“أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية، بغض النظر عن الشعب الذي تنتمي إليه، هو ضرر للتراث الثقافي للبشرية جمعاء، لأن كل شعب يساهم في ثقافة العالم” اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954

هكذا تحدثت اتفاقية لاهاي التي جاءت كرد فعل على الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية لمواقع التراث الإنساني على يد قوات الحلفاء والمحور، إذ شددت على التزام الدول بحماية التراث الثقافي من خلال تدابير صارمة، لكن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان تمثل ما قد يكون أكبر انتهاك للتراث الإنساني والثقافي منذ الحرب العالمية الثانية باستهدافها لبلدان طالما اعتُبرت مهد حضارات العالم القديم.

ويوثق هذا التقرير المطوّل بالصور ومقاطع الفيديو مواقع التراث الثقافي والآثار التي تضررت بسبب الغارات والقصف الإسرائيلي على لبنان، ويستند التقرير إلى تغطية الجزيرة للحرب الإسرائيلية على لبنان، ومراسلي الجزيرة، ومصادر توثيقية أبرزها “برنامج تعليم التراث” ومجموعة “التراث من أجل السلام” (Heritage for peace) بإذن خاص، وأيضا وكالات أنباء بينها رويترز والفرنسية.

مدينة بعلبك

تشتهر مدينة بعلبك اللبنانية بتراثها الثقافي والمعماري العريق والذي يبلغ عمره 3 آلاف عام، إذ تعاقب على حكمها كل من الفينيقيين والبيزنطيين والسلاجقة والأيوبيين والصليبيين والمغول والمماليك والعثمانيين، وأضافت كل حضارة بصمتها الخاصة على المدينة. وعُرفت المدينة الفينيقية بلقب “مدينة الشمس” خلال العهد الهيلينستي. وتعتبر، بحسب منظمة “اليونسكو”، من أبرز نماذج الهندسة المعمارية الرومانية الإمبراطورية في أوج ذروتها.

تُعرف بعلبك أيضًا باسم “هليوبوليس”، وهي تضم مجمعًا رائعًا من المعابد الرومانية، بما في ذلك معبد باخوس ومعبد جوبيتر، اللذان يُعتبران من أبرز المعالم المعمارية في العالم.

وفي عام 1984، أدرجت المدينة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث تُعتبر واحدة من أقدم وأكبر المدن المخصصة للمعابد، وتحتفظ بجاذبية غامضة تستقطب الزوار من جميع أنحاء العالم.

البعد التاريخي والفني لبعلبك اللبنانية

تعرضت المدينة لأضرار كبيرة نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر، ودمَّرت غارة جوية إسرائيلية مبنى يعود للعصر العثماني بالقرب من معابد بعلبك (الخميس 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) وهي أقرب نقطة يصل إليها القصف الإسرائيلي لأحد أهم المواقع الأثرية في لبنان.

وظهرت أكوام من الحجارة الرمادية والمعادن الملتوية بجوار حافلة محترقة على بعد عشرات الأمتار فقط من معابد بعلبك، بعد يوم من الهجوم الذي جاء ضمن موجة من الضربات التي أسفرت عن مقتل 40 شخصا في المدينة وحولها.

وطلب الجيش الإسرائيلي من سكان بعلبك مغادرة المدينة بالكامل. وتضم بعلبك في سهل البقاع أحد أكبر وأفضل مجمعات المعابد اليونانية والرومانية والفينيقية في بلاد الشام.

رئيس المجلس البلدي لمدينة بعلبك مصطفى الشل تحدث للجزيرة نت قائلا “أصيبت القلعة بأضرار جزئية قرب مدخلها حيث سقطت حجارة من سورها الخارجي وتناثرت بعض أقسام من حائط آخر يفصل بين منطقة البساتين وحرم القلعة، وليس بعيدا من القلعة أصابت الغارات معلما أثريا سياحيا هو (قبة دورس) بأضرار كبيرة”.

والتدمير الإسرائيلي لم يقتصر على مواقع ترجع الى الحقبة الرومانية، بل شمل أحياء ومعالم تراثية وسياحية لها تأثير مهم في الحركة الثقافية والاقتصادية المحلية وحتى العالمية.

ويقول الشل “المؤسف في سلة الخسائر التي أصابتنا ذلك الخراب الذي حل بمنشية بعلبك، والمنشية بناء أثري يرجع إلى الحقبة العثمانية، وهي كانت قبلة السائحين، توازي في دورها أهمية الحركة السياحية في القلعة”.

