طوفان الأقصى كما أسمته المقاومة الفلسطينية، أو حرب السيوف الحديدية كما أطلق عليها الجيش الإسرائيلي، أو معركة السابع من أكتوبر وفقا للعقلية العربية المولعة بربط الأحداث بتواريخها وتسميتها بها، كي لا ننسى، كي تبقى الذاكرة متقدة على مدار السنين، أيا ما كانت المسميات فإن أحلاها وأبلغها توصيفها بالطوفان الذي سيقتلع الصهاينة الذين لا جذور لهم في تراب فلسطين الطاهر ولو بعد حين.

منذ عام كامل وعيون العالم موجهة إلى غزة الجريحة، والطوفان يأبى أن ينحسر قبل أن يجرف بطريقه أدران الصهاينة، ويرميها في بحر الخذلان الذي غرقت فيه كرامة الأمة العربية والإسلامية منذ أمد بعيد.

يقولون إن طوفان الأقصى عملية عسكرية ممتدة، ويغفلون عن كونها تمتد فوق جثة العروبة، ويقولون شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية الحرة من التبعية لذيول القوى الكبرى التي تتحكم في ترابنا ومستقبلنا ومصيرنا مذ رضينا بالذل والهوان، ومذ تركنا العزم يفلت من أيادينا بحجة السعي وراء الحرية والاستقلال المزيف للبلاد العربية. ويغفلون عن أن تحرير أرض فلسطين كاملة واجب على كل حر مسلم أو عربي.

ويقولون إن الطوفان ابتدأ في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت الموافق للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، ويغفلون عن أن الصباح وعد رباني بولادة فجر جديد أطل على العالم بوجه الحقيقة الثابتة التي لا جدال فيها، ففلسطين لنا للمسلمين والعرب من أهلها، وترابها يلفظ كل معتد أثيم.

كان طوفان الأقصى ردا على تدنيس الإسرائيليين للمسجد الأقصى، وردا على الانتهاكات الصهيونية في باحات المسجد الأقصى، وردا على وحشية الإسرائيليين في تعاملهم مع الفلسطينيين المواطنين المرابطين رباط عز وكرامة في القدس والضفة وغزة وفي كل ذرة من التراب المحتل من فلسطين الحبيبة.

إن طوفان الأقصى ليس محض عمل عسكري فحسب، بل هو يقظة وطوفان وجداني وعمل فدائي حضاري، يستنهض التاريخ والهمم، ويعزف على أوتار الحنين إلى التراب المقدس، ويتجاهل جبروت السياسة العالمية وعجرفة السياسيين، إنه ملحمة العصر التي تسطر في صفحة التاريخ خلود الروح الإنسانية المتوثبة لنيل حريتها ولي ذراع غاصبها ومحتلها.

والأدب بشقيه شعرا ونثرا لن يترك حدثا عظيما مثل طوفان الأقصى يمر من دون تأريخ أدبي يحفظ للأجيال القادمة من بعدنا ذكرى خالدة خطتها بنادق الأبطال فرسان الأقصى، بكلمات من عز وفخار. فالقضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في صفحات الأدب الذي كتب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ليفضح الإرهاب الإسرائيلي ويعري زيف الإنسانية والعالمية الشوهاء التي تدعيها قوى الاستعمار الغربي الغاشم، وازداد حضور القضية الفلسطينية في الأدب قوة وبهاء بعد الانتفاضة الفلسطينية في آخر الثمانينيات. فانبرى الشعراء والقصاص والروائيون إلى تناول القضية من جوانب عدة، لا سيما جانبها الإنساني وآثارها في حياة الفلسطينيين عامة.

شاء القدر أن يحمل الفلسطينيون هم الأمة ويواجهوا امتحانها بوجوه سافرة مدججة بنظرات الإصرار والعزيمة، فكان معظمهم على قدر حمل هذه الأمانة، لكن خذلان الأمة الإسلامية والعربية قوض كثيرا من قدراتهم، وتركهم وحدهم في غياهب الجب يقاومون سفالة العالم ويحاربون عدوا قذرا لا يعرف للحق وجها، عبد لكل ما يرضيه ويخدم مصالحه، وكأنه بث في هذا العالم للظلم والطغيان والتعذيب والتنكيل.

