ترجمت حديثاً إلى اللغة السويدية أربعة أعمالٍ أدبية سعودية، وتأتي هذه المبادرة ضمن مشروع «مبادرة ترجم»، التي أطلقتها «هيئة الأدب والنشر والترجمة» في وزارة الثقافة السعودية، «سعياً لتعزيز الحراك الترجمي ونقل محتوى عربي ذي قيمة أدبية وفكرية إلى لغاتٍ عالمية أخرى».

ووفقاً لـ “الشرق الأوسط” يشمل هذا المشروع ترجمة أعمالٍ متنوعة بين الشعر والرواية والقصة القصيرة؛ من بينها رواية «في ديسمبر تنتهي كل الأحلام» للروائية أثير عبد الله النشمي، وكتاب «ومضات سيرية» و«سيرة ذاتية نسائية لكاتبات سعوديات» بإشراف الدكتورة نوال السويلم، وديوان «مقام النسيان» للشاعر محمد إبراهيم يعقوب، وكتاب «في الميزان» للشاعر والأديب حاتم الشهري الحاصل على جائزة ابن عربي للشعر في إسبانيا.

حوار عابر للحدود

يقول المترجم والصحافي السوري عبد اللطيف حاج محمد، عن مبادرة «ترجم»، وتجربته في الترجمة من العربية للسويدية: «لا تقتصر أهمية هذه المبادرة على مجرد نقل نصٍ من لغة إلى أخرى؛ فالترجمة فعلٌ ثقافي يتيح إمكانات جديدة للنص ويُعيد صياغته ضمن إيقاع مختلف… فالترجمة ليست مجرد جسر لغوي عابر للثقافات، بل إعادة تشكيل للنص في سياق جديد، حيث تتلاقى الأصوات المتباينة لتُشكّل رؤية أدبية أكثر شمولاً وتنوُّعاً، وبالنسبة لي، كمترجم ومهاجر، فإن هذا المشروع يمثل أكثر من مجرد تجربة ترجمة، بل هو جزء من رحلتي الشخصية في العبور بين ثقافتين، ومحاولة مستمرة لإعادة تعريف الذات من خلال اللغة».

ويروي عبد اللطيف حاج محمد أنه عندما غادر بلده الأصلي سوريا جراء استمرار الحرب للعيش في مملكة السويد لاجئاً قبل سنوات؛ لم يحمل معه شيئاً أكثر من مجرد حقيبة كانت مليئة بالكتب آنذاك، ولم يعلم بأن هذه الحقيبة ستأخذه لعالم الترجمة. يقول: «حملت لغتي العربية بأكملها، ثقافة معقدة، وأصواتاً تحاول أن تجد صدى آخر في سياق جديد، فالترجمة بالنسبة لي لم تكن يوماً مجرد عملية نقل للكلمات، بل كانت عملية ترجمة ذاتيَّة؛ إعادة تشكيل للهوية عبر إعادة تشكيل النصوص بين العربية والسويدية، إني أجد نفسي في منطقة حدودية، حيث تتقاطع اللغة بالانتماء، والكلمات بالهوية».

وعن أسباب اختياره هذه الأعمال بالذات، يقول: «اخترت (في ديسمبر تنتهي كل الأحلام) للروائية أثير عبد الله النشمي، لأن هذه الروائية تمتلك قدرة نادرة على تجسيد نبض العالم الحالي بأسلوبٍ يجمع بين العمق والإمتاع».

أما بالنسبة لاختياره «في الميزان» للشاعر حاتم الشهري، فيذكر أن جميع الأعمال التي تحمل توقيع حاتم الشهري تمتاز بالفرادة و«كتاب في الميزان» ليس استثناءً لأنه يأسر القارئ منذ بداية الصفحة الأولى، وسبق لي ترجمة ديوانه «أعرف وجه اليأس جيداً». ويقول عن ترجمة ديوان «مقام النسيان» للشاعر محمد إبراهيم يعقوب: «لقد أعاد إلي هذا الديوان إحساسي بالغربة من زاوية مختلفة، حيث تتحول الذاكرة إلى وطن بديل، فكانت ترجمته ليست مجرد مهمة لغوية، بل كانت رحلة شخصية لفهم الحنين، والفقد، والتوق إلى الوطن».

جسورٌ إنسانية

وتُمَثِّل هذه الترجمات محاولة لسد الفجوة بين «الآخر» و«الأنا» بالنسبة للمترجمين المهاجرين بحسب عبد اللطيف، منوهاً بأنها معركة ضد النسيان، كنسيان اللغة الأولى والذكريات والجذور وبالنسبة للقرّاء السويديين، «هي فرصة للتعرّف على عوالم أدبية جديدة ومجتمعٍ يعيش مرحلة تحولاتٍ متسارعة في الزمن الحاضر»، حيث تصبح الترجمة حواراً متبادلاً يثري الجميع، ويُظهر أنَّ الأدبَ قادرٌ على هدم الجدران وبناء الجسور؛ «سواء أكان ذلك عبر قصة ترويها سيدة سعودية في سيرتها الذاتية، أو قصيدة تجوب دهاليز الذاكرة باحثة عن مرفأ للنسيان».

بهذا المعنى، لا تُعدُّ الترجمة مجرَّد جهدٍ لغوي، بل هي عمل إنساني وسياسي واجتماعي في آنٍ واحد؛ إذ تُعيد تشكيل نصوصٍ كانت محدودة الانتشار لتصبح قوة قادرة على تحريك المياه الراكدة، يقول عبد اللطيف حاج ويزيد: «لتحرير الخيال من قيود الحدود اللغوية والثقافية.، وبمثابة دعوة إلى اكتشاف عوالم أدبية جديد، وأنَّ الكلمة حين تُنقل بصدقٍ واحترافية، بإمكانها أن تتجاوز كل القيود وتصنع مساحاتٍ أكبر للتفاهم والتكامل. من هنا. تتجاوز الترجمة بُعدها اللغوي لتغدو حواراً بين ثقافتين».



تم نسخ الرابط

شاركها.
Exit mobile version