ويؤكد الدكتور المهندس خالد الرفاعي رئيس قسم الترميم والحفاظ على المواقع الأثرية في المديرية العامة للآثار بوزارة الثقافة عدم وجود أية أضرر ظاهرة للعيان وسط حرم قلعة بعلبك. وأوضح في حديث للجزيرة نت “أن عمليات القصف الجوي أحدثت انهيارات في أجزاء غير متينة في سور خارجي يقع ضمن منطقة الحماية وهو قريب من مدخلها”

وأبدى خشيته من استمرار القصف على مواقع قريبة من القلعة “لأنها تحدُث ارتدادات تحت أرضية قد تتسبب بانهيارات لبعض الأجزاء ذات الإنشاءات الضعيفة أو تلك التي تحتاج الى ترميم”.

والاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر على مواقع أثرية وأبنية سكنية في المدينة بل طاولت أيضا كنائس للطائفة المسيحية تقع وسط ما يعرف ببعلبك القديمة وعنها قال الرفاعي: “إسرائيل استهدفت المنشية التاريخية ومعها ثلاثة كنائس للطوائف المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية ودير ماروني وهي معالم أثرية مجاورة لأوتيل بالميرا وللمنشية ولمدخل القلعة ما أدى إلى وقوع أضرار كبيرة”.

وقالت مايا حلبي رئيسة قسم الإعلام في مهرجانات بعلبك الدولية إن أضرارا لحقت بـ3 مواقع تعود إلى العصر العثماني، من بينها ثكنة غورو وفندق بالميرا العريق المشرف على القلعة التاريخية ومنزل دمّر قبله بيوم، بسبب الغارات الإسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية.

وأضافت أن “الأكروبوليس حيث تقع المعابد على بعد أمتار قليلة” فحسب لم تلحق به أضرار حتى الآن مضيفة أنها تأمل ألا يكون قد وقع أي ضرر.

ووفقًا لتغطية الجزيرة والتقارير الإخبارية، سقطت الصواريخ بشكل أساسي غرب أنقاض المعبد وشمال رأس العين. كما أن أنقاض مسجد المعلق (القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين) في رأس العين معرضة للخطر أيضًا بسبب موجات الانفجارات.

وقد ذكرت بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي تأثر العديد من الأماكن التراثية والتاريخية المهمة بالقصف:

  • واستهدف قصف إسرائيلي المنطقة المجاورة لموقع للتراث الثقافي بالقرب من أنقاض معبد باخوس الروماني القديم في بعلبك.
  • وتداول رواد مواقع التواصل تضرر قبة دورس الأثرية في بعلبك جراء قصف إسرائيلي.

تلك القبة التي شيدت في القرن الثالث عشر الميلادي وبُنيت باستخدام مواد رومانية متهدمة خلال العصر الأيوبي وتقوم على 8 أعمدة من “الغرانيت الأحمر” وتقع على يسار مدخل مدينة بعلبك الجنوبي، وتمثل تراثا لبنانيا مهمًّا. وتم حفر العديد من التوابيت الرومانية في دورس في نهاية التسعينيات، واكتُشف جزء من تل استيطاني يعود إلى العصر البرونزي في عام 2018، والذي تم حفره بواسطة المعهد الأثري الألماني.

تعرضت قبة دورس لأضرار بالغة بسبب موجة الانفجار الناجمة عن غارة جوية في 14/15 أكتوبر/تشرين الأول 2024. وقد تضررت أعمدتها وبدأت الحجارة تتساقط من أعلى القبة، ولا يمكن توضيح مدى تأثير الهجمات الصاروخية على الآثار القديمة مثل “تل الاستيطان” الذي يعود إلى العصر البرونزي إلا بعد إجراء تحقيقات في الموقع. كما أصيب في المحيط نفسه العديد من المنازل ودُمرت في ضربات لاحقة.

  • وتضرر السور الروماني التراثي لقلعة بعلبك جراء غارة إسرائيلية أخرى استهدفته بشكل مباشر. 

إذ استهدف الجيش الإسرائيلي السور الروماني المحيط بثكنة “غورو”، مما أدى إلى مقتل 3 لبنانيين وإصابة 17 آخرين، وفقًا لوكالة الأنباء اللبنانية. يُعتبر هذا السور جزءًا من القلعة ويشكل امتدادًا لبوابتها الشمالية، كما أنه مُدرج ضمن قائمة الأبنية الأثرية لعام 1936.