دواوين وقصائد شعرية خاصة بتوثيق ملحمة طوفان الأقصى

اعتاد الشعراء والأدباء العرب تدوين أحزان الأمة ونكباتها، حتى صاروا ينبرون إلى ذلك على عجل وكأنهم في سباق مع الوقت المنتظر لتحقيق النصر أو نيل الشهادة. وهم فيما يكتبون يأملون أن يستنهضوا الهمم ويحيوا القيم ويوقظوا من ﴿ألقى السمع وهو شهيد﴾، وبمثل حماسهم في كل جيل تبادروا إلى تأريخ أحداث طوفان الأقصى شعرا ونثرا، فرثوا الشهداء ونددوا بجرائم الاحتلال الصهيوني ومجازره التي يرتكبها في حق الفلسطينيين المدنيين، وأشعلوا شمعة أمل بالنصر والخلاص.

فالشاعر السوري فرحان الخطيب تناول في مجموعته الشعرية “صهيل في مرابع الدم” أفكارا تحاكي طوفان الأقصى وتؤرخ لسيرورة المقاومة والكفاح في الشعر العربي، فجاءت بعض قصائده تحمل عناوين مثل “طوفان الأقصى” و”من غزة إلى الشاعر محمود درويش” و”القدس”. وكذلك الأديب عبد الفتاح إدريس الذي كتب تراويد فلسطينية اعتمد فيها بعض الكلمات العامية، وقد جاءت إحداها تحت عنوان “أسقط في يدي”، تحدث فيها عن الشباب الفلسطيني الذي يخرج من منزله من دون وداع وينطلق للقاء الأصحاب المجاهدين، فيعود إلى أسرته شهيدا جميلا محملا على الأكتاف.

أضخم الإنتاجات الأصلية وقصص توثق أحداثا قلبت التاريخ.. عام على الطوفان حصريا على منصة الجزيرة 360

جاء طوفان الأقصى على ما يوازيه من آلام الفلسطينيين شفاء لغليل الشرفاء في الوطن العربي، ومنهم الشاعر اليمني سامي العياش الزكري الذي قال في قصيدته “طوفان الأقصى”:

طوفان أقصانا أسر خواطري

وشفى الغليل من العدو الماكر

دهس العدو بنعله ومشى على

أشلائه طوفان بحر زاخر

كم سرني هذا وكم طربت له

نفسي وكم هتفت بذاك حناجري

فجرٌ يشعشع من نوافذه لنا

ضوءا تتوق له شموس هواجري

ويتمنى الشاعر الزكري لو أنه يستطيع مرافقة المقاومين في معاركهم، فيحمل بندقيته ويقاتل إلى جانبهم:

يا ليتني في صفهم متقدما

نحو العدو ببندقي وذخائري

إما نشردهم ونحصد جمعهم

حصد السنابل بالشريم الباتر

أو نلتحف بالموت أكفانا لنا

حلما لندفن في التراب الطاهر

وتحت العنوان ذاته “طوفان الأقصى” يشحذ الشاعر العراقي حميد حلمي البغدادي همم الأبطال المقاتلين، ويؤيد سعيهم بالكلمة التي قصرت القوى عن غيرها، فيقول:

يا غزة اشتدي على الأعداء

وتحزمي بالمجد والعلياء

يا غزة الأبطال أعلام الفدا

صبرا فإن الفتح للأصلاء

طوفان أبناك الأباة علامة

لمسيرة لن تنكفي لوراء

فجهادهم يأبى الخنوع وعندهم

نيل المنون غنيمة النجباء

فثرى فلسطين السليبة نهضة

تفضي إلى التحرير والإجلاء

ويل لمن خان الأمانة وارتضى

حكم اليهود وسطوة الدخلاء

يحيا بنو الأقصى وغزة إنهم

أمل لكل عزيمة وإباء

ها نحن اليوم في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2024، وقد انقضى عام على المقاومة واشتعال جذوة طوفان الأقصى، ولا يزال إخوتنا الفلسطينيون يرزحون تحت وطأة القصف والقتل والرعب والتهجير والتنكيل، وتعجز وتقصر قوانا عن غير الدعاء والمساندة عن بعد إذعانا لقوانين السياسة العالمية الدخيلة على ديننا وإسلامنا وعروبتنا ووجداننا. نتساءل عما إذا كان للكلمة أثر حقيقي في تخفيف الشعور الذي يحيط بإخوتنا الفلسطينيين من خذلان وترك وانكفاء… ما نسينا وما تركنا وما تراجعنا وما اعتدنا، والله غالب.

