يسعى رئيس بلدية بلغراد لإزالة قبر الزعيم الشيوعي تيتو -الذي أبقى يوغوسلافيا موحّدة على مدى عقود- من العاصمة الصربية، في خطوة أشبه بإزالة ضريح لينين من الساحة الحمراء في موسكو.

ينوي القومي ألكسندر سابيتش إعادة رفات تيتو، زعيم المقاومة خلال فترة الحرب الذي حرر البلاد من النازيين، إلى بلده الأم كرواتيا، رغم أن قبره في متحف يوغوسلافيا يجذب 120 ألف زائر سنويا.

ويصر سابيتش على أنه ينبغي إزالة قبر تيتو إذا أرادت صربيا “تجاوز الشيوعية”، ويريد تسليم ضريحه إلى متحف مخصص للتاريخ الصربي.

ويقول رئيس البلدية إن “النظام الشيوعي لم يأت بأي شيء جيد بالنسبة للشعب الصربي”، ويفضّل نصب تمثال لزعيم مثير للجدل من فصائل تشيتنيك التي قاتلت ضد تيتو خلال الحرب العالمية الثانية.

وأحيت الدعوة الجدل بشأن فترة الاحتلال الألماني الدامية، عندما قاتلت مجموعتان متخاصمتان من المعارضة النازيين، رغم أن الأمر انتهى بعديد من فصائل تشيتنيك متعاونة مع قوات دول المحور.

في النهاية، انتصرت القوات الشيوعية المنضوية في “جيش التحرير الوطني” -بزعامة تيتو- على فصائل تشيتنيك الملكية والقومية التي أُعدم زعيمها دراغوليوب ميهايلوفيتش عام 1946 بتهم ارتكاب جرائم حرب والتعاون مع النازيين.

أعادت حكومة صربيا القومية لاحقا تأهيل فصائل تشيتنيك من خلال قانون يعود إلى عام 2003 يساوي بين الحركتين. وأُلغيت الإدانات بحق ميهايلوفيتش عام 2015 في حين رفض القضاة المحاكمة الأصلية على اعتبار أنها “سياسية”.

ولم يطرح رئيس البلدية حتى الآن غير فكرة إزالة القبر، في حين تقدّمت قرية كومروفيتش الكرواتية حيث ولد تيتو باسم جوزيف بروز عام 1892، بطلب لاستعادة رفاته إذا لم تعد بلغراد تريده.

تيتو في يوغوسلافيا

كما تسعى عدة بلدات ومدن في البوسنة والجبل الأسود لاستعادة رفاته، في مؤشر على “النوستالجيا” التي ما زالت تحيط بتيتو في يوغوسلافيا السابقة التي انهارت بعد عقد على وفاته عام 1980.

لكن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، مؤسس حزب سابيتش، يبدي حماسة أقل للتخلي عن رفات تيتو، على اعتبار أن القبر جزء من إرث البلاد.

وأفاد المؤرّخ ميلوفان بيساري لوكالة الصحافة الفرنسية بأن خطوة رئيس البلدية المثيرة للجدل كانت خطوة أخرى ضمن معركة أيديولوجية طويلة بشأن إرث الحرب العالمية الثانية المتنازع عليه.

(FILES) A security staff walks past the tomb of Josip Broz Tito (1892–1980), former President of communist Yugoslavia, at his resting place inside of the "House of flowers", located in the Museum of Yugoslav History in Dedinje neighborhood, in Belgrade on April 30, 2020. - Belgrade's tourist hotspot, the Museum of Yugoslavia, is at risk of losing its most visited site – the resting place of socialist Yugoslavia's President, Josip Broz Tito, due to decades-long ideological disputes. The city’s nationalist mayor, Aleksandar Sapic, publicly called for moving Tito's grave to his native Croatia, despite it attracting over 120,000 visitors annually, arguing that the Belgrade needs to "move away from communism". (Photo by Andrej ISAKOVIC / AFP)

وقال في إشارة إلى ميهايلوفيتش “إنها ببساطة استمرارية لما بدأ قبل نحو 20 عاما، عندما دخلت هذه الأيديولوجيا القومية الجديدة المؤسسات ونجحت في تحويل متعاون إلى شخص مناهض للفاشية”.

وطلب سابيتش بالفعل إذنا لنصب تمثال للزعيم في فصائل تشيتنيك قرب إحدى ساحات بلغراد الرئيسية، ويسعى أيضا إلى إزالة قبور 4 مناصرين للشيوعية من أكبر حديقة في البلاد.

لكن فويسلاف، حفيد ميهايلوفيتش، وهو نائب عن حزب المعارضة المؤيد للملكية، وصف جهود سابيتش بأنها “غير صادقة” و”قائمة على التلاعب”، متّهما الحزب الحاكم باستغلال جدّه لتحقيق مكاسب سياسية.

تحولات بلغراد

وقال فويسلاف ميهايلوفيتش الذي ينظر إلى تيتو -مثل عديد من الصرب- على أنه دكتاتور، “بينما أؤيّد بالكامل فكرة (نصب تمثال)، أُشكك في نواياهم الحقيقية”.

وازدادت شعبية حركة تشيتنيك مع انهيار يوغوسلافيا تسعينيات القرن الماضي، إذ تبنّت بعض المجموعات الصربية شبه العسكرية ألقابا ورموزا مرتبطة بفصائل تشيتنيك، بل وحتى اللحى الطويلة التي تميّز أعضاءها.

وقبر تيتو ليس الرمز الوحيد ليوغوسلافيا السابقة المعرّض للتهديد في العاصمة الصربية.

وستحل ناطحة سحاب فخمة جديدة على ضفاف نهر الدانوب وكازينو ومرسى محل “فندق يوغوسلافيا” الشهير الذي كان في الماضي رمزا وطنيا.

يخطط أيضا جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، لتشييد فندق فخم آخر في موقع مقر الجيش اليوغوسلافي السابق الذي تضرر بشكل كبير جراء قصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) لبلغراد عام 1999.

ويهدف النمط المعماري للبناء الخرساني المكشوف إلى التذكير بأخدود على نهر سوتيسكا، حيث حقق جيش التحرير الوطني اختراقا مهما ضد القوات الألمانية عام 1943.

وفي إطار الحرب الثقافية أيضا، أفاد رئيس البلدية بأنه يرغب في تعيير لون حافلات بلغراد الجديدة من الأحمر “الاشتراكي” إلى الأزرق الذي يرمز إلى سلالة نيمانيتش العائدة إلى العصور الوسطى.

بالنسبة إلى بيساري، تعد التغييرات محاولة لمحو كل آثار يوغوسلافيا وكل ما مثّلته. لكن المؤرخ يصر على أنه “لا يمكن أن تمحى يوغوسلافيا من ذاكرة الناس”.

شاركها.
Exit mobile version