غزة- خيمة على إحدى نواصي شارع السلام في مدينة دير البلح تلفت انتباهك حين تطأ قدماك البقعة الجغرافية الأكثر ازدحاما في العالم، وبمجرد وصولك يستقبلك “بلال أبو نحل” الفنان الأبكم إلا من الحديث عن حبه لغزة والوطن.

إبداع من رحم الحرب

بلال الذي يبلغ من العمر 26 ربيعًا، والذي لم تثنه ظروف الحرب ولا أزيز الرصاص ولا وابل الصواريخ، ولم يفلت قلمه الذي يرسم فيه لغزة.. واتخذ من جدران خيمته التي يكسوها النايلون معرضًا لرسوماته.

لا يصغي “بلال” إلى الناس ولا يسمع لهمومهم، لكنه يلحظ بقلبه ماذا حل بغزة وأهلها في رحلات نزوحهم وفقدهم لأحبابهم.. فيرسم أوجاعهم بألوان رمادية، بينما كان يلون حكاياهم قبل العدوان بريشته بألوان قوس قزح.

نشأ الشاب “بلال” هاويًا للرسم فبدأ بالرسم على ورق، بينما تطور رسمه إلى اللوحات والنقش على الجدران، وهو يعد أن هذه اللوحات هي أسهل طريقة يخاطب العالم بها وتقربه من الناس.

لوحات قبل وبعد الحرب

كانت اللوحة تأخذ ما بين يوم وعشرة أيام قبل العدوان، فكان يرسم الأطفال يلعبون بين الحدائق، وعلى شاطئ البحر، وبعد العدوان على غزة، أصبح يرسم لوحات بالأبيض والأسود تعبر عن معاناة الناس وقهرهم.

لم يكن الرسم بالنسبة للشاب “بلال” مجرد هواية قبل العدوان، بل أصبح مصدر دخله، فقد أصبح يرسم على جدران الشوارع الرئيسية في غزة، كما يرسم أيضًا “بورتريهات” لشخصيات اعتبارية سطرت بسيرتها أجمل صور العطاء لفلسطين قبل أن تأتي الحرب وتدمر مخططاته وأحلامه.

كمعرض ثقافي يرى النازحون خيمة الشاب الرسام “أبو نحل”، يزورونه وسط اندهاشهم من الرسم تحت وابل الصواريخ تارة، وأن الأنامل التي أبدعت هي لشاب يعاني من عدم التفاعل مع العالم بالكلام تارة أخرى.. فيذهل جميع الزائرين ويلتقطون صورًا للوحاته، كما يلتقطون صورًا لهم كذكرى في خيمة إبداعه، ويشجعونه على استمرار شغفه ويدعمون مواصلته.

بين أزيز الرصاص.. الشاب "أبو نحل" يبدع في خيمته

الخيمة صمود وتحدٍ

“رياض الجايح” هو المتكفل بالفنان “أبو نحل” ببيته، كان حاضرًا جالسًا بجانبه يستقبل زوار الخيمة ويتحدث إليهم نيابة عن “بلال”، يقول وهو ينظر إلى لوحاته: “أبقى مع بلال من الساعة السابعة صباحًا حتى العاشرة ليلًا، أدعمه وهو يخط بريشته لوحاته الإبداعية، مضيفًا: “أنشأت له خيمة الرسم حتى تكون مصدر دخل له في ظل الحرب البشعة التي شنت على قطاع غزة”.

مجدي موسى هو صديق “بلال” الذي يأتيه كل يوم يدعمه ويعزز صموده، يقول وهو يتنقل بين لوحاته: “في غزة كل شيء معدوم، مواهبنا وطموحنا ومؤسساتنا التي تهتم بالفن معدومة في ظل العدوان الهمجي على قطاع غزة”.

وأشاد الشاب الغزي يامن عويضة الذي يزور خيمة بلال الفنية يوميًا، بعمله الفني الذي ولدت موهبته من رحم الحرب، ودعا إلى دعمه لا سيما وأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، كي يتفجر الإبداع في نفس بلال بلوحات تعبر عن مشاعره وأهل غزة.

الثقافة في بنك أهداف الاحتلال

وفي حديث مع مختص ثقافي قال مدرس التربية الفنية في مدرسة خان يونس الإعدادية أحمد الترتوري إن خيمة بلال تمثل شكلًا من أشكال الإرادة والتحدي التي تميز الشعب الفلسطيني والتي يعبر عنها بلال بريشته التي تقاوم بطريقتها الخاصة.

ويضيف الترتوري إن وجود هذا المعرض في منطقة تعج بالنازحين يعطي رسالة لهم بأن الصمود والتحدي هو الخيار الوحيد لهذا الشعب الذي يتعرض لأبشع حروب الإبادة لكنه يأبى الركوع والاستسلام.

كما دعا الترتوري المؤسسات الثقافية في الوطن العربي إلى الاهتمام بهذه الموهبة وتوفير الدعم المادي والمعنوي لها في ظل الظروف القاهرة التي تمر بها المؤسسات الثقافية في القطاع المحاصر، والتي يستهدفها الاحتلال بشكل مباشر ضمن حربه الهمجية على كل ما هو فلسطيني.

يحلم “أبو نحل” بما وراء حدود البلاد الجريحة المحاصرة.. فيتمنى أن يشارك في معارض رسم دولية، يعرض فيها رسوماته ويكون صوت غزة التي حرم شبابها من التحليق خارج أسوارها بسبب الحصار المدقع على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا، بعيدًا عن حمرة الصواريخ التي تملأ سماء غزة.

لم تكن الحركة الثقافية بعيدة عن عنجهية الحرب وعدوانه، فقد كانت مرمى استهدافه، ووفقًا لآخر تقرير أصدرته وزارة الثقافة الفلسطينية، فإن 44 كاتبًا وفنانًا وناشطًا في حقل الثقافة قد استشهدوا خلال الأشهر الأربعة الأولى للحرب، بجانب تضرر 32 مؤسسة ومركزًا ومسرحًا إما بشكل جزئي أو كامل، وتضررت أيضًا 9 مكتبات عامة و8 دور نشر ومطابع.

شاركها.
Exit mobile version