انتصرتم وانتصرنا بكم باستدامة المقاومة، وانتصرنا بفضلكم وصمودكم في وجه أعتى قوى الأرض، ووثقنا كثيرا من بطولاتكم وتضحياتكم التي قدمتموها أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا. إن مرور عام على صمودكم وسام نصر نعلقه على صفحات السماء في تاريخ الأمة، فقد صبرتم وقاومتم وكافحتم وصمدتم حتى اليوم رغم ما يستخدمه الصهاينة من تقنيات حديثة في أسلحتهم وأدواتهم وأساليب القتال المتطورة التي يستعينون بها على حجز أماكنهم في قاع جهنم يوم يقوم الحساب.

تسابق الشعراء وسعيهم لتوثيق ملحمة الطوفان وتأريخها في ديوان جماعي

في سياق التوثيق الشعري للمقاومة الفلسطينية صدر ديوان عن دار الخليج للنشر والتوزيع في عمان بعنوان “طوفان الأقصى”، أعده وحرره كل من صلاح جرار والشاعر سعيد يعقوب، ويضم الديوان بين دفتيه 230 قصيدة لـ230 شاعرا من شعراء الوطن العربي وشاعراته، وكلها تنطق بانتصارات المقاومة الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني وجهاده، وتسعى إلى تخليد هذا الحدث وهذه الملحمة النضالية في صفحات التاريخ المشرقة للأمة الإسلامية والعربية.

وقد كان الإقبال على المشاركة في هذا الديوان من الشعراء المعاصرين كبيرا وواسعا، ويدل ذلك على عمق الجرح الفلسطيني لدى أبناء الأمة ورغبتهم في تضميده من جهة والافتخار به من جهة أخرى، كما يعكس نبض الشارع العربي ووحدة الروح العربية التي يحاول الغرب إقناعنا بشتاتها وهوانها وغيابها.

عسى أن يكون للكلمات شعرا ونثرا أثر دافئ في قلوب المجاهدين والمرابطين الصابرين في فلسطين الحبيبة وغزة الجريحة، فالأدب كما كان دوما رديف الحياة يدون ما فيها من جمال ويحفظ ما فيها من مآس ويخلد ما فيها من بطولات وتضحيات تسطر بدماء الأبرياء في كثير من الأحيان، والأدب سلاح البعيدين العاجزين عن الالتحاق بالصفوف الأمامية للمقاومة، وفيه تسلية للصابرين وتصبير للتائهين بين دفات الحياة وسطور الأيام.

نختار من قصيدة الشاعر حيدر محمود التي تصدرت هذا الديوان الأبيات الآتية:

قدرٌ أن تسيل منك الدماء
يا عروسا خطابها الشهداء
لست أرضا، كسائر الأرض،
لكنك في أعين السماء سماء
من هنا تبدأ الطريق إلى الله
وقد مر من هنا الأنبياء

ومن قصيدة الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة قولها:

نبكي جراح الأمس والأقصى غد

فالنور من رحم القتامة يولد

يا للفلسطيني كيف نظنه

يتنفس الصعداء إذ يتنهد

عزمٌ يذيب الصخر بارودٌ إذا

نار المعارك أخمدت يتورد

ومن الشعراء المشاركين في هذا الديوان الشاعرة الفلسطينية نيفين عزيز طينة التي ربطت الحدث العظيم بزمن حدوثه ربطا جميلا في قصيدتها، فقالت:
تشرين والطوفان والقدس

وحمية الصاروخ والبأس

يومٌ يزف المجد فيه لنا

مستبشرين كأنه عرس

نحن الذين تضافرت معنا

جندٌ من الرحمن لا الإنس

ومن شعراء مصر شعبان البنا الذي عبر عن خروج أيام طوفان الأقصى من التقويم وحساب الأيام فقال:

من كل زاوية شهيدٌ يصعد

وبكل ناحية ضحى يتولد

في غزة الأيام تحسب نفسها

خرجت من التقويم لا تتردد

من العراق.. تأريخ بنكهة الوجع العراقي لملحمة الطوفان

وعلى الصعيد الشخصي لكثير من شعراء الوطن العربي نجد زخما كبيرا واسعا من الأشعار والقصائد التي تسابقت في وصف طوفان الأقصى والحديث عن تفاصيله وتصوير دقائقه عزة وشرفا في حين، وأسى وألما على جراح إخوتنا الفلسطينيين في حين آخر، فها هو الشاعر العراقي مصطفى الركابي يسلي غزة عن مصابها ويذكرها بأنها مفخرة للعرب والمسلمين على مر العصور والأيام، إذ يقول في قصيدته التي سماها “ألا يا غزة العبرات صبرا”:

على هدي الأباة لك ارتياد

وأنت لكل مفخرة مداد

كستك التضحيات لباس عز

كأن ثراك طهره الجهاد

فلسطين الجريحة ذائباتٌ

لك الألباب حزنا والفؤاد

أيلبث بيننا العادون قهرا

وتنزح من مرابعها العباد

أتبقى أمة الأمجاد خرسى

يكحل جل أعينها الرقاد

أيبقى سيف من فتحوا وصالوا

رهين خنوع من حكموا وسادوا

ألا يا غزة العبرات صبرا

فصبر الواثبين هو الضماد

سينهض من ثراك غدٌ بهي

ويزأر في رباك لنا شداد

إذا كان الزمان زمان غدر

ففي أسيافنا ثأرٌ يشاد

وفي أسيافنا وجعٌ وغيظ

و ليس يذود جمرتنا حداد

وفي قصيدة للشاعر العراقي محمود المشهداني نراه ينطلق من نفس إسلامي ويشبه أبطال المقاومة بالمسلمين الأوائل الذي نصروا الإسلام وباعوا أنفسهم للفور بالشهادة والجنان، إذ يقول:

لله در الفتية السارين في

سحب السماء وقد أتوك شهودا

أن صدقوا الرحمن في استبشارهم

بيع النفوس وقد غدون جنودا

هبوا على صهيون مثل رواجم

يرمين نارا تنتديك حصيدا

قد أثخنوا في القتل والأسر الذي

جلبوا به للناظرين وفودا

واستعصموا بالله وهو إلههم

دكوا اليهود، فهل رأيت: يهودا؟

ثم يشبه حركة المقاومة الفلسطينية وتوثب الشباب المجاهد في غزة ضد الاحتلال والصهيونية بالبركان الذي طغى طوفانه وأقلق طمأنينة الصهاينة، وذكرهم بأنه لا سلام لهم في الأرض التي اغتصبوها:

بركان غزة قد طغى طوفانه

فوق اليهود ولا يريد هجودا

وإذا أتونا بالحديد وناره

فالله أكبر نصرة وعديدا

ساءت وجوه يهودها ومن ارتدى

بردائهم جمرا، وساء وقودا

ثم يشير في أحد أبيات قصيدته إلى قوله تعالى في سورة النساء في الآية 104﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم ۖ إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ۖ وترجون من الله ما لا يرجون ۗ وكان الله عليما حكيما﴾، مصبرا المناضلين المجاهدين، ورابطا على قلوب المدنيين، فالعدو وإن لم يبد ذلك يعاني مثل ما تعانون وربما أكثر، لأنه أضعف عقيدة وأرق إيمانا وأبعد تصديقا، إذ يقول:

إن تألموا هم يألمون كمثلكم

ولأنتم ترجون منه خلودا

إن يهدموا من غزة ما هدموا

فالله يؤتي الصابرين مزيدا

ويبدي الشاعر توجعه على ما يحل بأهل غزة، جرح الأمة المنكوء منذ عام، فيقول:

لهفي على أهلي بغزة إنهم

نعم الذين تذاكروا التهجيدا

تلك الجوامع والمساجد هدمت

ومضى أهاليهن ثم سجودا

لكن نصر الله آت إنه

سيطهر الأقصى لنا تمهيدا

من الجزائر… تأريخ بلد المليون شهيد لملحمة الطوفان

وفي قصيدة تحمل عنوان “طوفان الأقصى” للشاعر الجزائري حسين الأقرع نرى الشاعر مفتخرا بنضال المقاومة، حزينا على مآل المدنيين، متوجعا من خذلان الإخوة والخلان، إذ يقول:

اضغط بوجه الرجس كل زناد

وأذق رحيق الموت للموساد

طوفان أهل الخير يا أهلي أتى

ليحرر الأقصى من الأوغاد

والخائنون لهم قوافل عزة

ستدكهم دكا بلا ميعاد

تغلي الحروف لقصتي وقصيدتي

وبرودة الأعصاب بعد جهادي

يا إخوتي صفا لكسر قيودنا

وحدودنا لا سجن للآساد

فإلى متى والصمت يختلق الأسى

وجماجم العشاق ملء الوادي؟

يا أمتي هذا لواء قيامتي

فلقد ذكرت الحرب للأسياد

في غزة الأحرار يعلو صوتهم

الله أكبر والسماء تنادي

يا رب نصرا عاجلا ومؤزرا

ليكون يوم الفتح من أعيادي

من سوريا… تأريخ الوجع الفلسطيني بأقلام سورية دامية الجراح

وفي قصيدة “أطلق رصاصك” نرى الشاعر السوري عبد الناصر عليوي يحفز المجاهدين المناضلين ويشجعهم، ويشد على أيديهم للاستمرار والصمود في وجه الاحتلال الغاشم، فيقول:

أطلق رصاصك كالهتون غزيرا

واجعل عدوك خائفا مذعورا

أقدم تقحم للحصون مكبرا

تبر لما قد دبروا تتبيرا

طهر ترابك من بقايا رجسهم

واقلع لأعتى الغاصبين جذورا

أنت المدافع عن حقوق أهدرت

ماكنت يوما قاتلا شريرا

أنت ابن تلك الأرض لست بعابر

أو كنت من أصحابها تزويرا

أما الشاعر السوري عامر الجراح فيستحضر تاريخ الجهاد في الأمة من عهد بدر وخيبر، ويوثق تجديد طوفان الأقصى لملاحم العزة في الأمة وتاريخها المجيد الذي عاث به الصهاينة فسادا بعد أن عاثوا في حمى القدس ودنسوا مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي توثيقه لملحمة الطوفان يستحضر أيام عز تصفع وجوه الغافلين الغارقين في سبات الاعتياد والهوان، عسى أن تتجدد سيرة الأبطال من عهد سعد والمثنى وصلاح الدين، إذ يقول:

في ديار القدس قد عاث اليهود

غير أن الدين تفديه الأسود

نحن بالله ارتضينا العيش عزا

في زمان عبدت فيه النقود

نحيي في أرض الجهاد اليوم عيدا

منذ بدر وإلى الآن يعود

خيبرٌ فلتشهدي كيف انتصرنا

فلنتبر ما علونا ونبيد

***

في لظى الطوفان ثارت ألف ذكرى

فأفقنا من سبات من جديد

نحن أحفاد المثنى وصلاح

وابن وقاص وأحفاد الوليد

لا نجارى إن دعا للحرب داع

ليس نصغي لرسوم أو حدود

حرةٌ نادت فلا عاش السكارى

سكرة الموت على خفق البنود

أعطني عزي سلاحا ولسانا

أسكت الباغين أذناب اليهود

يا قنا الأحرار في عصر العبيد

آن والله إلينا أن تعودي

ولموريتانيا نصيب وافر في تأريخ الطوفان وامتطاء موجه شعر

وعلى الجانب الموريتاني كان حظ طوفان الأقصى من الشعر كبيرا، لا سيما أنهم بطبيعتهم وكما يعرف عنهم يميلون إلى التعبير شعرا، وقد انبرى كثير من الشعراء الموريتانيين للحديث عن القضية الفلسطينية والدفاع عنها والتنديد بمجازر الصهاينة، ومنهم الشاعر أدي ولد آدب في قصيدته “ملحمة طوفان الأقصى” التي بين فيها كيف انكسرت أسطورة الاحتلال الصهيوني في السابع من أكتوبر، وتزعزعت أمام إرادة المقاومة الفلسطينية وصمودها، إذ قال:

تفاعل الغضب الغزي مذ أمد

وحينما بلغ الأقصى انتهى الأمد

ففار تنور طوفان الفدى مددا

من قلب غزة: يا أقصى لك المدد.

