سراييفو- وسط جمع من صناع الأفلام العالميين والجمهور البوسني، عرض فيلم “الطنطورة” الوثائقي للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، الذي يوثق -بأدوات سينمائية- إفادات جنود من لواء “ألكسندروني” يعترفون بارتكاب مجزرة قرية الطنطورة الفلسطينية ودفن شهدائها في قبر جماعي.

ويتتبع الوثائقي قصة طالب الدراسات العليا الإسرائيلي تيدي كاتز الذي وثق مقتل المدنيين الفلسطينيين عبر شهادات شفهية للجنود المشاركين في المجزرة خلال حقبة ما يعرف إسرائيليا بحرب “الاستقلال الإسرائيلي” وفلسطينيا باسم “النكبة”، وحظي الباحث الإسرائيلي في البداية بالاحتفاء لعمله العلمي الدقيق، ولكن سرعان ما جُرِّد من درجته العلمية وتم استهدافه علنا باعتباره خائنا محتالا.

وبعد عقود من الزمان، ظهرت أدلة جديدة لتؤكد النتائج التي توصل إليها تيدي كاتز، ليس فقط لتبرئته، بل لإثارة تساؤلات عميقة عن كيفية تعامل الإسرائيليين مع أحد أكثر الفصول قتامة في التاريخ المعاصر، وتروي القصة غير المروية لتأسيس إسرائيل حيث يحظر الحديث عن “النكبة”.

وعبّر حضور من البوسنيين في سراييفو عن ألمهم من قصة الفيلم التي رأوا فيها انعكاسا لقصة الإبادة في البوسنة في حقبة التسعينيات، وقالت الصحفية الفلسطينية أشيرة درويش التي حضرت عرض الفيلم أنها تأثرت كثيرا بالوثائقي الذي يتناول الطنطورة، وأضافت -في حديث للجزيرة نت- أنها تألمت بشدة لأنها عرفت أن المكان الذي كانت تُصف فيه السيارات -عندما تزور المنطقة- يقع تماما فوق المقبرة الجماعية التي دفن فيها الفلسطينيون.

قرية الطنطورة

وارتكبت المجزرة في قرية الطنطورة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، التي هُجّر أغلب أهلها المقدّر عددهم بأكثر من 1200 في النكبة إلى قرية الفريديس القريبة، ومنهم من استقر فيها، بينما الجزء الأكبر من سكان الطنطورة أجبرهم المستوطنون على الرحيل، فتفرقوا حتى استقر بعضهم في مخيم اليرموك بسوريا أو في منطقة إربد بالأردن وبعض القرى العربية في الداخل الفلسطيني.

ويعتمد الفيلم على روايات وإفادات امتدت 140 ساعة، لناجين من المجزرة ولمشاركين في ارتكابها، كما استندت إلى الكشف عن وثائق بالأرشيف الإسرائيلي تتضمن اعترافات لبعض الضباط خلال المراسلات بينهم بارتكاب المجزرة -في 23 مايو/أيار 1948- وقتل السكان من دون الإشارة إلى عدد الضحايا ووضع الجثث في قبر جماعي.

ولم يتوقف ما كشف عنه فيلم الطنطورة عند اعترافات 4 جنود من لواء “ألكسندروني” الذين شاركوا في المجزرة، بل أظهر تصوير جوي ثلاثي الأبعاد للمنطقة أن حفرة حُفرت في عام 1948، بعد ارتكاب المجزرة، بطول 35 مترا وبعرض 4 أمتار وبعمق متر واحد.

وبالاعتماد على الشهادات المسجلة والتاريخ الشفوي، أجرى الباحث كاتز مقابلات مع عشرات الجنود الذين شاركوا في العملية، فضلا عن الناجين الفلسطينيين الذين تجاوزوا الآن التسعين من عمرهم. واستنادا إلى النتائج التي توصل إليها، خلص كاتز إلى أن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب في الاستيلاء على الطنطورة، مثل قتل أفراد عُزّل واغتصاب ونهب ممتلكات، ونشرت الأطروحة التي لم يلتفت إليها كثيرون حينها، ولكن بعد عامين، التقطت صحيفة إسرائيلية الأطروحة ونشرت عنها.

وبعد نشرها، رفع قدامى المحاربين في لواء ألكسندروني دعوى قضائية ضد كاتز بتهمة التشهير، وشكلت جامعة حيفا لجنة خاصة لإعادة النظر في الأطروحة الأكاديمية لتجد “أخطاء منهجية أثارت تساؤلات عن الأطروحة”، واضطر كاتز للاعتذار والتراجع عن أطروحته، مقابل إسقاط التهم القضائية، وتم استبعاد عمله من أرفف المكتبة الإسرائيلية.

أين المقبرة الجماعية؟

وقبل عام أعدت لجنة من أهالي قرية الطنطورة الفلسطينية المهجرة تقريرا يحدد مواقع المقابر الجماعية للمجزرة التي وقعت في القرية قبل 76 عاما، وبعضها لم يكن معروفا من قبل.

وجاءت هذه النتائج بعد تحقيق أجرته اللجنة بالتعاون مع مركز “عدالة” الحقوقي ومؤسسة “فورنسيك أركيتكتشر” (Forensic Architecture) على مدى عام ونصف العام، وشمل تحليلا للخرائط ودراسة للصور الجوية قبل وبعد احتلال القرية، وكذلك الاستماع إلى العديد من الشهادات.

وحددت اللجنة 4 مواقع للمقابر الجماعية، وقالت إن النتائج التي توصلت إليها من شأنها أن تؤسس لمسار قانوني بهدف الحصول على اعتراف إسرائيل بالمجزرة وفرض حرمة تلك المقابر الجماعية، مما يسمح لذوي الضحايا بدفنهم بالشكل اللائق.

شاركها.
Exit mobile version