كانت ثكنة “غورو” تُستخدم كموقع عسكري إستراتيجي، حيث تتيح رؤيتها إشرافًا على مناطق شاسعة في البقاع اللبناني. وقد استغلها الجيش الفرنسي خلال فترة الانتداب، واستمر الجيش اللبناني في استخدامها بعد الاستقلال عام 1943.

وفي بعلبك التي تشكل رمزا للهوية اللبنانية وتلقب “مدينة الشمس”، يبكي مسؤولون محليون وسكان حال مدينتهم التي نزح سكانها منها وهجرها عشرات الآلاف من السياح الذين اعتادوا زيارتها والاستمتاع بعظمة معابدها الرومانية الضخمة.

ولم يتوقع السكان ضربات قريبة من القلعة. ويقول سهيل رعد، أحد سكان المدينة ممن فوجئ باستهداف المنطقة التاريخية ودمارها “آخر ما فكرنا فيه أن تُستهدف المنطقة لأننا كنّا نعتقد أنّ لها حرمتها وحصانتها كما أنّها الأكثر أمانا”.

بكلمات مقتضبة، يصف محمّد شرف وهو متخصص في الفنون وعلم الآثار، الوضع بالقول “نحن أمام مشهد مريع بالفعل، وخصوصا أن الضربات طالت المنطقة الأثرية التي كنّا نخشى عليها”.

مدينة صور

تُعتبر مدينة صور اللبنانية “ملكة البحار” واحدة من أقدم المدن في التاريخ، حيث تمتد جذورها إلى آلاف السنين، فقد تأسست حوالي عام 2750 قبل الميلاد. تقع على الساحل الجنوبي للبنان، ولعبت دورًا محوريًا في الحضارات القديمة، بدءًا من الفينيقيين الذين أسسوا فيها مراكز تجارية مهمة، وصولًا إلى الرومان الذين أضافوا إليها لمسات معمارية رائعة.

تُعد المدينة جزءًا من التراث الثقافي العالمي، حيث أدرجت أيضا ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو.

تتميز صور بموقعها الإستراتيجي الذي جعلها مركزًا للتبادل الثقافي والتجاري بين الشرق والغرب. وتشمل معالمها الأثرية المذهلة معبد “أشكليون” وميناءها التاريخي، مما جعلها موطنًا للعديد من الفنون والعلوم.

لا تتجلى أهمية صور في آثارها القديمة فحسب، بل أيضًا في ثقافتها الغنية وتاريخها المتنوع، مما جعلها رمزًا للتعايش والتسامح على مر العصور.

استهدفتها سلسلة غارات للطيران الحربي الإسرائيلي للمرة الثانية وقصفت عدة أحياء فيها عقب تهديدات أطلقها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، لإخلاء 4 شوارع رئيسية في مدينة صور.

مدينة بيروت:

بيروت هي العاصمة السياسية للجمهورية اللبنانية وأكبر مدنها. بُنيت من قبل أهل جبيل قبل 4 آلاف سنة، وما لبثت أن كبرت وعمرت بالسكان وأصبحت مملكة مستقلة على الساحل الذي كان يُعرف باسم فينيقيا، وأول إشارة لمدينة بيروت تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث ذكرت في رسائل تل العمارنة المسمارية.

ويوثّق تقرير لمؤسسة «تراث من أجل السلام» تعرّض المنطقة الجنوبية أو الضواحي الجنوبية لمدينة بيروت لدمار هائل في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024. ويؤثر الضرر على جميع مكونات الأحياء، بما في ذلك المباني الدينية، والمساحات الثقافية، والذاكرة القديمة والحديثة للمكان.