إلى قوله:

قد صبحوا الشبح المنفوخ من زبد

أسطورة الرعب ذابت إنه الزبد

طوفان مسجدنا الأقصى به انجرفت

هزائم الروح واستقوى به الجسد

ومثله الشاعر الموريتاني ولد الدياه الذي تفاعل مع طوفان الأقصى فنظم قصيدة يشد فيها على أيدي المقاومين الفلسطينيين، ويحيي شجاعتهم في الرد على مجازر الاحتلال وجرائمه:

جرّت كتائب عز الدين في الطين

في عز تشرين إخوان الشياطين

وحطمت جبروت الظلم وانتزعت

في غفلة الدهر أوهام الأساطين

قتلا وأسرا إذا بالموت صبحهم

ومرغت منهم الأجسام في الطين

الغرقد اليوم يأبى أن يخبئهم

من خلفه فتواروا خلف يقطين

كأن عهد صلاح الدين عاد وقد

أضحت فلسطين حطينا بحطين

فالويل للظالمين الغاشمين إذن

والعز والنصر للشعب الفلسطيني

كما أعلنت الحكومة الموريتانية شعبا وحكومة بكل ما فيها من أحزاب ومنظمات وهيئات موقوفها الثابت ودعمها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ اللحظات الأولى لانطلاق طوفان الأقصى، وتسابق الشعراء الموريتانيين للتعبير عن فرحهم بالطوفان وألمهم مما يواجهه المدنيون هناك، ومن ذلك ما قاله الشاعر الموريتاني محمد علي عم الأمين المؤازر للحق ورجاله في قصيدة سماها “أعياد تشرين”:

الله أكبر تشرين لقسام

من صبحونا بمحو العار والذام

من أبدعوا بزمان الذل ملحمة

عرت نياشين قواد وحكام

من أثخنوا السبت صهيونا فصبحهم

منهم أشاوس فاقوا كل ضرغام

وأرض غزة حبلى بالكماة على

صدق وفكر وتخطيط بإحكام

والنصر آت فشدوا عزم إخوتنا

فالقدس أرض سلام أرض إسلام

ويصور الشاعر ولد الشيخ في قصيدته “صباح استثنائي” حال الصهاينة وقد جرفهم الطوفان إلى المجاري، وباتت أسطورة الجيش الذي لا يغلب لديهم ولدينا هباء منثورا، فيقول:

هذا صباح تفديه الصباحات

وفيه تلتئم الحمر الجراحات

هذا صباح ترى للفعل متسعا

فيه وضاقت عن القول المساحات

قد أسرجت فيه خيل الله وانتكست

بالقدس للمعتدين البهت رايات

ولوا كسرب الدبى، الطوفان يجرفهم

كأنهم في مجاريه فقاعات

وكذلك الشاعر محمد أحيد سيدي محمد يتغنى بصباح الطوفان في السابع من أكتوبر فيقول:

حدثيني عن الصباح الجميل

عن جهاد بنكهة المستحيل

عن رجال ملثمين كرام

مالهم في زماننا من مثيل

وعبر الشاعر محمد سيد إبراهيم الشنقيطي عن مدى سعادته بانفجار طوفان الأقصى، وكأنه بعث فينا الحياة بعد موات، وكأنه نصرٌ بنكهة البدايات وإن لم يكتمل، فنهوض المقاومة وحده كفيل بدب الحياة في أوصال الأمة النائمة مجددا، إذ قال:

متع فؤادك هذا النصر أحيانا

إن اليهود سرابٌ عند لقيانا

قتلا وأسرى وغنما يوم سبتهم

لما تقدم جيش الحق غضبانا

فهل يراجع من يهفو سياسته

ويدرك اليوم حجم القوم خسرانا

ثم اتكأ على أساليب لغوية من القرآن الكريم واستعان ببعض المعاني التي وردت في آياته عن نصر الله للمجاهدين المؤمنين، فقد استعمل أسلوب الاستفهام القرآني الذي ينحو إلى لفت الانتباه والتعجب ﴿هل أتاك حديث…﴾، واتكأ على قوله تعالى عن شفاء صدور المؤمنين من الذين قاتلوهم وعذبوهم ونكلوا بهم في سورة التوبة: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين﴾، وقوله تعالى في سورة القمر مؤكدا نصر المسلمين وانهزام أعدائهم: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾، مستجمعا من آيات القرآن الكريم الأساليب والمعاني التي تخدم فكرته في تعظيم فعل المقاومة وإجلاله، وتثبيت المرابطين في غزة، إذ قال:

