عندما وصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى حوران وهو في طريقه إلى بيت المقدس، خرج أهل درعا يستقبلونه بالسيوف، فطلب من أصحابه منعهم، لكن أبو عبيدة بن الجراح أخبره بأنها عادة عندهم.
ووفقا لحلقة 2025/3/30 من برنامج “رحاب الشام”، فقد أمر عمر بترك أهل درعا على ما هم عليه عندما حذره أبو عبيدة من أنهم قد يرون في منع عاداتهم نقضا للعهد الذي بينهم وبين الخليفة.
وعندما ارتاح أمير المؤمنين لأهل حوران وارتاحوا له، أمر ببناء أول مسجد في المدينة، وهو المسجد العمري الباقي حتى يومنا هذا ويحمل اسمه رضي الله عنه.
ويعتبر المسجد العمري أهم وأشهر معالم حوران، وهي منطقة واسعة تمتد بين جنوب دمشق والأردن، وكان الرومان يسمونها أورانتيس.
ودرعا هي عاصمة حوران، ويقال إن اسمها إزرعا أو إزرعات، أي الحصون أو الكهوف باللغة الآرامية، وفق باسل الجهاني، مدير شعبة آثار الصنمين.
وقد وصلت جيوش المسلمين لسهل حوران ففتحت غالبية مدنه صلحا دون قتال، ومن أبرزها درعا وبصرى. وبعد فتح حوران، فتحت معظم مدن الشام وبعدها بيت المقدس الذي رفض كهنتها تسليم مفاتيحها إلا لخليفة المسلمين، وبالفعل مر عمر بن الخطاب بحوران وهو في طريقه إلى القدس.
المسجد العمري وطريق الحجاز
ويعتبر مسجد حوران من بين المساجد القليلة التي بنيت في أول الإسلام وقد بقي على وضعه منذ بنائه بحجارته البازلتية السوداء القادرة على مواجهة المطر والعوامل الجوية.
ويتكون المسجد من صحن كبير وصالة مستطيلة للصلاة ومئذنة ترتفع 20 مترا، ويمكن للواقف فوقها رؤية درعا كاملة، وقد تعرضت للتلف بسبب قصف نظام بشار الأسد، لكن أهل المدينة أعادوا ترميمها.
وهناك الكثير من البيوت القديمة في المدينة المبنية من الأحجار نفسها وهي لا تزال صامدة في وجه الزمن منذ مئات السنين.
وتنقسم درعا إلى قسمين، هما درعا البلد وهي البلدة القديمة ودرعا المحطة التي بنيت حديثا، ويقال إنها سميت على اسم محطة قطار الحجاز الذي كان يصل أوروبا بسوريا ولبنان وفلسطين ومكة المكرمة إبان الحكم العثماني. وكانت المدينة محطة مهمة على طريق الحجاز التي كانت تتجاوز كونها طريقا إلى كونها جسرا يربط الأمة الإسلامية.
وتعتبر سكة حديد درعا جزءا من خط الحديد العثماني الذي شيد في عهد السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1900 لربط إقليم الخلافة بمكة المكرمة خدمة للحجاج. لكن هذه الطريق دمرت كجزء من تدمير الخلافة.
مبانٍ تاريخية
وأكد كثير من الباحثين وجود مدينة تحت المدينة، وهي مكونة من بيوت صخرية وأنفاق، وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان. كما وردت درعا في أبيات كثير من الشعراء ومنهم امرؤ القيس.
ويوجد في المدينة أيضا قصر عابدين، الذي يبعد 16 كيلومترا من قلب المدينة، وقد بني سنة 200 للميلاد تقريبا، ويعتبر واحدا من أجمل قصور العصر الروماني، وهو مثال على المباني الريفية التي حافظت على أصالتها حتى اليوم.
وبني القصر على الطرازين الروماني والبيزنطي. ويقال إن صاحبه جلب العديد من الفنانين المهرة من مختلف المدن للحصول على تحفة معمارية. وهو يحمل اسم عائلة زين العابدين التي سكنته لفترة طويلة جدا، وبقيت فيه حتى عام 1992، قبل أن يتحول لمكان أثري.
وفي درعا أيضا، توجد الكنيسة البيزنطية التي تعتبر واحدة من أقدم كنائس المنطقة، وهي تحفة معمارية تم بناء كنيسة آيا صوفيا التركية على نمطها.
وذكرت درعا، أو إزرعا، في الإنجيل والتوراة، وأرسل إليها السيد المسيح -عليه السلام- بعضا من تلاميذه هما يعقوب وبيرثلاماوس، وقد بقي فيها بولس الرسول الذي نقل المسيحية للعالم الغربي كله 3 سنوات، كما الباحث التاريخي يوسف شحادة.
وأخيرا، تضم درعا أيضا مدينة نوى التي ينتمي لها الإمام النووي صاحب الأربعين النووية، والذي تعرض قبره للتدمير ثم أعيد بناؤه على يد أهل المدينة.
وتشتهر درعا بكرم أهلها، ويطلق عليها البعض “أم اليتامى” لشدة كرمها، وقد بنى أهلها كثيرا من المساجد التي حملت اسم عمر بن الخطاب كإشارة على حب أهلها له، وبها أيضا كثير من الكنائس التي تعكس حالة التعايش بين أهلها بمختلف دياناتهم.