بعد مضي نحو عام من حرب إسرائيل على غزة، نجح المحتوى الرقمي الفلسطيني في كسر القيود وربح مساحات أوسع في منصات التواصل الاجتماعي لنشر تفاصيل تلك المظلمة التاريخية.

ومع هذا المستجد، وصل وقع القضية الفلسطينية إلى فئات عديدة، سواء داخل العالم العربي والإسلامي أو الغربي، رغم ضغوط إسرائيلية تقيد المحتوي الرقمي الفلسطيني.

وحسب خبير مغربي، في حديث للأناضول، فإن منصات التواصل جعلت الفرد يعيش حالة الفلسطينيين دون أن يكون في مكانهم ويعيش مآسيهم، وساهمت في حرية التعبير بالدول التي تقيد المظاهرات.

لكن رغم أهمية هذه المنصات، فإن “الخوارزميات تحد من انتشار المحتوى الفلسطيني”، وفق باحث متخصص استدرك بأن الأفراد وجدوا تقنيات لتفادي الحظر، وبالتالي المحافظة على انتشار المحتوى في ظل استمرار الإبادة.

وبدعم أميركي، أسفرت الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بغزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن أكثر من 138 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

تفاعل رقمي

الخبير المتخصص بالإعلام والتواصل عبد الحكيم أحمين، قال لوكالة الأناضول إن “جميع الفئات العمرية شاركت في التفاعل الرقمي مع (عملية) طوفان الأقصى”.

وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفذت “حماس” عملية “طوفان الأقصى” بمهاجمة قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، حيث قتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على “جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى”.

وشدد أحمين على “أهمية منصات التواصل الاجتماعي، والتي دفعت العديد من الفئات في الغرب إلى الخروج في مظاهرات، مثل طلاب الجامعات الغربية”.

وأشار إلى “مشاركة الفنانين والممثلين والرياضيين والمثقفين، سواء في العالم العربي أو الغربي، في التفاعل الرقمي”.

كيف ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في فضح جرائم الاحتلال؟

وبخصوص الداخل الفلسطيني، قال أحمين إن “انخراط الأجيال الجديدة كان واضحا”.

وأضاف أن هذا الانخراط “جعل إسرائيل تضيق وتستهدف مشاهير منصات التواصل وأصحاب القنوات في يوتيوب والصحفيين الذين ينقلون البث المباشر من غزة”.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب هجماتها في غزة، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.

أدوات نشر شخصية

ووفق الباحث في المجال التقني حسن خرجوج، فإن “منصات التواصل كان لها دور كبير في التعريف بالقضية في ظل التطور التكنولوجي، والتجاوز الذي طال الإعلام التقليدي من جريدة وراديو وتلفاز”.

وتابع خرجوج، أن “كل مواطن يملك أدوات للنشر عبر الهاتف، لذلك فإن منصات التواصل ساهمت في انتشار المعلومة المرتبطة بالقضية بشكل كبير”.

وأوضح أن “مقاطع الفيديو تنتشر بشكل كبير في مختلف مناطق العالم، بشكل آني وسريع”.

وأردف أن “جيل زد” (Z Generation) بدأ يتابع القضية، وأصبح يتفاعل بشكل كبير ويشارك المحتوى ويتعاطف معه.

و”جيل زد” هم مواليد من أواخر التسعينيات أو من عام 2000 إلى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، في حين أن جيل “ألفا” هو الذي رأى النور منذ 2010 إلى 2020.

وإذا كان الجيل الأول نشأ في ظل بيئة إعلامية تقليدية بموازاة بيئة رقمية، فإن الجيل الثاني وجد نفسه في خضم الثورة الرقمية.

وقال خرجوج إن “المحتوى الرقمي له أثر كبير على مستوى الانتشار، والأجيال الحالية تعيش الفترة الذهبية من حيث سرعة انتشار المعلومات، خاصة بمنصات التواصل الاجتماعي”.