  • تدمير أحياء كاملة بالضاحية الجنوبية في بيروت يعود تاريخها إلى الفتح العربي:
  1. حي الشياح: كانت الشياح قرية مسيحية في الماضي، لكنها الآن مأهولة جزئيًا بالشيعة، الذين أصبحوا أقرب إلى العاصمة لأسباب اجتماعية واقتصادية. وهي اليوم حي مكتظ يبلغ عدد سكانه حوالي 60 ألف نسمة. خلال الفترة العثمانية، كانت القرية عبارة عن أراضٍ زراعية وبساتين حمضيات، مجاورة لحارة حريك والغبيري والحدث والحازمية وفرن الشباك وعين الرمانة. ويُفسَّر ذلك بوجود نوع معين من الأشجار اللازمة لإنتاج الحرير. التراث الثقافي فيه هو تراث غير متجانس، يتألف بشكل أساسي من المباني السكنية ذات الهندسة المعمارية العادية، وبعض المباني الدينية والكنائس والمساجد. تم تشييد المباني الحديثة التي يمكننا وصفها بالرائعة خلال فترة تطور بيروت وازدهارها الاقتصادي. وامتدت بساتين المدينة في الماضي إلى البحر الأبيض المتوسط. وهي اليوم جزء من ضواحي بيروت ذات الكثافة السكانية الهائلة.
  2. حي الليلكي/الغبيري: وهي مناطق سكنية كثيفة ناتجة عن تقسيم السهول الزراعية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. تقع عند سفح التلال الخضراء في الشرق، بجوار منطقة المطار في الغرب. والمناظر الطبيعية الحضرية الموجودة في تلك الأحياء مذهلة. وتتميز بوجود بعض المباني الحديثة الرائعة من الفترة التي سبقت حرب 1975، ومنازل فردية من فترة أقدم من ذلك ومبان عادية جديدة. ويتخللها مساجد من الفترة العثمانية.
  3. حي حارة حريك: هي حي شعبي في الضاحية الجنوبية، والتي تخضع إداريًا لقضاء بعبدا. نشأت هذه الحارة من قرية في السهل الزراعي الواقع بين المطار إلى الغرب باتجاه البحر الأبيض المتوسط ​​وتلال بعبدا. يعبر الحي محور طريق رئيسي يربط بعبدا بالبحر، وهو ما يتوافق مع حدودها الشمالية. تم تجاهل هذا الحي أثناء إعادة إعمار بيروت بعد عام 1996. ومع ذلك، فقد خضع لإعادة الإعمار بعد الغزو الإسرائيلي في عام 2006. تراثها ديني إلى حد ما، حيث توجد بها كنائس تعود إلى الفترة التي سبقت الحرب الأهلية عام 1975، ومن المرجح أنها بنيت على بقايا أماكن دينية مثل غيرها من المواقع في الشرق الأوسط. وثقافيًا، تعد حارة حريك مركزًا ثقافيا للضواحي الجنوبية.
  4. مقبرة الباشورة: هي مقبرة قديمة، وكان أهل بيروت يسمونها “قبر عمر”. تضم المقبرة رفات العديد من المشاهير من عهد الخلافة العثمانية، فمنها قبر والي سوريا “أحمد حمدي باشا” الذي يقع بجوار سور المقبرة، ومن بين الرؤساء اللبنانيين الذين دفنوا فيها رئيس الوزراء الأسبق شفيق الوزان، ورئيس حزب النجادة الأسبق عدنان الحكيم. ومن أهم آثارها الفريدة، بواباتها الأربع، اثنتان منها تقعان على طول السور الغربي. وكانت مقبرة الباشورة في البداية عبارة عن سد ترابي كبير، لكنها سُوّرت عام 1892 للحفاظ على حرمة قبور المسلمين. وبعد أن قررت الحكومة في أوائل القرن العشرين توسيع طريق الباشورة، اضطرت بلدية بيروت إلى نقل بعض القبور إلى داخل المقبرة، ومن بينها قبر “الوالي”.

تراث النبطية

تعرض سوق النبطية اللبناني لعدوان إسرائيلي أسفر عن تدمير جزء كبير من تراثه الثقافي والتاريخي. ويُعتبر السوق نقطة التقاء حيوية، ويتم فيه تبادل الأحاديث والبضائع يوميًا. وكل حجر به يحمل قصة عائلة ويعكس تاريخًا يمتد لأكثر من قرن.

ويعد السوق من بين أقدم الأسواق في الجنوب اللبناني، حيث يعود تاريخه لأكثر من 4 قرون. ويقع وسط مدينة النبطية على بعد حوالي 60 كيلومترا من الحدود الفلسطينية، ويشكل مقصدا لأبناء الجنوب وسكان مختلف المناطق اللبنانية.

تضم الأسواق الرئيسية القديمة في الساحة 12 مبنى سكنيا تاريخيا و40 متجرا من أواخر القرن التاسع عشر. كانت ساحة العمارة العثمانية، وهي ساحة مهمة للاقتصاد والتجارة المحلية منذ 150 عامًا، تُعرف باسم “سوق الاثنين الشعبي” الذي كان موقعًا تجاريًا نشطًا يعود إلى العصر المملوكي، وكان السوق بمثابة مركز للمنتجات الزراعية والحرفية، حيث يوفر السلع الأساسية للمزارعين ويقف كشهادة على التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للنبطية.

