في قلب تيرانا، أصبحت فيلا الدكتاتور الشيوعي السابق أنور خوجا (1908 – 1985)، رمز القمع الذي خنق ألبانيا لعقود من الزمن، مركزا لاستضافة فنانين شباب من مختلف أنحاء العالم لتحويل المكان إلى فسحة للابتكار والتبادل والحرية.

وقال برونو جوليار، مدير مؤسسة “آر إكسبلورا” الفرنسية، التي ساعدت في تحويل فيلا خوجا إلى مقر إقامة للفنانين: “يا له من تحدٍّ للتاريخ، أن يتم تشجيع حرية الإبداع في هذا المكان، الذي كان في ما مضى مرتبطا بالسلطة، وفيه كانت تُتخذ قرارات الرقابة والحظر”.

كانت دكتاتورية أنور خوجا، الذي توفي عام 1985، من بين الأكثر قمعا ودموية في تاريخ أوروبا المعاصر، وكان الفن الحديث والمعاصر محظورا كليا خلالها، وزُجَّ عدد كبير من الفنانين في السجون.

لكنّ هذا التشدد لم يمنع خوجا، الذي تلقى تعليمه الجامعي في فرنسا، من أن يقتني في مكتبته الخاصة، التي يمكن الاطلاع عليها بفضل هذا المشروع، 10 كتب كان أي ألبانيّ سُجن أو تعرّض لما هو أسوأ لو وجدت في حوزته، ومن بينها “الجنس والعنصرية في الولايات المتحدة”، و”الرقص مع الشيطان” لبيار سالفا، و”الشيوعية من بودابست إلى براغ، 1956-1968″.

الإقامة الفنية بفيلا خوجا

وفي النسخة الأولى من برنامج الإقامة الفنية، تستضيف “فيلا 31 × آر إكسبلورا” 22 فنانا من نحو 15 جنسية، يعملون جميعا على الهياكل الاجتماعية، وهو موضوع لم يكن واردا تناوله في عهد الدكتاتورية.

وقالت الباحثة ومصورة الفيديو الإيطالية الشابة، غيني بيتروتا، قبل أيام إن الأماكن من هذا النوع تشجع التأمل والإبداع وتلهمهما.

وأضافت في حديث لوكالة فرانس برس “كل يوم عندما أستيقظ، أكتب أحلامي لأنني هنا أرى أحلام عبثية، وبطريقة ما، تعمل تلك الأحلام كمسرح عاطفي درامي، وتؤثر على كتابتي. لذا، من المهم أن أكون هنا، لأن ذلك يضيف شيئا غير متوقع إلى عملي”.

Vila 31 x Art Explora Residency Programme - First session of artists

ويذكّرها هذا المنزل بمسرحيتي هاملت وماكبث، وستعمل فيه على عمل حديث عن صراعات السلطة.

كانت “فيلا 31″، التي عاشت فيها عائلة خوجا حتى سقوط الشيوعية في مطلع عام 1991، تقع في ذلك الوقت في قلب حي محظور على معظم الألبان، ويحرسه ليل نهار رجال الشرطة والعملاء السريون. أما اليوم، فيضم عددا كبيرا من الحانات والمقاهي، في حين أعيد تصميم المنزل بالكامل، مع الإبقاء على بعض أثاث الزمن الغابر وعلى لوحات واقعية اشتراكية ضخمة.

“كل ما كان خوجا يكرهه”

وأشار رئيس الوزراء إيدي راما خلال مراسم افتتاح مقر الإقامة في منتصف يناير/كانون الثاني إلى أن “هذه المساحة ستُستخدم لتحقيق كل ما كان أنور خوجا يكرهه.. ما سيجعله يتقلب في قبره خجلا”.

ودفن الدكتاتور الشيوعي الذي حكم ألبانيا مدة 40 عاما كبطل قومي في مقبرة الشهداء بعد وفاته عام 1985، ولكن بعد سقوط الشيوعية جرى استخراج رفاته عام 1992 ونقل إلى مقبرة عامة عادية في إحدى ضواحي العاصمة تيرانا.

ومن بين الدفعة الأولى من الفنانين الذين استضافتهم فيلا خوجا الأوكرانية المقيمة في سراييفو ستانيسلافا بينتشوك. وتعتزم هذه الفنانة المعروفة برسومها وأعمالها التجهيزية ومنحوتاتها درس الطريقة التي يحافظ بها الفضاء على الذاكرة ويشهد على الأحداث السياسية التي تنتهك حقوق الإنسان.

ولاحظت بينتشوك أن: “كل شيء في (هذا المنزل) يتنفس الألم والتوتر”.

وقالت المديرة الفنية للمؤسسة، بلانش دي ليسترانج، لوكالة الصحافة الفرنسية:

“إن استقبال فنانين من بلدان عدة، يعملون بوسائل مختلفة، سيعزز هذا المكان الجديد، ويرفع من روح التنافس الفني الدولي المتعدد التخصصات في قلب البلقان”.

من الغموض إلى الفن

وتقود أبواب الطبقة السفلية من الفيلا والمخبأة وراء قاعة سينما خاصة إلى عالم من الأنفاق والملاجئ المضادة للأسلحة النووية التي يبلغ طولها كيلومترات عدة، كما لو كانت بمثابة مدخل مباشر إلى جنون العظمة الذي سيطر على أنور خوجا. وقد تآكلت بفعل الزمن والرطوبة نظرا إلى إهمالها وإغلاقها لسنوات.

لكنّ غيرتا خافيراج، وهي مهندسة معمارية وفنانة تشكيلية ألبانية تعيش وتعمل في سويسرا، تريد تحويلها إلى تحفة فنية.

وقالت:

“ماذا تخفي كل هذه الأشياء؟!.. ليس فقط حرفيا، بل أيضا رمزيا.. ماذا تمثل؟!.. أريد الكشف عن هذا العالم السفلي، وتحويل غموضه إلى فن”.

وأضافت: “هذا الموقع التاريخي الذي كان في السابق ملكا للدكتاتورية، سيجسد الآن الحرية والمستقبل”.

شاركها.
Exit mobile version