة لذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، كل هذا موجود في تناغم بصورة جذابة يشهدها العالم في المتحف المصري الكبير”.

والقاعات مقسمة تاريخيا، القسم الأول يبدأ بعرض الآثار من عصور ما قبل التاريخ وحتى نهاية عصر الانتقال الأول، ثم عصر الانتقال الثاني، وعصر الدولة الوسطى، ثم الدولة الحديثة، وكل حقبة زمنية بداخلها ثلاثة موضوعات رئيسية.

العصر القديم يوجد به 30 أسرة يضاف إليها الفترة البطلمية والرومانية والإغريقية في مصر، ومع نهاية الأسرة الثلاثين جاء الإسكندر الأكبر، ثم تلاه البطالمة ثم الرومان، ورغم غزاة مستعمرين فإن رؤيتهم لمصر رؤية خاصة لما تحمله البلاد من إرث حضاري وعقائدي، كما احترموا شعور ومقدسات المصريين، بل إنهم توددوا للشعب المصري احتراما لما خلفته الحضارة المصرية من أسس ومفاهيم مختلفة، بحسب جمال.

شاركها.
Exit mobile version