  • فيديو للسوق قبل تدميره بشكل كامل:

يروي كل متجر في السوق قصة ماضي المجتمع. ومع ذلك، فإن التدمير الإسرائيلي الأخير لأجزاء من السوق يدل على أكثر من مجرد هجوم على الهياكل المادية؛ فهو يمثل اعتداء على التراث الثقافي ومكون حيوي للذاكرة الجماعية. دمر الاستهداف محلات تاريخية مثل “حلويات الديماسي” و”فلافل أرناؤوط” و”كنافة السلطان” ومكتبات شهيرة، والتي كانت أماكن للالتقاء والنقاش.

ولم يكن الهجوم مجرد استهداف للأبنية، بل شكل اعتداء على الذاكرة “النبطية” التي تجسد تاريخ المدينة وحياة أهلها.

 

المنازل التراثية القديمة:

تستمر الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القرى اللبنانية، مذكّرة إيانا بمأساة فلسطين منذ النكبة. فكما فعلت في فلسطين، تقوم هذه الاعتداءات بقصف الأحياء والبيوت القديمة التي تحمل تاريخًا وثقافة غنية، والمبنية من الحجر الصخري المقصّب، بما تحمل من ذكريات لأجيال عديدة.

فاختفت معالم بعض بيوت تلك القرى القديمة والتراثية التي تحمل رائحة الأجداد تحت غبار القنابل ودمِّرت كثير من الأشجار المعمّرة، مثل أشجار الزيتون والبُطُم التي حملت الكثير من ذكريات الناس في تلك القرى، في محاولة بائسة لإبعاد الشعب عن جذوره وطمس ذاكرته.

  • منزل شاهين بالنبطية: هو منزل ريفي تقليدي عمره 150 عامًا، وقد أصبح مركزًا ثقافيًا في النبطية. ويرتبط العديد من السكان المحليين مع المنزل وذكرياته. وقد أدت الصواريخ إلى تدميره بالكامل، كما يمكن رؤيته في هذه الصورة.
  • بيت فاضل بالنبطية: يقع هذا المنزل التقليدي في النبطية
  • منزل حاروف: فيديو يوضح آثار الغارة التي استهدفت حاروف من قرى قضاء النبطية في محافظة النبطية وأسفرت عن تدمير أحد أقدم المنازل التراثية فيه والذي يفوق عمره الـ100 عام إضافة إلى تضرر عدد كبير من البيوت الحجرية القديمة في الحي.

المساجد والكنائس

كنيسة “القديس جاورجيوس” بدردغيا: بُنيت هذه الكنيسة قبل 150 عامًا بدردغيا (قضاء صور جنوب لبنان)، وجرى ترميمها مؤخرًا. وأصاب قصف إسرائيلي صالون الكنيسة وقاعاتها، تلاه استهداف منزل بالقرب من الكنيسة ثم قصف ثالث لمركز الدفاع المدني في دردغيا القريب من الكنيسة، حيث قُتل 5 من عناصر الدفاع المدني.

  • مسجد كفر تبنيت: يعود المسجد إلى العهد العثماني، وله مئذنة وقاعات صلاة مختلفة. وقد طال الدمار المئذنة ومبناها، فضلًا عن عدد من المباني في محيطه، مما أدى إلى تدمير مئذنته بالكامل وتسبب في خسارة تاريخية فادحة.
  • مسجد النبي شعيب في بليدا:

أقدم وأول مسجد في جبل عامل، وهو مسجد غاية في الإتقان ويعد بناء أثريا رائعا.

كان المسجد في البداية معبدا وثنيا (قبل قرابة ألفي عام)، ثم تحول إلى معبد مسيحي، وبعد الفتح الإسلامي صار مسجدا.

احتله الفرنجة بعد سيطرتهم على جبل عامل وحولوه إلى حصن لعسكرهم، وبعد طرد الفرنجة أعاده المسلمون مسجدا.

أعيد ترميمه في سنة 2003 وفقا لمعايير البناء التراثي مع الحفاظ على معالمه الأثرية القديمة.

  • مسجد ومقام النبي بنيامين بن يعقوب (محيبيب):

تعرّض مسجد ومقام النبي “بنيامين” في بلدة محيبيب لسلسة غارات إسرائيلية في عام 2023، ثم عمدت إسرائيل في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى تفجيره مع الحي السكني الذي يجاوره.