وهل أتاك حديث من مقاومة

يبدد الجبن والتهويل أحيانا

فالآن حين يرينا الله قوته

وبطشه بألد الناس عدوانا

شفى الصدر بـ”الطوفان” إن له

من قلب غزة طوفانا وبركانا

سيهزم الجمع إن الجمع منهزم

فنصرك الله إنا نسأل الآن

أما الشاعر محمد سالم ولد أعمر، فمدح أفعال المقاومة وخص كتائب القسام بشعره فقال:

كتب اللظى بكتائب القسام

أسمى بيان للعلا ووسام

طلعوا كواكب عزة وكرامة

تحدو زئير الفاتك الضرغام

وقال في قصيدة أخرى متغنيا بطوفان الأقصى مخلدا ذكراه في تشرين الذي جاءنا بالبشائر على أيدي المقاومين الأشاوس، جاعلا من الطوفان دثارا للأمة تزدهي به:

طوفان أقصانا به نتدثر

إذ لاح نصر في الزمان مظفر

تشرين جاء وللبشائر هزةٌ

تعلو المنائر بالأشاوس تفخر

تتباشر الأقطار في صلواتها

فرحا بما يجري هنا وتكبر

أسطورة الأمجاد ملحمة الرؤى

لا تبعدي الله أكبر أكبر

علمتم التاريخ كيف سيعبر

فلكم أعدتم للبسالة حظها

في أمة شرفت بكم تستنصر

يا أيها الأبطال عودوا ثانيا

إن الزمان بذكركم يتعطر

وأكمل قصيدته متحدثا عن معاناة أهالي غزة، متألما لما يحل بهم، مذكرا إياهم بجزاء الصبر، وشرف الأمة الذي يحملونه جميعا على أكتافهم، معلنا عن خذلان العرب لهم، متأسفا على ما وصلت إليه أمتنا من ذل وهوان حتى صرنا نرى إخواننا يتقطعون ونقول ما باليد حيلة سوى الدعاء، إذ قال:

عما يلاقي الأهل في مسرى النبي

وفي قطاع غزة الشهم الأبي

على يد اليهود إنهم أذل

مما يخال ذو النفاق وأقل

والعرب ما بين مطبع مسر

ومعلن بذنبه لم يستتر

ثم خاطب كتائب القسام مفتخرا بجسارتهم ومقاومتهم وصبرهم وجلادهم فقال:

كتائب القسام هكذا الشرف

يافوز من دنا فشم واغترف

أعدت للأمة لا لغزة

معنى الشموخ في سماء العزة

فلا نبت عن قصدها الصوارم

ولا انحنت إلا لك العظائم

ولا اعترى ذاك السنا ظلام

ولا عداك النصر والإلهام

ويذهب الشاعر محمود بن أحمد سالك إلى توصيف حاله وحالنا جميعا عند اندلاع طوفان الأقصى، وكيف صرنا أسرى للشاشات ومحطات الأخبار لتزودنا بآخر المجريات وتطورات الأرض الساخنة، فيقول:

أمام الشاشة الآن اعتكافي

وأعلن بالمقاومة اعترافي

وأسجد للذي نصر امتثالا

وفي صف المقاومة اصطفافي

وما عاد الزمان زمان زيف

لقد بدأ الهجوم على الغلاف

صفا الرنق الذي عفنا.. وعدنا

لنشرب من مدام البشر صاف

منذ اندلاع طوفان الأقصى، منذ عام وحتى هذه اللحظة، لا تزال أعيننا متسمرة على الشاشات بانتظار خبر يشفي الصدور، ويطمئن القلوب التي تقطعت ألما وجزعا وقهرا، في هذا العالم الأعمى رغم أنه يرى كل شيء على الهواء مباشرة، فالكاميرات والتغطية في كل مكان، والأحرار الشرفاء من المثقفين العرب والمسلمين يتابعون النضال ولو عن بعد، وطوفان الشعر لا يزال مستمرا من كل بلاد العالم العربي والإسلامي، وبألسنة شعرائه من مختلف البقاع والجنسيات والأعراق، مؤكدا وحدة الدم والمصير في هذه الأمة التي تعددت جراحها مجاهدين باللسان في انتظار طوفان السنان، ليعلم أهلنا في فلسطين الحبيبة أن النصر آت بإذنه تعالى ولو طال الزمن وتباعدت الأيام، إيمانا بقوله تعالى في سورة الروم وتصديقا له: ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾.


  • الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
شاركها.
Exit mobile version