وأكد أن “القصص المصورة يكون لها أثر كبير وتنتشر بشكل سريع عن طريق العدوى (انتشار سريع جدا).. والأجيال الحالية تتأثر بخصوص ما يقع بغزة”.

وحوّلت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصره للعام الـ18، وأجبرت الإبادة الجماعية نحو مليونين من مواطنيه البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.

ذوبان الحدود

بدوره، أشاد أحمين بالدور البارز الذي يقوم به “جيل زد” سواء على المستوى الرقمي أو الواقعي، خاصة أنه قاد في وقت سابق احتجاجات في حي الشيخ جراح بمدينة القدس الشرقية المحتلة.

وتخشى عشرات العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح من طرد وشيك لها من منازلها التي عاشت فيها منذ عام 1956، لصالح مستوطنين إسرائيليين.

وزاد أحمين “حاليا الكل منخرط في العالم الرقمي، بما فيها الفئات العمرية الأخرى، خاصة أن الأجيال السابقة عاشت فترة الفضائيات والقنوات الإعلامية، ثم انخرطت في المنصات الرقمية”.

وأضاف أن “الانتشار الواسع للمنصات الرقمية جعل الحدود تذوب بين المناطق والأجيال، وتجد كبار السن منخرطين إلى جانب الأجيال الشابة”.

و”المنصات الرقمية جعلت الفرد يعيش حالة الفلسطينيين دون أن يكون في مكان الحادث، ويعيش مآسيهم، وما يتعرضون له”، حسب أحمين.

تقييد الخوارزميات

غير أن خوارزميات المنصات الرقمية، وفق خرجوج، تحد من انتشار المحتوى الرقمي الفلسطيني “الذي يخضع لرقابة بشكل كبير”.

واستدرك “الأفراد وجدوا تقنيات لتفادي حذف الخوارزميات هذا المحتوى، وبالتالي المحافظة على انتشاره”.

وحسب مركز “صدى سوشال” (أهلي) عبر تقرير في مايو/أيار الماضي، ارتكبت منصات التواصل أكثر من 5450 انتهاكا للمحتوى الرقمي الفلسطيني خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024.

وأفاد بأن 32% من إجمالي هذه الانتهاكات كانت في إنستغرام، و26% في فيسبوك، و16% في واتساب، و14% على “تيك توك”، فيما بلغ حجم الانتهاكات في “إكس” 12%.

وانتقد أحمين بعض الدول المطبعة (لم يحددها) التي فرضت على شبابها عدم التعبير في منصات التواصل الاجتماعي، وفرضت ما أسماه “قمعا اتصاليا” على شبابها.

بينما “الدول الغربية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا سمحت لجماهيرها وشبابها التعبير عن آرائهم بشكل واضح”، كما أضاف.

وحسب أحمين، فإن “بعض الدول مارست نوعا من التضييق الرقمي في البداية، خاصة فرنسا وألمانيا، وتراجعت بعد ذلك، بفعل الزخم الشعبي القوي الذي عبَّر عن تعاطفه مع الشعب الفلسطيني”.

ولفت إلى أن “فئات من العرب والمسلمين شاركوا على المستوى الواقعي والافتراضي ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، عبر المنصات الرقمية، خاصة المقيمين بالغرب، والذين كان لهم دور كبير في كسر القيود والخوف”.

وشدد في الوقت نفسه على أن “بعض الدول بالمنطقة ما تزال تفرض قبضة حديدية على حرية التعبير”.

وأكد أن “المتابعة الرقمية كان لها فوائد عديدة، وجعلت الفئات الصغيرة والشابة تتعرف على القضية الفلسطينية لأول مرة”.

و”بعض الدول الأخرى تساند الفلسطينيين دبلوماسيا وإعلاميا، لكنها فرضت على شعبها عدم الخروج في مظاهرات، لكنهم استغلوا مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني”، كما ختم أحمين.

شاركها.
Exit mobile version