حيث استهدف القصف الإسرائيلي حيا كاملا في قرية محيبيب في النبطية جنوب لبنان، وتحتضن القرية مقاما تاريخيا يُعتقد أنه لبنيامين بن يعقوب عليه السلام، وفقا لسكانها. وتذكر بعض المواقع أن المقام الموجود في القرية يعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام، وهو مزار ديني ومقام تراثي وتاريخي في جبل عامل.

  • ومساجد في عدة قرى حدودية أخرى

 

مطالبات بحماية التراث

وفي ضوء الغارات الإسرائيلية الكثيفة التي تطال جنوب لبنان وشرقه، ناشد أكثر من 100 نائب الخميس 7 نوفمبر/تشرين الأول 2024 منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) حماية المواقع التاريخية، في نداء يسبق اجتماعا طارئا تعقده المنظمة في باريس بشأن تراث لبنان.

ويضمّ لبنان 6 مواقع مدرجة على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، بما فيها آثار رومانية في مدينتي بعلبك وصور، اللتين تتعرضان منذ أسابيع لغارات إسرائيلية كثيفة ألحقت أضرارا جسيمة بمحيط المواقع التاريخية.

وأورد النواب الممثلون لغالبية الكتل في البرلمان اللبناني في رسالة موجهة إلى المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، “نناشدكم ونلفت انتباهكم إلى ضرورة ملحة: حماية المواقع التاريخية في لبنان، لا سيما في بعلبك وصور وصيدا وغيرها من المعالم الثمينة التي تواجه خطرا كبيرا نتيجة تصاعد الفظائع”.

ودعوا أزولاي إلى “إعطاء الأولوية بشكل عاجل لحماية ذه المواقع التاريخية، من خلال تعبئة سلطة اليونسكو، وتأمين الانتباه الدولي، والدعوة لاتخاذ التدابير الحمائية كافة”.

وجاءت الرسالة قبل ساعات من إعلان اليونسكو عزمها عقد اجتماع طارئ الشهر الحالي في مقرها في باريس، ينظر في أمر 34 موقعا ثقافيا، ولفتت المنظمة الى أن “تصعيد الأعمال العدائية الجارية في لبنان يشكل مخاطر جدية تهدد بإلحاق أضرار لا يمكن ترميمها بالتراث الثقافي والطبيعي العالمي للبنان، فضلا عن المواقع ذات الأهمية الثقافية والتاريخية”.

وشدّدت على أنّ الضربات “في محيط مواقع التراث العالمي قد تتسبب بأضرار بسبب هشاشة بعض المعالم”.

وكانت المنظمة أعلنت مع بداية الحرب أنها “تتابع عن كثب تأثير الصراع المستمر على موقع التراث العالمي في صور” باستخدام أدوات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية.

وأفادت بأنها تقدم دعما للمديرية العامة للآثار في لبنان من أجل حماية التراث الثقافي المنقول. ويشمل ذلك جرد القطع الأثرية في صور وصيدا وبعلبك ونقلها وتخزينها بشكل مناسب في مواقع تعد “أكثر أمانا” في لبنان.

وحذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، -قبل أيام- من الخطر الذي تشكّله الحرب على مواقع أثرية ولا سيما في مدينتي بعلبك وصور.

وكتبت على منصة إكس “تواجه مدن فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ خطرا شديدا قد يؤدي إلى تدميرها”.

وخلال اجتماع مع سفراء الدول الخمس الكبرى في بيروت الاثنين، حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أن “الهجمات على مدن مثل بعلبك وصور أدت إلى تهديد مواقع تراثية وثقافية لا تقدر بثمن”.

ودعا إلى “وقف فوري لإطلاق النار لوقف العنف العبثي وحماية التراث الثقافي لبلادنا” مطالبا “مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية هذه الكنوز التاريخية التي لا تشكل جزءا من هويتنا الوطنية فحسب، بل إنها تحمل أيضا أهمية باعتبارها معالم تاريخية عالمية”.


  • يستند هذا التقرير لتغطية الجزيرة للحرب الإسرائيلية على لبنان واستند أيضا -بإذن خاص- لتوثيق “برنامج تعليم التراث” ومجموعة “التراث من أجل السلام” (Heritage for peace)، وأيضا وكالات أنباء بينها رويترز والفرنسية.
شاركها.
Exit mobile version