منذ انطلاقته الأولى اضطلع المسرح الجزائري بتقديم الرسالة الثقافية والترويج للهوية الجزائرية ليظل صامدا رغم التحديات.

ويرى الباحثون أن بدايات المسرح الجزائري، تعود إلى النصف الأول من القرن الـ19، مع ظهور مسرح الظل والعرائس، ليظهر مباشرة بعدها مسرح الحلقة الذي كان ينشطه “المداح” في الأسواق الشعبية والساحات العامة.

وفي هذا الصدد، قال المخرج والأكاديمي الدكتور حبيب بوخليفة، إن الانطلاقة الفعلية للمسرح بالجزائر، كانت سنة 1911م، ضمن مبادرات مجتمعية وثقافية، للدفاع عن “الشخصية الجزائرية الثقافية القاعدية”، مشيرا إلى اتساع رقعة هذه المبادرات المسرحية التي كان لها هدف واحد ووحيد وهو التعبير عن الهوية الثقافية الجزائرية والحفاظ عليها، ليعرف الشعب الجزائري المسرح بمفهوم الجمهور سنة 1921م، عن طريق مسرحية “جُحا” لمؤلفها شيلالي علي المدعو “علالو” والتي أحدثت ثورة وقفزة ثقافية في المجتمع الجزائري، لتتوالى بعدها المسرحيات والتي نجحت في استقطاب جمهور غفير وقتها.

مسرح الاستقلال

وأضاف أنه بعد استقلال الجزائر سنة 1962م، تم تخصيص صرح ثقافي مميز، بأهداف واضحة بحيث أوكلت مهام تسييره إلى المسرحي الراحل مصطفى كاتب (1920 – 1989)، ليكون بذلك ميلاد المسرح الوطني الجزائري الذي اختيرت له بناية ساحة بورسعيد التاريخية التي تعود إلى سنة 1853. ويعتبر الفنان الراحل محيي الدين باشطارزي (1897 – 1986) الذي تحمل اسمه اليوم مؤسسة المسرح الوطني الجزائري، أول من أدخل المسرح الجزائري إلى الخشبة كما أسهم في اكتشاف العديد من المواهب في المسرح ومجالات فنية أخرى.

عبد القادر علولة.. مسرح الناس

وأوضح الدكتور حبيب بوخليفة أن افتتاح الموسم الأول للمسرح الوطني الجزائري كان سنة 1963 بعد تأميمه بعرض مسرحية “أبناء القصبة” من إخراج المخرج، مصطفى كاتب عن نص عبد الحليم رايس، لتتوالى بعدها إنتاجات المسرح الوطني الجزائري بما يقارب 200 عمل مسرحي أثرى به رصيد هذه المؤسسة الثقافية الصامدة إلى يومنا هذا.

وتابع أن فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي شهدت استرجاع العديد من بنايات المسارح وتمت إعادة تهيئتها وتخصيصها لخدمة الفن والفنانين والمواطنين وتوزيع الإنتاج المسرحي في مختلف أرجاء الجزائر، لتبرز بعدها المسارح الجهوية في ولايات عديدة، كما تم بناء مسارح جهوية أخرى عبر العديد من المدن الجزائرية، بهدف الوصول إلى المواهب والقدرات المسرحية وخلق حركية وإبداع مسرحي فعال وحيوي. كما اهتم مسؤولو الثقافة باستحداث العديد من المهرجانات المسرحية الوطنية والدولية إضافة إلى مهرجانات محلية، لتنتج تظاهرات عديدة أهمها أيام مسرح الجنوب، المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بولاية المدية، والمهرجان المحلي للمسرح بسيدي بلعباس، وغيرها.

تحديات العولمة

ويرى المخرج الدكتور حبيب بوخليفة أن المسرح الجزائري اليوم يواجه العديد من التحديات، منها: تأثير العولمة على بعض النشاطات المسرحية مما أفقدها روحها الأصلية “فنجد اليوم مجموعة من العروض التنشيطية أكثر منها فكرية وجمالية داعيا إلى ضرورة بقاء المسرح الجزائري مرتبطا بالمجتمع الذي ينتمي إليه وحيثياته الفكرية والروحية والانتماء العربي الإسلامي”.

وشدد على أن المسرح الوطني الجزائري، مازال في قلب ممارسة الفن الرابع وحمل الرسائل السامية والترويج للهوية الجزائرية، وذلك من خلال تنظيم مجموعة من التظاهرات المسرحية إلى جانب تخصيص دورات وورش تكوينية بتعاون نوعي وعالي المستوى بالتنسيق مع مؤسسات التكوين الفني في شتى عناصر العمل المسرحي إلى جانب ديمومة العروض بإنتاجات مسرحية دورية.

وبالرغم من وتيرة التطور اللافتة التي ميزت مسيرة المسرح الجزائري، فإن هنالك عوامل عدة كانت سببا في تراجع مكانته في السنوات الأخيرة.

ومن جهته، قال الممثل والباحث في الحركة المسرحية عبد الحميد رابية، إن المسرح الجزائري، اليوم في تراجع مقارنة بما كان عليه سابقا، إذ لم تعد المسارح تحقق ذلك النجاح السابق وهذا لعدة اعتبارات من أهمها أن توجهات الشباب تختلف اليوم عن الماضي، خاصة مع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي حجبت الأضواء عن كثير من الفنون التقليدية التي تغنت بها الأجيال السابقة”. كما يفتقر المسرح للترويج ليكون جاذبا للمهتمين فقط، ناهيك عن مشاغل الحياة التي فرضتها العصرنة والوقت الضيق الذي نتج عنها.

شاركها.
Exit mobile version